القاهرة- عبدالغني دياب
يحتفل الشعب المصري وقواته المسلحة بالذكرى الخمسين على حرب أكتوبر المبين الذي حققت فيه القوات المسلحة المصرية نصرا عزيزا مؤزرا، وطردت الغزاة وطهرت الأرض المباركة في سيناء من دنسهم، وأعادت العلم المصري يرفرف مرة ثانية فوق هذه البقاع الغالية من أرض الوطن، وبعد مرور 50 عاما على النصر لا تزال الأيادي الباسلة تحقق الانتصارات على نفس الأرض بعدما دحرت الإرهاب، ومدت شرايين التنمية إلى أقصى نقطة في شرق البلاد.
العبور الجديد
في مارس الماضي أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن تحقق العبور الجديد بعدما أعلن أن شبه جزيرة سيناء باتت مؤمنة تماما، وأن القوات المسلحة والشرطة انتصروا على الإرهاب بشكل كامل، وأن شرق البلاد بات آمنا مطمئنا، وأهله أعزة لم تنكسر شوكتهم أمام عصابات التكفيريين الذين توهموا أن بإمكانهم أن ينتزعوا جزءا من مصرنا الغالية، لكن باغتتهم ضربات الصقور قوية ومميتة.
لم يقف العبور الجديد عند تطهير سيناء من دنس الإرهاب، بل امتدت أيادي الخير إلى أقصى نقطة في رفح المصرية، عبر مشروعات قومية شملت الإسكان والاستصلاح الزراعي ومد الطرق، وبناء السكك الحديدية، وإعادة تأهيل الموانئ، وغيرها من المشروعات التي ستحول أرض الفيروز إلى جنة على أرض مصرية.
محافظ شمال سيناء الدكتور محمد عبدالفضيل شوشة قال عن هذه المشروعات إنها الحل الأمثل للخروج من المشكلات التى تتعرض لها مصر، حيث تم إنشاء 17 تجمعًا في سيناء بتكلفة مليار و595 مليون جنيه لخدمة 550 أسرة، منها 10 تجمعات في وسط سيناء و7 تجمعات في جنوب سيناء، حيث حصلت كل أسرة على منزل و5 فدادين للزراعة، مشيرًا الى أنها نواة لأهالي سيناء، حيث يجري اختيار أماكن أخرى لإقامة عدد آخر من التجمعات في كل من العريش والشيخ زويد ورفح، إذ يعد كل تجمع متكامل المرافق والأنشطة التنموية، ويضم أراضي زراعية مجهزة ومنزلًا وديوانًا ومسجدًا ومدرسة تعليم أساسي وساحة رياضية ومجمع محلات ومرافق خدمية متنوعة وأنشطة ومشروعات إنتاجية.
ولفت المحافظ إلى أن التجمعات التنموية تستهدف توطين 3.5 مليون نسمة، مؤكدًا أن الإطار العام لإنشاء التجمعات التنموية يكمن في الارتقاء بمستوى الموارد المتاحة وتدعيم الهيكل الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والأمني بها، إلى جانب المساهمة في حل المشكلة السكانية وتوفير المزيد من فرص العمل.
وأشار المحافظ إلى إقامة 13 تجمعًا للتنمية المتكاملة في وسط سيناء عن طريق جهاز تعمير سيناء، لافتًا إلى السعي لجعل سيناء سلة الغذاء في مصر، وذلك من خلال زيادة رقعة الأراضي الزراعية وتحقيق التنمية كهدف استراتيجي، مؤكدًا على البدء بالمشروع القومي لتنمية سيناء وتوصيل مياه النيل إلى سيناء عبر ترعة السلام التي تضيف مساحة 400 ألف فدان إلى الرقعة الزراعية، منها 125 ألف فدان بالمحافظات المجاورة، و275 ألف فدان داخل شمال سيناء، ومشيرًا إلى الاستفادة من محطة معالجة مياه بحر البقر التي تضيف مساحة 600 ألف فدان جديدة إلى زمام الأراضي الزراعية بالمحافظة، وأنه سيتم البدء فورًا في تنفيذ المرحلة الأولى لاستصلاح وزراعة مساحة 460 ألف فدان يجرى إنشاء البنية الأساسية لها وتجهيزها للزراعة.
ليس هذا فحسب، بل دشنت الدولة المصرية بإشراف القوات المسلحة عدد “4” أنفاق سيارات – عدد “2” نفق شمال الإسماعيلية بطول “6,1” كم/ النفق – عدد “2” نفق جنوب بورسعيد بطول “4,05” كم/ النفق لربط شرق القناة بغربها، كما تم بناء 1200 وحدة سكنية للإسكان الاجتماعي في العريش، بالإضافة إلى عشرات العمارات السكنية والمنازل في مدينة رفح، والشيخ زويد، وإعادة إحياء محطات السكك الحديدية في المدن الثلاث.
كيسنجر يروي فصول الملحمة المصرية
نجاح ممرات التنمية ودحر الإرهاب لا يقل في إنجازه عن طرد المعتدي الغاصب، حينما رفع البواسل الراية المصرية شرق القناة، وأعادوا للعسكرية المصرية الكبرياء والشموخ، والذي قال عنه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، والذي تولى المنصب في الفترة من 1973 إلى عام 1977، “إنه كان معجزة مصرية لم تكن متوقعة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الملقب بـ”الثعلب العجوز” خلال مقابلة مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، روى خلالها كواليس عن حرب أكتوبر 1973، “في الساعة السادسة والنصف صباحا، طلب مني جوزيف سيسكو، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، مقابلتي بشكل عاجل، قائلا هناك أزمة في الشرق الأوسط، وإذا تصرفت على الفور، فلا يزال بإمكانك إيقاف ذلك”.
وذكر هنري كيسنجر، أنه في ذلك الوقت كان رفقة فريق رفيع المستوى في وزارة الخارجية بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي للأمم المتحدة، وكان الفجر قد بدأ بالبزوغ في “المدينة الأكثر يهودية خارج إسرائيل”، بحسب الصحيفة.
ويضيف الدبلوماسي الأمريكي الأسبق: إنّه في يوم حرب السادس من أكتوبر، وردت تقارير عن هجوم على قناة السويس، وفقا لـ”هنري” فإنّه اعتقد أنّ الإسرائيليين لابد أنهم هاجموا، لأنه لم يعتقد أحد أن المصريين قادرون على شن هجوم عبر قناة السويس، لكنّه اعتقد أنّه من المستحيل أن يهاجم الإسرائيليون في يوم الغفران، ولكن بحلول منتصف النهار، أصبح من الواضح أن هذه كانت حربا نظامية، وأنها كانت هجوما واسع النطاق”.
ويتابع كيسنجر بالقول: “اعتقد فريقنا أن الإسرائيليين سوف يسحقونهم في غضون ساعات قليلة.. أول شيء قمت به هو التوجه إلى السفير الإسرائيلي سيمحا دينيتز.. ولم يكن في واشنطن، وقد كان في القدس”.
معلومات غير عادية
وأوضح “الثعلب العجوز” ردا على سؤال حول الوضع المتطور في الشرق الأوسط في خريف عام 1973: “لقد أصبحت وزيرا للخارجية قبل أسبوعين من بدء الحرب، لكنني كنت مستشارا للأمن القومي لمدة أربع سنوات ونصف السنة قبل ذلك، وفي المسار الطبيعي للأحداث، لم تتضمن التقارير الاستخبارية التي تلقيتها أي معلومات غير عادية.. تم تنصيبي كوزير للخارجية يوم السبت 3 سبتمبر، وبعد ذلك رأيت تقارير عن تمركز القوات العسكرية المصرية.. لا أتذكر أنهم أبلغوا عن أي شيء عن السوريين، لكنهم كانوا بالتأكيد يبلغون عن حشد عسكري”.
لكن وفقا لوزير الخارجية الأمريكي السابق، فإنّ الحشد العسكري لم يعن الكثير لأمريكا، خاصة وأنّ الرئيس أنور السادات هدد في السابق كثيرًا، لكنّه، وفقا لهنري، لم يفعل شيئًا، بالرغم من خوف وزير خارجية أمريكا من تطور الوضع، لكن لم تكن هناك أخبار تدعم مخاوفه، حسب هنري “لقد حاولت إسرائيل طمأنتنا.. كانوا يخشون أن نمارس الضغط، فقالوا لنا إنهم لا يرون أي سبب للقلق بشكل خاص”.
ومضى قائلا: في إسرائيل أيضا، في الأيام التي سبقت اندلاع الحرب، تراكمت الأخبار عن تمركز قوات كبيرة غرب قناة السويس وقد فسرها قادة الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات باستثناء عدد قليل من الضباط ذوي الرتب المتوسطة على أنها جزء من مناورة، وكانوا مقتنعين بأن المصريين لا ينوون شن هجوم.. وقد رفضت الرقابة العسكرية تقارير المراسلين العسكريين حول حشد قوة مصرية غير عادية في سيناء، ولم تظهر المخاوف من حرب فعلية إلا يوم الجمعة 5 أكتوبر، عشية يوم الغفران”.
ويذكر كيسنجر “في نهاية يوم من القتال، عندما اقترب وقت الظهر من يوم الأحد، كان من الواضح أن الجيشين المصري والسوري قد أحرزا تقدما كبيرا، لكننا حاولنا منع النصر العربي الذي كنا ننظر إليه على أنه انتصار سوفيتي.. لقد كنا على قناعة تامة منذ اللحظة الأولى بأننا سنعيد الوضع إلى ما كان عليه، ولكن بحلول نهاية اليوم الأول كان من الواضح أن الجيوش المهاجمة قد حققت تقدما واسع النطاق”.
وأكد الوزير الأسبق أن “مشهد المعركة كان مختلفا تماما عما تخيله الخبراء الأمريكيون عندما أصبحت أنباء الهجوم المصري معروفة، مضيفا: “عندما اندلع القتال، تمكن المصريون من اختراق خط “بارليف” وتسلل أكثر من 100 ألف جندي ونحو 400 دبابة ووحدات كوماندوز إلى سيناء، وبناء عدة جسور فوق القناة”.
وصرح بأنه في الأيام الأولى من الحرب، فقدت إسرائيل ما يقرب من 200 مقاتل يوميا وتم أسر العديد من جنود الخط الأول من قبل مصر، ولم يكن لدى القوات الجوية الإسرائيلية رد مناسب على الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “SA6” سوفيتية الإنتاج.
وقال “الثعلب العجوز”: في الأيام الثلاثة الأولى من القتال، فقدت القوات الجوية الإسرائيلية 49 طائرة وتضررت 500 دبابة في سيناء.. كان هناك نقص في ذخائر المدفعية في مستودعات الطوارئ وتم اكتشاف أن المعدات صدئة جزئيا وغير صالحة للاستخدام.
وأكد كيسنجر أن الحكومة الإسرائيلية ذهلت وأن وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيسة الوزراء جولدا مائير، على وشك الانهيار.
قائد مصري يحكي كيف صنعوا المجد
وفي المقابل قال العميد محمد عبدالمنعم يوسف قائد الفصيلة الثالثة، السرية الأولى بالكتيبة 335 مشاة، لواء النصر، في حرب السادس من أكتوبر، إنه في شهر سبتمبر 1973 لم يكن لدى أفراد القوات المسلحة أي اعتقاد أن العبور سيكون في السادس من أكتوبر، ولكن كانت بعض التجهيزات للحرب تتم في إطار التمويه الذى تقوم به القوات المسلحة.
وأضاف “عبدالمنعم”: “في إجازات الفترة التي سبقت الحرب كان الناس يسألوننا متى ستحاربون ومتى ستعبرون لتحرير الأرض، وكان ردي هو قريبا أو هانت إن شاء الله، فقد كنا نتدرب وبالتأكيد كان غرض هذا التدريب هو الحرب وتحرير الأرض”.
وواصل: “بالنسبة لكتيبتنا، فإنها في الدفاع تمتد لـ4 كم في شرق القناة من جبل مريم حتى سرابيوم في الإسماعيلية، ولكن في الهجوم كنا نضيق هذه المسافة، وفى الأول من أكتوبر 1973 بدأت الكتيبة تضيق، وقيل لنا إن هذا الأمر يحدث للتدريب أو التمويه، حتى وجدنا الدبابات احتلت أماكنها في 4 أكتوبر وهناك دبابات أصبحت موجودة في جبل مريم، أما العدو فقد كان أعمى ولم يكن يدرك حقيقة ما يحدث”.
وأكمل: “قبل حرب أكتوبر بـ48 ساعة تم تسريح 20 ألف جندي وخرجوا إلى الاحتياط، ثم عادوا مجددا بالتدريج، وكان ذلك قرارا تكتيكيا، وأعلنت القوات المسلحة عن رحلة حج، ومن ثم هل يمكن لأي دولة تريد الحرب أن تجعل ضباطها يؤدون شعائر الحج؟! لم تكن هذه الرحلة حقيقية، ولكنها كانت مجرد إعلان للتمويه حتى تعتقد إسرائيل بأننا لن نحارب، وبحلول السادس من أكتوبر كان الجميع في مكانه، لكننا لم نكن نعلم متى سنحارب أيضا”.
وتابع: “في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا مرّ قائد السرية علينا وقال لنا “يا رجالة إحنا هنعدى قناة السويس النهارده الساعة 2.20″، وعدينا على العساكر وكل واحد بقى يتمم على الأكل بتاعه والسلاح وكل شيء، حتى يكون الكل جاهزا للمعركة، ولم نكن نصدق أننا سنعبر، لكننا كنا ننفذ الأوامر، لم نعلم ساعة الصفر إلا لحظة العبور”.
وواصل: “في الساعة الواحدة والنصف ظهرا صدرت الأوامر، ورغم كل ذلك لم تكن تعلن إسرائيل شيئا رغم الأقمار الصناعية التي تمتلكها والتي كانت تستخدم في رصد كل شيء، كما أن المدفعية والدبابات دخلت مرابضها حتى يتم تجهيزها للعبور، وعندما تمت عملية نفخ القوارب كانت كلمة السر التي أبلغنا بها القادة هي الستات حوامل، أي أنها أصبحت مملوءة بالهواء وتم نفخها”.
وواصل: “بعد عودة الطيران المصري بدأت المدفعية تضرب على النقطة القوية بخط بارليف، لأن المدفعية لا يمكن أن تضرب والطيران المصري في الجو، وفي القصفة الثانية تم ضرب الاحتياطيات، وفي القصفة الثالثة تم ضرب النقطة القوية مرة أخرى، ولم ننتظر أن تنتهي المدفعية من إنهاء مهمتها، أخذنا القوارب ونزلنا المياه”.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب