رأي

عبد الله العبادي يكتب.. كيف أخطأ يوركن هابرماس ومن معه أخلاقيا؟

 الكاتب صحافي مختص في الشئون العربية والافريقية

أصدر يوركن هابرماس و نيكول ديتيلهوف أستاذة العلوم السياسية في جامعة غوته، والفيلسوف رينر فوريست، والأستاذ الحقوقي كلاوس غونتر، بيانًا حول ما يجري في فلسطين، أدانوا فيه، حسب قولهم: “المجزرة التي ارتكبتها حماس ضد إسرائيل بنية إبادة الحياة اليهودية بشكل عام”.

اقرأ أيضا: فلسطين في أسبوع.. غزة تدخل يومها 100 من الإبادة.. وإشادات بدور مصر في دعم القضية

يوركن هابرماس، ولد في 18 يوليو 1929 بدوسلدورف، فيلسوف ألماني من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. وريث مدرسة فرانكفورت النقدية، وصاحب المقولات المتعلقة بالفضاء العام والفعل التواصلي العقلاني، والذي تُعَدّ فلسفته تواصلاً لفلسفة الأنوار، التي أشادت بالعقل كأفق كوني لتحرر الإنسانية وبناء الديمقراطية على قاعدة التداول والتواصل العقلاني.
البيان الذي حمل عنوان مبادئ التضامن، كان بمثابة رسالة تضامن صريح، وشديد الوضوح، مع جرائم الاحتلال في غزة، والتي يراها المفكرون الأربعة مبررة. بينما قفز هابرماس في البيان، عن قصد، فوق الوقائع التاريخية بخصوص الدولة الفلسطينية وشعبها، ذهب في اتجاه التشديد على الإدانة المعيارية لما عدّه مجزرة، متناسيا الحديث بموضوعية ومن خارج الصندوق، وهو الفيلسوف والمفكر العقلاني.
الغريب في البيان، أمران، أوّلهما التأكيد على شرعية عدوان الاحتلال على سكّان غزّة من منظور حق الدفاع عن النفس، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الفلسطينيين مظهر من مظاهر العداء للسامية. لم يُذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق مقاومته الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات هذه الحرب القذرة التي لم تبدأ يوم 7 أكتوبر.
قد يستغرب الكثيرون من موقف الفيلسوف الألماني الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارضي اليمين المتطرّف والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في أوروبا. لكن هابرماس، كالعديد من مثقفي الغرب، لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاضه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نتشه إلى هايدغر وفوكو ودريدا.
الواضح أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الاستعمارية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، وربما ايضا السياق الأمريكي من خلال أفكار كبار منظري السياسة الخارجية الأمريكية من برنارد لويس إلى صامويل هنتانغتون وغيرهم.
لقد مارس الغرب وعلماؤه هذه الفوقية المتعالية قديمًا وحديثًا، فما الغريب اليوم في بيان هابرماس ورفاقه، وكبار علماء الغرب يروجون للعداء الديني والعرقي علانية وبمسميات عديدة.
اكتسب البيان المذكور أهميته من القيمة الفكرية للمفكر هابرماس ذاته كفيلسوف ذائع الصيت، أحد ورثة مدرسة فرانكفورت العريقة، الناقدة للشمولية الشيوعية والرأسمالية، وأكبر منظري مقولة الديمقراطية التداولية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى