الرئيسيةرأي

محمد الأمين أبوزيد يكتب.. نمذجة التفاهة وتزييف الوعى: اسقاط على واقع الحرب فى السودان

يحاول هذا المقال تقصى مفهومى نظام التفاهة وتزييف الوعى ومقايستهما من خلال واقع الحرب فى السودان وخطابها السياسى والاعلامى.

نمذجة التفاهة وتزييف الوعى هى مفاهيم فلسفية واجتماعية تهتم بتفسير وتوضيح الطريقة التى يتم بها تشكيل وإعادة تشكيل الواقع والمفاهيم فى المجتمعات،خاصة فى عصر يتسم بتدفق المعلومات بشكل غير منقطع.

نمذجة التفاهة تشير إلى الظاهرة التى يتم فيها تبسيط او تحريف الحقائق والمفاهيم ،بحيث تصبح القضايا والأفكار المعقدة والمهمة اقل اهمية ويتم تقديمها بطريقة سطحية او مبتذلة.تستخدم هذه النماذج فى الإعلام مثل وسائل التواصل الاجتماعى أو الدعاية، لجذب الإنتباه(الترند) وتحقيق اهداف معينة مثل الربح او التأثير على الراى العام.

يعتبر كتاب الدكتور الان دو الاستاذ الجامعى بالجامعات الكندية(نظام التفاهة) من أهم البحوث الفكرية والاجتماعية خلال العشر سنوات الماضية الذى تناول هذا المفهوم وتأثيراته وسيطرته على مستوى الأفراد وعلى مستوى الممارسة الانسانية،يشير المفهوم بالمعنى القاموسى نقص فى الأصالة او الإبداع اوالقيم.وفى المعنى الاصطلاحى جعل الوجود اجوف وعلى تفريغ الحياة من السعى والبحث والتعلم والتطور.

تقول د.مشاعل الهاجرى مترجمة الكتاب فى مقدمتها  عن الكتاب :الشبكات الاجتماعية فيها يتكون عقل جمعى من خلال المنشورات المتتابعة،هذا الفكر التراكمى السريع الذى يبلور وبسرعة وبدقة موضوعا محددا،نجح فى اختصار مسيرة طويلة كان تبادل الفكر فبها يتطلب أجيال من التفاعلات وقد نجحت هذه المواقع فى ترميز التافهين.فالمعيار هو المال فقط.

أما تزييف الوعى فهو مصطلح ينتمى الى نظرية ماركسية ويعنى الطريقة التى يتم بها تحريف او تشويه الواقع الاجتماعى او السياسى بحيث لا يدرك الأفراد أو الجماعات حقيقة مصالحهم أو أوضاعهم من خلال التزييف بنشر أفكار اومعتقدات مغلوطة.

بحيث يجعل الشخص يتبنى وجهات نظر أو مفاهيم معينة بشكل غير نقدى وغير واعى ويتم ذلك من خلال الاعلام والدعاية او عبر الانظمة الاجتماعية والسياسية التى تعمل على تشكيل الوعى العام بما يخدم مصالح معينة.

تزييف الوعى يشير إلى جعل الناس يعيشون فى وهم أو تصور خاطئ للواقع بحيث يفقدون

القدرة على رؤية الأمور بموضوعية أو فهمها كما هى فى الحقيقة.

فى المقابل ان الوعى هو الفهم الصحيح المطابق للواقع،والتصور الصحيح للأشياء من خلال اعمال قواعد الفهم والاستنباط وفق منهج علمى ويعتمد على أمرين هما قواعد صحيحة(مقدمات) وإعمالها وفق المنهج للوصول لنتائج سليمة.

*نمذجة التفاهة وتزييف الوعى فى حرب السودان*:

يقول الفيلسوف اليونانى ارسطو:(لكى يكون الإقناع مؤثرا يجب توافر ثلاثة عناصر الثقة والمنطق والعاطفة).

يهدف الاعلام الى تشكيل الرأى العام وفق مصالح وأهداف سياسية وعسكرية وتجارية،حيث لا يوجد اعلام محايد فهو اما وسيلة لتحرير وعى الجماهير وتقديم الحقائق كما هى وتعرية الواقع أو وسيلة تدجين وتعتيم للحقائق والتلاعب بالعقول.

إن نمذجة التفاهة وتزييف الوعى فى حرب السودان والإعلام المصاحب لها يمكن أن تفهم من خلال مجموعة من الأمثلة التى تتعلق بممارسات الإعلام وطرق التأثير على الراى العام:

-التضخيم للقضايا الصغيرة بتسليط الضوء على احداث جانبية غير مؤثرة بشكل حقيقى على مجريات الحرب مثل التركيز على مظاهر العنف أو الصور الصادمة بدلا من مناقشة الجذور السياسية والاقتصادية للازمة.

-ترويج السرديات المضللة التى تحرف الحقائق او تقدمها بطريقة مغلوطة أو مبالغ فيها.

-استخدام اللغة الرنانة والشعارات فى بعض الأحيان يتم إستخدام اللغة الحماسية او العاطفية(بل،جغم،متك) والعبارات الدينية (الله اكبر) لتهييج المشاعر العامة وتوجيهها بعيدا عن التفكير النقدي.

-صناعة الأخبار والقصص الكاذبة التى تعمل على تحفيز الهلع والفوضى وإضعاف الثقة فى وسائل الاعلام وتأجيج العنف وهى جزء من ادوات الحرب النفسية التى تمثل تهديدا يؤثر على استقرار المجتمع.

الربط بين  هذين المفهومين يظهر بشكل واضح فى عصرنا الحالى حيث يتم إستخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر مستوى يعزز التفاهة ويشوه الوعى العام مما يؤدى الى تأثيرات سلبية على المجتمع مثل تقليص التفكير النقدى وتعزيز السطحية فى التعامل مع القضايا الهامة.

يمتلئ الفضاء الاسفيرى بهذه الظواهر(الانصرافى،ابورهف،احمد كسلا،الربيع،الخ) التى تقدم طوفان من المحتوى الموبوء الذى يغرق وسائل التواصل والتطبيقات المختلفة وكمايقول البير كامو الحائز على جائزة نوبل للآداب 1957:تغير كل شئ اليوم حتى الصمت صارت له تداعيات مخيفة.

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى