الرئيسيةدراساتعسكرية

هيمنة حرب الاستخبارات والحرب السيبرانية على الصراع النووي بين أمريكا وإيران وإسرائيل

دكتور/ أحمد البدوي سالم
عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر، زميل كلية الدفاع الوطني، الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

في قلب الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط تتشابك خيوط معقدة نسجت من حرب الاستخبارات والحرب السيبرانية بين ثلاث قوى رئيسة: الولايات المتحدة الأمريكية، إيران، وإسرائيل. هذا الصراع لا يُخاض على أرض المعركة فقط، بل يُدار خلف الستار باستخدام أدوات التجسس، والاختراق الإلكتروني، والتلاعب المعلوماتي، خصوصًا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

 

اقرأ أيضا: إدريس أحميد يكتب.. العدوان الإسرائيلي على إيران: نيران فوق أنقاض النظام الإقليمي

أولًا: الخلفية الاستراتيجية للصراع النووي
• تعتبر إيران برنامجها النووي مشروعًا سياديًا، وتؤكد أنه لأغراض سلمية.
• ترى الولايات المتحدة أن إيران تهديدًا نوويًا محتملاً لاستقرار المنطقة ولحلفائها.
• وتعارض إسرائيل امتلاك إيران لأي قدرات نووية، وتعتبره خطرًا وجوديًا، رغم أنها تمثل قوة نووية غير معلنة.
هذا التوتر جعل المسرح النووي الإيراني هدفًا لحملات استخباراتية وهجمات سيبرانية متبادلة ظهرت آثارها بشكل واضح في الهجوم الذي شنته أمس إسرائيل ضد قيادات الجيش الإيراني واستهداف المنشآت النووية وقتل عدد من العلماء.

ثانيًا: خلفية الحروب السيبرانية بين إيران وإسرائيل
نشر موقع INSS مركز بحوث ودراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقالا في 3 يونيو 2020 بعنوان: (مستوى جديد في الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران) بين فيه ديفيد سيمان توف، وشموئيل إيفن أنه خلال الحرب السيبرانية، يُعتبر الهجوم على البنية التحتية المدنية الأساسية هجومًا خطيرًا، وأن إيران قد هاجمت البنية التحتية المائية لإسرائيل، وردّت إسرائيل بهجوم سيبراني على البنية التحتية في ميناء بندر عباس الإيراني. ورغم أن هذه الهجمات لم تكن الأولى بين البلدين، إلا أنها تُشير إلى أن ساحة الصراع تشمل بنى تحتية مدنية أساسية.
كما بين التقرير أن الحرب السيبرانية تشن بسرية تامة، ما لم يكن لأحد طرفي المواجهة مصلحة في كشفها. تُشنّ الهجمات عادةً دون إعلان مسؤوليتها، أو مع إنكارها، إن وُجّهت أصلاً. في الغالبية العظمى من الحالات، يصعب تحديد مصدر الهجوم. تُعتبر الهجمات في الفضاء الإلكتروني مناسبةً لـ”حرب بين الحروب”، إذ تُمكّن المهاجم من العمل عن بُعد، وبسرية، وتجنّب الخسائر البشرية على كلا الجانبين لتجنب التصعيد. تُتيح الهجمات السيبرانية جمع المعلومات لتمكين الحرب المعلوماتية، وإرسال رسائل رادعة، وزيادة الضغط على الأنظمة العسكرية والمدنية لتحقيق أهداف دفاعية وسياسية، وإطلاق إجراءات وقائية. شكّل هجوم ستوكسنت على المنشآت النووية الإيرانية، الذي كُشف عنه عام ٢٠١٠، حدثًا تأسيسيًا فيما يتعلق بالهجمات السيبرانية العسكرية على البنية التحتية. ويُعتبر الهجوم على أنظمة القيادة والتحكم للبنية التحتية المدنية الأساسية من أعلى مستويات خطورة الهجمات السيبرانية. إن أخطر الهجمات من هذا النوع هي تلك التي تعرض أعداد كبيرة من السكان المدنيين للخطر، على سبيل المثال بسبب تلوث المياه أو الحوادث الناجمة عن الهجمات على أنظمة النقل.
وقد نجحت إسرائيل نوعيًّا في استخدام الحرب السيبرانية وحرب الاستخبارات بمساعدة أمريكية في توجيه ضربة استباقية ضد إيران، وأن الحرب صارت مفتوحة بين إيران وإسرائيل بعد عقود من الحروب السيبرانية الخفية.
وقد نفذت إسرائيل في مساء 12 يونيو 2025 ضربات في إيران قالت إنها كانت تهدف إلى تعطيل البنية التحتية النووية للجمهورية الإسلامية، واستهدفت العلماء الذين يعملون على صنع قنبلة نووية، وقد أطلقت إسرائيل على الهجوم اسم “الأسد الصاعد”، وتقول إنها استهدفت أيضًا قادة إيرانيين ومصانع صواريخ، معلنةً حالة طوارئ تحسبًا لرد إيراني. وأفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية بمقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، والعلماء النوويين فريدون عباسي دواني ومحمد مهدي طهرانجي في الغارة.
تقول الولايات المتحدة إنها لم تُقدّم أي دعم للعملية. وجاءت الضربات بعد يوم من تصريح ترامب بأن القوات الأمريكية تُسحب من الشرق الأوسط “لأنه قد يكون مكانًا خطيرًا”.
ووفق حوار مع دانيال ب. شابيرو نشره موقع foreign affairs نشر بعنوان: كيف يمكن أن تتصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل وتجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع؟
عندما طرح عليه سؤال: لماذا نأت إدارة ترامب بنفسها تمامًا عن هذه الضربات؟ وما السبب بحسب رأيك؟
أجاب بأن ترامب طلب نتنياهو مزيدًا من الوقت لإجراء محادثات نووية، لكن نتنياهو لم يمنحه إياه. بتنصله من قرار نتنياهو، يسعى ترامب إلى ردع إيران عن توجيه أي رد فعل ضد الولايات المتحدة. قد يأمل ترامب أيضًا في إبقاء المفاوضات النووية على قيد الحياة. لكن حلمه بالتوصل إلى حل دبلوماسي يُنهي تخصيب اليورانيوم الإيراني يبدو وكأنه قد انتهى. من المرجح الآن أن تُسارع إيران إلى تحقيق اختراق نووي، مما يضع ترامب في مأزق: هل سيحتاج إلى التدخل العسكري لمنعها؟
وفي ذات السياق هدف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى لفت انتباه إيران إلى أن الولايات المتحدة غير متورطة، وأن إسرائيل تصرّفت بشكل منفرد. ويُعدّ إغفال إسرائيل مؤشرًا إضافيًا على أن واشنطن لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تؤيد الإجراء الإسرائيلي. ولكن من غير المعقول ألا يكون لدى المسؤولين الأمريكيين علم مسبق بالأمر، فتصريح روبيو لا يعني أن الولايات المتحدة لن تساعد إسرائيل في الدفاع عنها.

ثالثًا: أدوات حرب الاستخبارات في الصراع:
1. الاختراق البشري (HUMINT):
اتهام إسرائيل (عبر الموساد) والولايات المتحدة بزرع عملاء داخل المنشآت النووية الإيرانية.
o عمليات اغتيال ممنهجة لعقول البرنامج النووي الإيراني (مثل محسن فخري زاده عام 2020)، تُنسب بشكل غير مباشر للموساد.
2. المراقبة الجوية والفضائية (SIGINT & IMINT):
o استخدام الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لتعقّب المنشآت والأنشطة النووية الإيرانية.
o جمع بيانات إلكترونية عبر إشارات الاتصالات المشفرة وتحليلها.
3. التضليل والمعلومات الموجهة:
o نشر معلومات استخباراتية علنية أو مسربة (غالبًا عبر الإعلام الغربي أو الإسرائيلي) بهدف الضغط الدبلوماسي أو التشويه الإعلامي.

رابعا: الحرب السيبرانية كسلاح استراتيجي
الحرب السيبرانية أصبحت جزءًا أساسيًا من أدوات الردع والهجوم في هذا الصراع.
1. الهجمات السيبرانية الإسرائيلية/الأمريكية على إيران:
• أبرزها هجوم Stuxnet في 2010، والذي دمّر أجهزة الطرد المركزي في منشأة “نطنز” الإيرانية. وتعتبر أول حالة موثقة لسلاح سيبراني يحدث ضررًا ماديًا فعليًا.
• تكرار الهجمات التخريبية على البنية التحتية الإيرانية (محطات الطاقة، الموانئ، خطوط السكك الحديدية) يُنسب عادة لإسرائيل.
2. الرد السيبراني الإيراني:
• إيران طورت قدرات هجومية عبر “الجيش السيبراني الإيراني”، وهاجمت بنوكًا ومؤسسات أمريكية (2012-2013).
• اختراق أنظمة إلكترونية إسرائيلية، واستهداف مواقع حكومية وشركات طيران.
• اعتماد استراتيجية “الهجمات المتناثرة” التي تعتمد على مجموعات غير رسمية (مثل APT34 وCharming Kitten).

خاتمة
تُعد حرب الاستخبارات والحرب السيبرانية نموذجًا معاصرًا لما يسمى بـ”الحروب الرمادية” التي تقع بين السلم والحرب. فبدلًا من استخدام الجيوش والصواريخ، تُستخدم الأكواد والفيروسات والمعلومات. وفي ظل تطور التكنولوجيا وتداخلها مع الأمن القومي، يبدو أن مستقبل هذا الصراع سيتحدد ليس فقط في تل أبيب أو واشنطن أو طهران، بل في مسارح غير مرئية تُدار فيها المعارك الرقمية بصمت وفعالية، وقد أثبتت هجمات 12 يونيو التي شنتها إسرائيل ضد إيران واستهداف عدد من أهم القيادات في الجيش الإيراني وكان اللواء حسين سلامي، رئيس الحرس الثوري الإيراني، أبرز الشخصيات التي قُتلت، واللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، وعلي شمخاني أحد المساعدين المقربين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وعلي حاجي زاده قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، بجانب استهداف المنشآت النووية وقتل عدد من العلماء، وتحديد أماكن هؤلاء في توجيه الضربات يؤكد أن إسرائيل بمساعدة أمريكية تمكنت من زرع شبكة تجسس داخل إيران، واستخدام للحروب السيبرانية في توجيه الضربات وشل حركة الدفاعات الجوية.
وأن إطلاق المسيرات الإيرانية ردا على هجمة إسرائيل يعد تطبيقا لاستخدام الحرب السيبرانية، وأن الأيام المقبلة ستسفر عن مزيد من تطور الحروب التكنولوجية والهجمات السيبرانية وحرب الاستخبارات خصوصا بعد تصريحات ترامب بأن إيران أمامها فرصة لاستعادة المفاوضات حول ملفها النووي وإن رفضت فلديه الكثير مما لم يفصح عنه بعد، وفيه إشارة إلى زيادة توجيه الضربات واستهداف البنية التحتية النووية لإيران إجبارها على المفاوضات.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى