“مركز العرب” ينشر تفاصيل الفعالية الفكرية لـ(ومضات على الطريق) للمفكر العربي علي الشرفاء الحمادي
عقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ(55)
الهلالي: الشرفاء الحمادي مفكرٌ ورجلُ دولة.. وهذا ما يجعل نظرته للأمور فاحصةً ودقيقةً ومختلفة
الشريف: أفكار الشرفاء الحمادي تشكِّل خارطة طريق لإنقاذ الأمة
القاهرة – مركز العرب
ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ(55) المنعقدة في الفترة من 25 يناير الماضي وحتى 6 فبراير الجاري، تمت مناقشة كتاب (ومضات على الطريق) للمفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي يعدُّ أحد أهم وأبرز مؤلفاته، إذ يناقش الكتاب واحدةً من أهم القضايا التي تهمُّ العرب والمسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وهي وحدة الصف لمواجهة التحديات، حيث عرَّج المشاركون على عدد من النقاط المركزية التي وردت في الكتاب.
شارك في الفعالية الفكرية عددٌ من رموز الفكر العربي، في مقدمتهم الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، والباحث محمد فتحي الشريف، رئيس مركز العرب، والدكتور مصطفى النشار، رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، والدكتور عبد الراضي رضوان، عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة السابق، والسفير حمدي صالح، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والكاتب الصحفي مجدي طنطاوي، والكاتب الصحفي عصام كامل، رئيس تحرير موقع وجريدة فيتو، والكاتب الصحفي أسامة إبراهيم، الأمين العام لمؤسسة رسالة السلام، والباحث الإسلامي محمد مصطفى، والكاتب الصحفي معتز صلاح الدين، والكاتب الصحفي عادل السنهوري، وحشد من الإعلاميين والصحفيين.
أُطُر النقاش والحوار
ناقشت الفعالية الفكرية مدى مصداقية المسلمين (قادة ومحكومين) بالتزام الوفاء بطاعة أمر الله فيما أمرهم، بوضع تلك الأوامر موضع التنفيذ في التعامل بينهم إن كانوا مسلمين، ليبرهنوا على الوفاء بالتزامهم بعهدهم مع الله في طاعته وطاعة رسوله فيما أُنزل إليه من ربه من تشريعات ونواهٍ ومنهاج إلهي، ليكونوا بحق الأمةَ التي تشرَّفت بحمل التكليف الإلهي للناس كافة لتخرجهم من الظلمات إلى النور.
وتتضمن هذه الآيات التي تُبين مدى التزام العرب المسلمين بالتمسك بها قولًا وعملًا وسلوكًا لتحقيق أهداف الرسالة الإسلامية، قول الله تعالى “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”، “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”، “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ”.
محاور الفعالية
دار النقاش حول أبرز ما جاء في كتاب (ومضات على الطريق)، ومنها مدى تمكُّن العرب من تطبيق هذه الآيات ليحافظوا على أوطانهم ولتنتشر الرحمة والعدل والتعاون والإحسان والسلام في كل بقاع العالم، فرسالة الإسلام رسالة للناس كافة.
نقاش مفتوح
بدأت الفعالية بنقاش مفتوح حول الكتاب قدمه الكاتب الصحفي مجدي طنطاوي، الذي منح الحوار والنقاش لكل الحاضرين.
الهلالي: الشرفاء الحمادي مفكرٌ ورجل دولة.. وهذا ما يجعل نظرته للأمور فاحصةً ودقيقةً ومختلفة
في بداية الفعالية ثمن الأستاذ الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، مؤلفات المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي، قائلا: إن الشرفاء الحمادي مفكر ورجل دولة وهذا ما يجعل أفكاره دقيقة ومتميزة عن غيره، إذ إنه كان في دائرة صنع القرار في دولة الإمارات ويشهد ويرى الأمور بوضوح.
وأضاف الهلالي أن كتاب (ومضات على الطريق) أحد أهم المؤلفات الفكرية التي تضع معالجات حقيقية لقضايا كثيرة وتحديات جسيمة مرَّت على وطننا العربي، منها كيفية التقارب وتوحيد الصف في ظل الظروف الحالية.
الشريف: أفكار الشرفاء الحمادي تشكل خارطة طريق لإنقاذ الأمة
فيما قال محمد فتحي الشريف، رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات خلال الندوة الفكرية حول كتاب (ومضات على الطريق) التي عقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ(55)، وبحضور الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعدد من أعضاء مجلس إدارة مؤسسة رسالة السلام وحشد من الكتاب والمفكرين والصحفيين، إن الشرفاء الحمادي مفكر مهموم بأمته، لذا كرَّس مشروعه الفكري لخدمة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وقدَّم رؤى وأطروحات لو تم الالتفات إليها من قِبل الحكومات لقادتهم إلى الريادة والقيادة والوحدة والقوة، إذ تعد خارطة طريق حقيقية يمكن البناء عليها للوصول إلى الأهداف المنشودة لوحدة الصف العربي.
أطروحات الشرفاء نموذج ومنهج فكري يعالج القضايا العربية الشائكة
وأضاف (الشريف) أن الأطروحات التي قدمها المفكر في كتاب (ومضات على الطريق) تعد نموذجًا ومنهجًا فكريًّا واضحًا ومنضبطًا وقابلًا للتنفيذ لمعالجة القضايا الشائكة التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية.
استراتيجية الشرفاء الحمادي لتحقيق الوحدة
وكان المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، قد وضع استراتيجية تتضمن عدة محاور، اقتصادية، سياسية، وأمنية، تدعم وتواجه تحديات النظام الدولي، لافتًا إلى أن المرحلة القادمة تتطلب وضع استراتيجية تعيد بناء النظام العربي ليتحقق للدول العربية ما تطمح إليه شعوبها من تطور وتعاون بين أقطارها لحماية مصالح الأمة العربية ومواجهة ما يهددها من أخطار تسعى لطمس هويتها واسترقاق شعوبها ونهب ثرواتها، وهذا يتطلب ما يلي:
(1) لا بد من وضع ميثاق جديد تُحدَّد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية، بما لها من حقوق وما عليها من التزامات في وقت السلم أو في وقت الاعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية.
(2) وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف، وأن تتم معالجته بالسـرعة التي تجعل الأمـر محصـورًا بيـن القـادة، منعًـا لأية تداعيات تنعكس سـلبًا على الشعوب، وتزيد من ابتعـاد هـذه الأمة عن أهدافها، ويساعد ذلك أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف.
(3) تلتـزم الـدول العربية باجتماعـات منتظمة لمؤتمرات القمة في مقر الجامعة العربية، ولا يجوز تحت أية مبررات أو حجج أو طوارئ تأجيل اجتماعات القمة، حتى تثبت الدول العربية جدية اللقاءات وما ستسفر عنها من نتائج لها بالغ الأثر على مصالح الأمة العربية.
(4) إعـادة النظر في قانون الجامعة العربية لتفعيلها وإعادة هيكلتها بحيث تكون لديها القـدرة علـى تحمل مسـؤوليات القرن القادم، وما يتطلبه من مؤهلات وإمكانات وسياسات تستوعب متطلباته كما يلي:
(أ) تعيين الأمين العام للجامعة يكون دوريًّا حسب الحروف الأبجدية على أساس ثلاث سنوات فقط لا تجدد وتتاح الفرصة لأمين آخر بالتسلسل الأبجدي لتأخذ كل دولة عربية فرصتها بأسلوب يضمن عدالة التناوب للأمين العام.
(ب) تعديل ميثاق الجامعة العربية بما يحقق المصلحة العربية العليا، على أن يكون نظام التصويت على القرارات بالأغلبية وليس بالإجماع، الذي تسبب في تعطيل تنفيذ قرارات الجامعة منذ سنة 1948 إلى اليوم، وتمت به مصادرة مستقبل الأمة العربية وما تتطلع إليه الشعوب العربية من تقدم وتطور وحماية للأمن القومي العربي.
وتحقيق التعاون المشترك في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية وتنفيذ اتفاقية الدفاع العربي المشترك لتفادي العدوان على الدول العربية كما حدث ويحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال؛ حيث تقطعت أواصر الأخوة العربية فاتحين المجال للثعالب والبغال لاجتياح الوطن العربي ونهب ثرواته وتدمير حضارته وتشريد أبنائه وتسخيرهم لخدمة أعداء الأمة العربية.
(ج) تشكيل لجنة حكماء مكونة من ثلاثة رؤساء دولٍ عربية تغطي جغرافية الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، أحد الأعضاء من المغرب العربي: (الجزائر، موريتانيا، المغرب، تونس، وليبيا).
والعضو الثاني يغطي المشرق العربي (سوريا لبنان، مصر، السودان، والأردن).
والعضو الثالث يغطي الخليج (السعودية، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، عمان، واليمن).
وتكون مهمة لجنة الحكماء التواصل المباشر مع قادة الدول العربية الذين حدث بينهم سوء تفاهم وخلاف، ثم اللقاء بأطراف النزاع لوأد الضرر وما ينتج عنه من تصعيد يصعب حله.
ومبادرة لجنة الحكماء تستطيع تقديم الحلول العادلة للإصلاح بين الإخوة تيمنًا بقول الله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الحجرات: 10).
كتاب (ومضات على الطريق) حلولٌ للمستقبل العربي
(ومضات على الطريق)، عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين، وفيه يستعرض المؤلف المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي كيف بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، حاملًا راية التوحيد، وداعيًا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، وكيف كانت الأمة العربية سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف، وطريقًا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف، ثم كيف أضحت أيامنا معارك كلامية بدون هدف وبدون مصلحة أيًّا كانت.
وإليكم مقتطفات مما نشر في منصة مركز العرب حول الكتاب
الأمة العربية والقرن الحادي والعشرون
لقد تشـرَّفت الأمة العربية برسـالة إنسانية سامية حملها ابـنٌ مـن أعظم أبنائها وأشرفهم نسبًا ومكانة، محمدٌ بنُ عبد الله -صلى الله عليه وسلم- فحمل راية التوحيد، ودعا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، ووضع أسسًا لحياة متحضرة راقية مبنية على قيم سماوية سامية، أولها العدل وآخرها الرحمة، وبينهـما تعاليم أخلاقيـة متصلة بعضها ببعض لبناء المواطن الصالح، وما قررته الرسالة السماوية من نصوص واضحة، وأوامر إلهية لا تقبل الجدل، في وضع أسس جلية من أجل حقوق الإنسان، وتحريره من كل ما يعوق حركته في حياة كريمة، سواء في اختيار دينه أو أسلوب حياته، بشرط ألَّا يترتب على سلوكه ضرر لنفسه أو لغيره.
تلك مبــادئ السلوك الحضاري في طريقة التعامل بين الإنســان وأخيه الإنسـان.
حيث نقرأ في القــرآن الكريم، ونستلهم منه أكمــل صور الحوار وأعظمها بين الخالق سبحانه وملائكته وبين الخــالق وعبـاده، بدون بطش أو مصادرة لرأي.
يعلمنا ســبحانه كيف يكون الحـوار الذي يخاطـب العقل بالمنطق تارة وبالأمثال تارة أخرى؟ ويطلعنا على النتائج من خلال العرض الرائع لأحداث من سبقنا من الأمم لنتلافى أخطاءهم، حتى يأمن الطريق الذي نسير فيه.
ومن ذلك المنطلق فإن الأمة العربية كانت سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف، طريقًا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف، وتوفيرًا للجـهد والمال والدم، وعلاجًا لموقف أكثر خطورة من الخلافات ووجهات النظر، أو مشاكل الحدود بين القادة العرب، والتي تكاد تنسف ما تبقى من روابط الأخوة، وتقطع أواصر العروبة، وروابط المصير المشــترك.
وعلينا أن نبرز الصــورة الحضــارية المستمدة من تعاليم ديننا الحنيــف، وقيمه في التعامل فيما بين أمتنا العربية، حيث إن على كل واحد منا أن يتقدم إلى صاحبه بمد يد المودة والســلام، على أساس اتباع رسالة محمد عليه الصـلاة والسلام واتباعُا للآية الكريمة: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (الآية 125 سورة النحل).. والآية الكريمة “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” صدق الله العظيم (الآية 34 سورة فصلت).
لقد أردت بهذه المقدمة أن تكون مدخلًا لمناقشة الواقع العربي، وحال القيادات السياسية، استعدادًا لدخول القرن الواحد والعشرين، وما يمثله من تحديات.
أخشى أن تقف الأمة العربية حيالها موقفًا يزيد من معاناة أبنائها، ويضيف إليها مزيدًا من الكوارث، وذلك حينما لن تقوى على مواجهة أعاصير التطور الاقتصادي الذي بدأ يتشكل منذ سنوات عديدة ممثلًا في كتل سياسية واقتصادية واجتماعية تدخل بقوة إلى عالم القرن الحادي والعشرين.
فأين نحن من ذلك؟ ها هو قرن ينسل من أمام أعيننا بدون أن نستغله، فمرت أيامه غير نادمة علينا، لأننا لم نستثمر طاقاتنا وإمكانياتنا كأمة واحدة، ونقوم بتطوير علاقاتنا بعضنا ببعض، لنحقق بها تكاملًا يجمع عناصر القوة، ويوظف كافة الوسائل المتاحة، لنتمكن من تحقيق الأمن القومي للأمة العربية اقتصاديًّا وسياسيًّا ونحقق لكل مواطن العيش الكريم.
لقد كانت أيامنا معارك كلامية من دون هدف ومن دون مصلحة أيًّا كانت وشعارات قومية بدون مضمون ولا عقيدة، ومصطلحات وزعت ألقابًا، وصنفت شعوبًا منها التقدمي، ومنها الرجعي، ومنها المتخلف، فضاعت آمال بسطاء العرب أمثالي في كل مكان، حيث كانوا يحلمون كل يوم بوحدة تصون عزتهم، وتحقق أمنهم، وتطور معيشتهم، وتصد كيد أعدائهم، وتحقق لهم في مجتمعاتهم ما نصت عليه شريعة السماء من حقوق تحفظ لهم كرامتهم، وتدافع عن قناعاتهم وكياناتهم.
لقد دخلنا القرن الجديد، وعلينا أن نعود الى أسلوب الحوار المنطقي والهادئ، الذي دعانا إليه الرسول الأعظم، حتى نستطيع أن نخرج من حالة التمزق والتشتت ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة. فكيف يمكن ذلك؟
أولًا:
لا بد من وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم، مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية بما لها من حقوق، وما عليها من التزامات في وقت السلم وكذلك وقت الاعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية.
ثانيًا:
وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف، وأن تتم معالجته بالسـرعة التي تجعل الأمـر محصـورًا بيـن القـادة منعـًا لأيـة تداعيات تنعكس سـلبًا على الشعوب، وتزيد من ابتعـاد هـذه الأمـة عن أهدافها وتساعد أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف فيها.
ثالثًا:
- إعـادة النظر في ميثاق الجامعة العربية، لتفعيلها وإعادة هيكلتها، بحيث تكون لديها القـدرة علـى تحمل مسؤوليات الألفية الجديدة، وما تتطلبه من مؤهلات، وإمكانيات، وكذلك السياسات التي تستوعب هذه المتطلبات، وذلك كما يأتي:
- تشكيل محكمة عربية، تكون إحدى الدول العربية مقرًّا لها، ويتم اختيار القضاة من خلال ترشيح كل دولة عربية لقاض من عندها، ثم يتم تعيين خمسة قضاة للمحكمة من خلال إجراء نظام الاقتراع بين الأعضاء المرشحين، ويتم تكرار ذلك الترشيح كل خمس سنوات.
- تنظر المحكمة في القضايا الخلافية بين الدول العربية، وترفع حكمها إلى مجلس الجامعة للمصادقة عليه، ويكون الحكم ملزمًا لجميع الأطراف.
- إنشاء مجلس الأمن القومي العربي، ويشكَّل من قادة القوات المسلحة في الدول العربية، وتكون له أمانة خاصة مقرها في الجامعة العربية، ويكون المجلس مسؤولًا عن تنفيذ ما يأتي:
أ. وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك، والموقعة من قبل الدول العربية.
ب. تحقيق الاتصال بالقيادات العسكرية في الدول العربية، والقيام بالتنسيق فيما بينها.
ت. ترتيب التعاون بين القوات المسلحة في كل من الدول العربية، وذلك من خلال إجراء المناورات السنوية ضمن برنامج معد لذلك، لكي يتمكن كل فريق من التعرف على نوعية السلاح عند الفريق الآخر، وتوحيد المصطلحات العسكرية؛ حتى يتم التوصل إلى تحقيق وحدة كاملة في النظم والمعلومات، والتواصل المستمر عن طريق تبادل الخبرات العسكرية بين الدول العربية.
ث. وضع الخطط اللازمة لاتخاذ أية إجراءات عسكرية تتطلبها المصلحة القومية، سواء كانت للدفاع عن دولة عربية تعرضت للعدوان، أم التدخل لمنع الاشتباك بين دولتين عربيتين، حدث بينهما خلاف قد يؤدي إلى صدام؛ وبذلك نمنع الكثير من الكوارث التي حدثت في القرن العشرين.
رابعًا:
إنشاء بنك عربي رأس ماله لا يقل عن خمسين مليار دولار، تكون مهمته تصحيح الهياكل المالية في الدول العربية، وتطوير إمكانياتها الاقتصادية، حتى تستطيع الخروج من الكبوة الاقتصادية، وكذلك وضع خطة خمسية تأخذ في الحسبان الدول التي لديها إمكانات وثروات يمكن استثمارها لتحقيق مردود اقتصادي لفترة لا تزيد على خمس سنوات واتباعها بكل دقة؛ على أن يكون أداء البنك وسياسته التنفيذية معتمدين على الدراسات الاقتصادية؛ حتى يستطيع البنك معالجة الخلل المالي تباعًا في الدول العربية، وهو الأمر الذي يعني أن الأمة العربية إذا استطاعت أن تضع الآليات العلمية العامة، وتسخر فوائضها المالية في خدمة الاقتصاد العربي، فإنه سيتحقق لها ما يأتي:
- ستكون الاستثمارات العربية في مأمن من التجميد، أو المصادرة أو التلاعب؛ كما حدث في أمثلة كثيرة الكل يعلمها، عندما قامت الولايات المتحدة بتجميد أرصدة الجمهورية الليبية.
- المردود المالي على الاستثمار العربي ستكون فوائده مضمونة، وسيفوق كل ما تحصل عليه الاستثمارات العربية في الدول الغربية من فوائد هزيلة، وأحيانًا فقدان رأس المال في الاستثمارات الدولية.
- الاستثمار العربي يكون في مشاريع حقيقية منتجة، وتكون الدول العربية سوقًا لها؛ إذ إن الدول العربية تستورد من الخارج سنويًّا ما قيمته أكثر من 65 بليون دولار في مجال الغذاء فحسب، كان من الممكن أن يتم توجيه هذه المبالغ للمنتج العربي، فتكون عاملًا مهمًّا في ازدهار المجتمعات العربية المنتجة.
- سوف تحقق الدول العربية – التي تواجه صعوبات في تسويق مواردها الطبيعية – إفادة عظيمة في تطوير ثرواتها، وتحقيق أهدافها في التنمية وتوفير فرص العمل، وهو الأمر الذي سيساعدها على الاستقرار والنمو، ويمنع عنها الهزات السياسية، والانقلابات العسكرية.
كما يمكن أن يتم إنشاء مكتب للدراسات الاقتصادية، يكون تابعًا للبنك وذلك للقيام بدراسة الأوضاع الاقتصادية، وإعداد خطة لكيفية استغلال الموارد الطبيعية في الدولة التي يتم الموافقة على تقديم الدعم المالي لها. وعلى سبيل المثال فإن جمهورية السودان التي يتوفر فيها مليون فدان، فإنها قادرة على أن تمد العالم العربي بالغذاء، وتحقق له الأمن الغذائي.
ويستطيع البنك إعداد مشروع طموح لاستغلال ذلك، ومن ثم يمكن أن تعود على السودان نتائج اقتصادية كفيلة بحل مشاكله المالية، وتوفير فرص للعمل، قد تتجاوز عشرات الآلاف، وهو الأمر الذي يتيح لأبناء السودان حل مشكلة البطالة، ويحولهم إلى طاقة منتجة. وهكذا يستطيع السودان أن يخرج من مشاكله الاقتصادية، ويعتمد على نفسه. وبالأسلوب نفسه يتوجه البنك إلى دراسة اقتصاديات دولة أخرى، والنهوض بثرواتها واستغلالها فينتج عن ذلك في غضون خمسة وعشرين عاما أو أكثر قليلا أن تكون الدول العربية قد تعافت من أزماتها الاقتصادية، واستغلت ثرواتها الطبيعية التي تبحث عن التمويل المالي، علاوة على ذلك الربح الذي سيتحقق للأموال التي قام باستثمارها البنك.
خامسًا:
نظرًا إلى التطورات الاقتصادية المتلاحقة في عصرنا الحاضر، وانتهاء الصراعات والمواجهات بين معسكرات القوتين الشرقية والغربية فإن هذه التطورات والتغيرات قد فرضت أسلوبًا جديدًا في صراع البقاء، ألا وهو ما أسميه (الصراع الاقتصادي) الذي أعده – في رأيي المتواضع – أشرس وأخطر أنواع الصراع في الحاضر والمستقبل، لأن هذا الصراع سيكون متمثلًا في صدام قدرات اقتصادية، ذات إمكانيات تخطيطية، وأساليب تسويقية، تعتمد أساسًا على نوعية الإنتاج، والسعر المنافس، وسرعة الحركة ومرونتها، والتكيف مع متطلبات السوق بكل الأخلاقيات والقيم الجديدة التي تسوده في الوقت الحاضر، وصولًا إلى هدف رئيسي، وهو ضخ أكبر كمية من الإنتاج إلى أسواق جديدة.
ذلك الأمر يتطلب تخطيطًا بعيد المدى، تشارك فيه جميع الفعاليات الاقتصادية، سواء أكانت حكومية، أم شبه حكومية، أو القطاع الخاص، بناء على استراتيجية شاملة تستهدف في النهاية زيادة الإنتاج الذي من شأنه إتاحة الفرص لتشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الوطن العربي ومن ثم يحقق مردوده الاستقرار للدولة، ويصبح كل فرد له دور في تسيير عجلة التطور والتنمية.
إن اتفاقية (الجات) من المفترض أن تفتح مجالًا واسعًا من التنافس والغزو السلعي اللامحدودة لأنها أعطت الحرية للسوق وللعرض والطلب، وهذا أساس التعامل في النظام الدولي الجديد، فالقضية لا بد أن تؤخذ بمأخذ الجد، حيث ستكون السيادة للقوي في الساحة الاقتصادية، بينما يتراجع الضعيف، وتصبح الأسواق أسواقًا استهلاكية، وما سيترتب على ذلك من أعباء خطيرة، منها ما سيسببه من تفشي داء البطالة، وما يشكله من أعباء على الدولة ومن ثم تضطر الدولة إلى أن تضحي بأغلى ما عندها من مخزون استراتيجي، وثروات طبيعية، فتبيعها مرغمة بأقل الأسعار، حتى تتمكن من مواجهة مواقف سيرة لم تعد لها العدة من قبل، ويستمر التراجع والتخلف الاقتصادي إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
الأمة العربية والقرن الحادي والعشرون
هنا يتضح أنه لا بد من وضع خطة مستقبلية تستوعب كافة الطاقات الاقتصادية، وتعمل على توظيفها توظيفيًا علميًّا سليمًا، وبنظرة شمولية وحيادية إلى كافة قطاعات المجتمع، وهي قد تؤدي في النهاية إلى أنه إما أن يكون المجتمع فعالًا، وكل فرد فيه له دوره في التنمية، أو أن يتحول إلى طاقات معطلة مهددة، ويتراجع التفكير الشمولي ليصبح تفكيرًا محدودًا ضيقًا، يقتصر محيطه على دائرة الفرد والأسرة فحسب، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تفتت الجهد المشترك لمواجهة متطلبات التطور، وعندها تبدأ الكارثة.
فالغرب وغيرهم يبحثون عن مصالحهم مستخدمين كافة السبل والوسائل لتحقيقها، ونحن من حقنا أن نستخدم كافة السبل والوسائل، بما نملك من ثروة وخبرة وعلم، وأن نستثمرها في تحقيق أهدافنا الوطنية؛ فلسنا بأقل من الدول المتقدمة، ولكننا -وللأسف الشديد- انشغلنا في صراعات هامشية، وقضايا ثانوية لا تخدم مصالح شعوبنا ولا مصالح أوطاننا، إنما تكون نتائجها في صالح القوى الأخرى.
كما أن كافة المحاولات التي تبذلها الحكومات العربية فيما بينها لعقد اتفاقيات ثنائية تبقى في إطار التمنيات من دون أن يكون لها تأثير فعال على الواقع، إنما هي عبارة عن إطار عام للتعاون يحتاج إلى آلية ذات مصلحة تعود بالنفع على الدول جراء جهدها، وتقدم نتائج مادية ملموسة، تدفع الدول إلى البحث عن أسس جديدة لزيادة مواردها، وذلك يشكل حافزًا مهمًّا لها للبحث الدءوب عن أساليب مختلفة، وخطوات متتابعة لتحقيق أهدافها في النمو. ولكن الذي يخيفني من معركة السلام، أن تستطيع إسرائيل بما لديها من كفاءات وقدرات في المناورة والتخطيط، توظيف فائض الأموال العربية لخدمة مصالحها، وهو الأمر الذي يمكنها من السيطرة الاقتصادية كما كانت لها السيطرة العسكرية في السابق، وبذلك تكون الأمور ميسرة لها، وهذا سيأخذ أشكالًا مختلفة، ووسائل في ظاهرها البراءة وفي باطنها السيطرة والاستغلال، حيث إننا لم نفِقْ بعد، ولم ندرك أهمية التعاون، والتنسيق في تشكيل مستقبل العالم العربي.
لذا يتطلب الأمر إنشاء الشركة العربية للتسويق على الأسس الآتية:
- يتم تشكيل الشركة برأس مال لا يقل عن 5 مليارات دولار، تسهم فيها الحكومات العربية بنسبة 50 % ورجال الأعمال في الدول العربية بنسبة 50 %.
- تكون مهمة الشركة كالآتي:
أ. تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.
ب. بحث إمكانيات تأسيس المشروعات المشتركة في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي، وتسهيل تدفق الأموال العربية.
ت. المساعدة في البحث عن أسواق جديدة؛ لتصريف المنتجات العربية بما يحقق للدول العربية الاكتفاء الذاتي من المنتجات المصنعة في الدول العربية.
ث. إعداد الدراسات، وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة، والمتعلقة بالأمور التجارية، والصناعية، والزراعية، والاستثمارية.
ج. تذليل الصعوبات الناجمة عن انتقال البضائع بين الدول العربية.
- تشكيل مجلس إدارة للشركة يمثل القطاع الحكومي والقطاع الخاص لوضع خطة تهدف إلى تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الدول العربية، وصولًا بها إلى التكامل الاقتصادي.
سادسًا:
ضرورة خلق مناخ للتصالح مع أنفسنا، وإزالة التناقضات التي يعيشها المواطن العربي. إن هذه التناقضات ناتجة مما تطرحه الدول العربية في الاجتماعات الرسمية، وأجهزة الإعلام المختلفة، بالحديث الدائم عن وحدة الأمة العربية، وأن مصيرها واحد، ومستقبلها واحد، واقتصادها يكمل كل منه الآخر. في حين يرى المواطن العربي في التطبيق العملي، والمعايشة اليومية تناقضًا خطيرًا في السلوك والممارسات التي تتعامل بها الدول العربية، ويتضح ذلك من خلال سن التشريعات والقوانين واللوائح، فكل دولة تؤكد على مفهوم الإقليمية البشعة، وتمارس التمييز العنصري، حتى مع العرب المقيمين في أية دولة عربية، وهو الأمر الذي يجعل ذلك السلوك يتناقض مع ما تعلنه تلك الدول، وما نصت عليه دساتيرها من أنها جزء من الأمة العربية، وأن ما يجمعنا -نحن العرب- هو وحدة المصير، ووحدة اللسان، ووحدة الجغرافيا، ووحدة المصلحة. لكن الواقع أن مضمون العروبة أمر يكاد يكون موجودًا في خيال الحالمين من بعض الزعماء العرب فحسب.
ومن هذا المنطلق فإنه لا بد للأمة العربية -إذا أرادت أن تواجه القرن القادم، وتستعد له كما استعدت أوروبا التي وضعت نصب أعينها أهدافًا محددة وواضحة- أن تجعل الأمن المشترك، والتكامل الاقتصادي فيما بينها يعلو على كل الأنانيات الإقليمية الضيقة، لأنها إذا اتحدت وتكاتفت ستصبح قوة يحسب لها ألف حساب، ومن ثم تستطيع أن تحقق لشعوبها استقرارًا في المعيشة، ونموًا في الاقتصاد، وتطورًا في التنمية.
ذلك ما فعلته أوروبا، وهو ما يتمناه كل عربي غيور على مستقبل أمته لنصل إلى ذلك المستوى، ونجعل المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات، ليتحقق الأمن والاستقرار للجميع، ونستطيع بناء مستقبل مشرق للأجيال العربية.
سابعًا:
إن من أهم أسباب الخلافات بين الدول العربية القضايا الحدودية التي أدت في بعض الأحيان إلى حروب مدمرة، وضياع فرص في التقدم والتعاون، حينما احترقت ثرواتها في تلك المعارك، وتقطعت أواصر الرحم فيما بينها، وكأنها بالرغم من مرور أربعة عشر قرنًا على النور الذي أنزله الله تعالى على محمد (صلى الله عليه وسلم) لم تفلح الأمة في أن تغير من أسلوب التعامل فيما بينها، حيث ظلت عقلية داحس والغبراء وحرب اليسوس تعشش في عقلية قادتها، وتؤكدها تصرفاتهم، وممارساتهم اليومية في التعامل مع بعض.
ثامنًا:
يجب دعوة كل القيادات العربية، على كل المستويات، إلى وقفة صريحة وأمينة مع النفس والضمير، لتناقش سؤالًا واحدًا وهو: إلى أين نحن ذاهبون؟ ثم نلتفت إلى الوراء، ونسأل: خمسون سنة من عمر الجامعة العربية، ماذا كانت حصيلة نصف قرن؟
أدعو الله أن يعين القيادات السياسية كي تستطيع الإجابة قبل فوات الأوان يوم لا ينفع الندم. فها هي فلسطين تعيش في قلوبنا مثلًا حيًّا يدميها، وتذرف العيون دمًا بدل الدموع، والسبب في هذا أننا لا نقوم بعملية تقييم لما جرى، كي نتعرف على أسبابه حتى نستطيع أن نتجنبه في المستقبل، كما حدث أثناء غزو العراق للكويت، فقد فقدت الكويت استقلالها، واحتُلت أرضها لأشهر معدودة، وفي المقابل فقد العراق سيادته أكثر من 9 سنوات، وفقد جيشه الذي كان يمكن أن يكون قوة للأمة العربية، كما فقد مئات الآلاف من أبنائه، ولا يزال تحت الوصاية.
فهل كلف مؤتمر القمة العربي بعد هذه المأساة مجموعة عمل متخصصة تبحث بحيادية وبضمير -لا يعرف غير الله رقيبًا عليه- وتضع مصلحة الأمة العربية فوق كل الاعتبارات، بحيث تبين أسباب المشكلة، وكيف نستطيع الخروج منها؟ وكيف نمنعها من أن تتكرر مرة ثانية بدون محاباة لأحد أو خشية من بطش أحد، ويكون أساس تلك الدراسة الموضوعية أن في البلدين كلتيهما إخوة لنا فلا نفرط في أحد منهم، وذلك كما أمرنا الله بقوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (الحجرات / 10).
لكن ما دام الأمر ليس كذلك، وما دام كل منا يفكر بأنانية وبإقليمية، ولا يرى غير نفسه، ولا يعلم ما يدور حوله، ولا يفعل ما يحقق مصلحة أمته بضمير يقظ، وإدراك لمسؤوليته، وتقدير سليم لمجريات الأحداث، وما قد تعكسه سلبًا على مصلحة الأمة؛ فإننا لن نستطيع أن نتجاوز العقبات الممثلة في تصريحات القيادات العربية المزينة بالشعارات الرنانة، والمصبوغة بصيغ مختلفة؛ لتوحي لنا بأننا أمة واحدة؛ بينما واقع ممارساتها اليومية يؤكد عدم إيمانها بتلك الشعارات، بل إن قوانينها تتعارض في موادها مع ما تطرحه أجهزتها الإعلامية، من بيانات وشعارات تدعو إلى تمجيد العروبة والمصير المشترك.
وهذا يشكل نوعًا من ازدواج الشخصية القيادية العربية، وهو ما يسمونه (الشيزوفرينيا)، وهذا يحتاج إلى علاج طويل لكي تتعافى منه. وآمل أن يتم الشفاء قبل فوات الأوان لأننا على مر التاريخ لم نعط أهمية للفرص الثمينة التي مرت بنا فضاعت كلها.
خلاصة القول إنه لكي نستطيع أن نكون في موقف القدرة للاستعداد لدخول القرن الحادي والعشرين، فإن على الدول والقيادات العربية مسؤولية تاريخية أمام شعوبها التي تشتت، وتخلفت وضاعت ثرواتها بلا طائل، وتردت في بعض الدول أوضاعها الاقتصادية، بينما هي تعيش على أراض حباها الله بكل الخيرات، لكنها ترى ثرواتها تضيع أمام أعينها، بدون أن توظف في خدمة أوطانها لتحقق لها العيش الكريم.
لذا ومن أجل مستقبل مشرق لأبناء الأمة العربية، وإنعاش الطاقات المبعثرة، وتوظيفها في خدمة المشروع القومي على مستوى العالم العربي لكي نصل به إلى تحقيق القدرة على مواجهة قرن جديد لا نعلم ما يخفيه لنا القدر، فإن ذلك يتطلب إعداد منهاج عمل عربي مشترك لمواجهة أعباء ومتطلبات القرن القادم، وذلك كما يأتي:
أولًا: تشكيل فريق عمل مكون من وزراء التربية، والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية، والإعلام، والخارجية، والعدل، يشترك معهم ثلاثة من أعضاء البرلمانات العربية من كل قطر، يتولى هذا الفريق إعداد استراتيجية ترقى إلى تصور مشروع قومي للأمة العربية، كما يقوم بإعداد نظام أساسي جديد للعلاقات بين الدول العربية، وأساليب الاتصال فيما بينها؛ لتحقيق وحدة الموقف السياسي، وترسيخ مفهوم وحدة الأمة ومصيرها المشترك.
ثانيًا: إعداد مشروع (وثيقة شرف) تلتزم بها الدول العربية، وتضع أسلوبًا للعلاقات السياسية بينها، وتحدد طرق الاتصال، لتحقيق وحدة الموقف السياسي، وترسيخ مضمون وحدة الأمة العربية، والمصير المشترك. ومن ذلك استحداث آليات جديدة مثل شبكة اتصالات خاصة تمكن الزعماء العرب من الاتصال المباشر، وتبادل وجهات النظر في أي موقف طارئ لمنع مضاعفاته، وما قد ينتج عنه من فتنة، والاتفاق على موقف موحد لعلاجه، بما يخدم مصلحة الأمة العربية.
ثالثًا: وضع ميثاق حقوق الإنسان العربي في الوطن العربي، وتحريره من الخوف حتى يستطيع أن يتحول إلى طاقة إيجابية في المجتمع الذي يعيشه، ويشارك فيه بمسؤولية وإخلاص، وحمايته مما يهدده من أية عوامل قهرية تكتم أنفاسه، وتصادر حريته، إلا بجريمة ارتكبها، فيحاسب عليها وفق القوانين، وأمام المحاكم لتقرر العقوبة في حالة ارتكابه الجريمة، أو تبرئ ساحته في حالة البراءة من التهمة الموجهة إليه. تلك الحقوق أقرتها الشرائع السماوية، وأكدتها الشريعة الإسلامية في أروع صورها، فلا إرهاب لفكر، ولا قهر لرأي، ولا مصادرة لحرية إنسان، والجميع يحكمهم القانون الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن.
فالدولة تسهر على أمن المواطن ورعايته، وتوفر له العيش الكريم، وفي المقابل على المواطن أن تكون مسؤوليته المحافظة على حقوق الوطن، واحترامه للقوانين، والذود عن ترابه، والتفاني في خدمته في كل موقع، بكل الإخلاص والولاء والأمانة.
رابعًا: تتولى اللجنة إعداد مشروع قرار بإلغاء التأشيرات بين الدول العربية، وذلك لكي يتفق هذا مع ما تصرح به الدول العربية وما تعلنه، ولكي تكون صادقة بما نعتقده -نحن العرب- بأننا أمة عربية واحدة، ومصيرنا واحد ومستقبلنا واحد، وما يحققه ذلك من نتائج مهمة في تأكيد مضمون الوحدة العربية، وتبادل المصالح بين شعوبها، وإمكانية انتقال العمالة العربية الفائضة إلى الدول العربية التي تفتقر للعمالة، بحيث يساعد ذلك على تنشيط الحركة الاقتصادية.
هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يتحقق من جراء ذلك، للمحافظة على عروبة بعض الدول التي أصبحت نسبة العمالة الأجنبية غير العربية تشكل خطورة على أمنها القومي، وعلى عروبتها وثقافتها.
خامسًا: يجب أن تلتزم القيادات العربية، التزامًا قاطعًا، وصادقًا، ومخلصًا بعدم اتخاذ مواقف منفردة في السياسة الخارجية، لما جرَّه ذلك السلوك على الأمة العربية من مشكلات أعاقت تحقيق أهدافها القومية، وضاعفت من تشرذمها وتمزقها. إن هذا الموقف يفرض نفسه بشدة، وهو تحقيق مبدأ التشاور بين الدول العربية، ويكون للجامعة العربية دور إيجابي في التنسيق، وسرعة الاتصال، ويتم هذا بعد إعادة تنظيمها، وتعديل قوانينها ولوائحها، لتكون مؤهلة لتحمل مسؤولية القرن القادم، وما يتطلبه من حشد الطاقات، وتوظيفها في خدمة الأهداف القومية.
تلك خواطر وأماني مواطن يعيش هموم أمته، ويتألم لما آلت إليه علاقاتها من خلافات لا تجد طريقًا لحلها، وردود أفعال تعمق العزلة بينها. فلو اتخذنا الحوار طريقًا لمناقشة مواقفنا وتصحيح أخطائنا فلن نصل إلى ما وصلنا إليه من أوضاع لا نحسد عليها، فليكن الحوار المخلص سبيلنا لمعالجة ما يستجد من أمور، والمصارحة طريقنا لمواجهة ما يطرأ من مشاكل، وأن يكون الإخلاص سلوكنا في النصيحة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبأننا -بإذن الله- قادرون على تجاوز محنة الفرقة، إذا استعادت القلوب صفاءها، وتمسكنا بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. فليكن هذا شعار المرحلة القادمة، وعندها ستتحقق كل الأهداف، وتتصافح الأيدي، وتلتقي القلوب على المحبة والمودة، والله قادر على أن يعيننا على ما ابتلانا به، وهو السميع الخبير.