نشر معهد أبحاث ودراسات الأمن القومي في إسرائيل INSS تقريرًا في الثامن من إبريل 2024 ، كتبه أوفير وينتر وهشام حسنين تحت عنوان: (45 عامًا على السلام مع مصر: الحرب في قطاع غزة أظهرت ضعفها، ولكن قوتها أيضًا). 45 שנה לשלום עם מצרים: המלחמה ברצועת עזה הדגימה את חולשותיו, אך גם את חוסנו
وقد ذكر الباحثان في التقرير أنه: (في الذكرى الخامسة والأربعين لاتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، وعلى خلفية الحرب التي طال أمدها في غزة، تعرضت العلاقات بينهما لاختبار شديد. كيف تساعد مراسي السلام بين البلدين على التغلب على هذه الفترة الصعبة، وما الذي يتعين عليهما القيام به للخروج منها أقوى؟).
ويدور التقرير حول استجداء مصر للوساطة بين الفلسطنينين وإسرائيل للوصول إلى حل للأزمة التي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي استمرت حتى الآن، (وأن هذه الأزمة أحد أصعب الاختبارات التي عرفاها -الجانب المصري الإسرائلي- على الإطلاق، لكنها لم تؤثر حتى الآن على الطابع (المتناقض) التقليدي لعلاقاتهما).
وذكر الباحثان أن هذا التناقض يظهر في الخطابات المتبادلة بين الجانبين – المصري الإسرائلي- والتي تعبر عن عدم الثقة والشك والحقد والعداء -على حد تعبير الكاتبين- وفي المقابل، استمر الحوار الأمني الهادئ كما استمر الالتزام المتبادل باتفاق السلام واستيعاب المصالح الاستراتيجية التي تضنها الاتفاقية. وقد أطلق التقرير على الاتفاقية(السلام البارد) وذلك لأنها مع مرور الزمن أصبحت في وضع غير صحي، ومن ثم يرى الكاتبان أنه يجب على القاهرة والقدس (إسرائيل) أن تسعى جاهدة – بمساعدة أصدقائهما – لبناء صيغة لعلاقة محسنة تخدم مصالحهما الثنائية والإقليمية بشكل أفضل، سواء أثناء الحرب أو في اليوم التالي لانتهائها.
وذكر التقرير في صيغة تحمل العتاب: أنه منذ بدء طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي كان هناك توقع من إسرائيل لإدانة حازمة من مصر (للمذبحة التي ارتكبتها حماس، ابنة حركة الإخوان المسلمين، والتي كانت حتى وقت قريب تغذي الإرهاب ضد الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء). وأن القاهرة اكتفت من جهتها بدعوة إسرائيل إلى ضبط النفس، وحمّلتها مسؤولية التصعيد. كما ذكر التقرير أنه على النقيض من الأسلوب المعتدل الذي يميز الرئيس عبد الفتاح السيسي عادة، فقد حذر من المظاهرات الحاشدة إذا تحركت إسرائيل لنقل الفلسطينيين إلى سيناء، حتى إنه وصف إسرائيل فيما بعد بنظام الاحتلال، وتنبى كبار المسؤولين في الحكومة المصرية الموقف المتشدد الذي قدمه، واصطدم الممثلون المصريون مع إسرائيل في المناقشات التي جرت في الأمم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية في لاهاي).
وهذا خطأ كالعادة من الكاتبين في وصف موقف مصر بالموقف المتشدد، وقد أعلنت مصر موقفها مما تخطط له إسرئيل من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وأن هذا خط أحمر، وفيه تصفية للقضية الفلسطينية، وتهديد للأمن القومي المصري وبناء عليه أعلنت رفضها لهذا المخطط الغير محسوب من الجانب الإسرائيلي. أما بالنسبة لاصطدام ممثلي مصر مع إسرائيل أثناء المناقشات التي جرت في الأمم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية في لاهاي فإن السبب في تصعيد النقاش هي إسرائيل؛ لما صدر منها من اتهام مصر أمام محكمة العدل الدولية بأنها السبب في غلق المعبر، ومن ثم تحملها تبعة تجويع الفلسطينيين وقتلهم، فكان على مصر أن ترد هذه الدعوى الباطلة، على الرغم من وضوح الموقف المصري أمام العالم أجمع إلا إن إسرائيل تريد أن تجعل مصر شريكًا في الأزمة، ولو على حساب دماء الأبرياء العزل.
كما ذكر التقرير جانبًا من الانتقادات الظالمة والقاسية والغير معتادة التي وجهها الجانب الإسرائيلي إلى مصر مثل: تصريحات وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريش” (والذي حمل القاهرة “مسؤولية كبيرة” عن أحداث 7 أكتوبر. وأنه على حد قوله: (فإن مصر “غضت الطرف لسنوات ومكنت من التسليح المجنون لحماس”)، وبالتالي فإن تورطها الوحيد في مستقبل غزة سيتم التعبير عنه من خلال السماح لسكان القطاع بالذهاب إليها أو من خلالها إلى بلدان أخرى. ومما أثار استياء مصر أن الوزراء والساسة والإعلاميين الإسرائيليين دعوا إلى نقل سكان غزة، أو أجزاء منهم، إلى أراضيها، وهي خطوة اعتبرتها القاهرة بمثابة تجاوز للخط الأحمر وتهديد لأمنها القومي).
وكان يجب على الكاتبين رد انتقادات وزير المالية الإسرائيلي وتوجيهها إلى حكومته وإلى رئيسها لأنهم كما يدعون وكما روجوا لأنفسهم بأنهم القوة التي لا تقهر، كيف غاب عنهم تسليح حماس، وكيف تم تدريب أعضائها في الخارج كما ذكر التقرير، ومن المسؤول عن ذلك؟ّ!
كما ذكر التقرير أنه على الرغم من رسائل الطمأنة العلنية والصامتة المرسلة من القدس إلى القاهرة، إلا إنه من الواضح أن النظام المصري شكك في قدرة إسرائيل على استكمال نزع سلاح حماس دون أن يؤدي ذلك – عن طريق الخطأ أو عن قصد – إلى تدفق اللاجئين إلى مصر، وبالتالي أرسل رسائل تحذيرية لإسرائيل بشأن العواقب الخطيرة لعملية اقتحام حدود رفح. (بالإضافة إلى ذلك، عكس الخطاب المنتقد لإسرائيل طموح السيسي لحماية صورته في الشارع المصري والعربي ضد الأصوات المتطرفة من دول مثل إيران ومن أحزاب المعارضة الإسلامية، التي اتهمت النظام المصري بإدارة ظهره للفلسطينيين).
وهذا خطأ من الكاتبين فإن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ما اتخذ من خطاب النقد لإسرائيل حماية لصورته الشعبية ولكنه ذر للرماد في وجه من لم يقدر الموقف للعمليات اللاإنسانية، وكشف للغطرسة الإسرائيلية في فرض الحصار على قطاع غزة، وتجويع الفلسطينيين من دون ذنب، بالإضافة إلى قيامه بتبرئة ساحة مصر مما شنعت به إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بأن المسؤول عن غلق العبر هي مصر فكان لا بد من بيان الحقيقة للجميع، وأن الأمن القومي المصري خط أحمر، وأن إسرئيل لم تقدم على تلك الافتراءات إلا بعد أن رفضت مصر رفضًا قاطعًا بل وأفشلت خطة التهجير التي عزمت عليها إسرئيل.
ثم ذكر التقرير ما ورد إليهم عن وفود أمنية رفيعة المستوى، إسرائيلية ومصرية، على الرغم من عدم وجود محادثات بين الجانبين منذ اندلاع حرب غزة، وأن تلك الوفود سافرت بين القدس والقاهرة للتنسيق بين البلدين، ومشاركة الجيش المصري في إنشاء آلية لإدخال المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة بعد التفتيش الأمني في إسرائيل، وبالطبع في الوساطة في معاملات المختطفين.
ثم ذكر التقرير: (وفي حين تتمتع قطر بنفوذ على قيادة حماس في الدوحة، فضلًا عن قوتها المالية والإعلامية، فلا بديل عن مساهمة مصر في جهود تحرير المختطفين نظرًا لموقعها الجغرافي، وارتباطاتها المباشرة بالفصائل في غزة وأذرع التنظيم. والضغط الموجود تحت تصرفها، كما أن مصر ـ على النقيض من قطر ـ تشترك مع إسرائيل في النفور المبدئي من حماس والنموذج الإسلامي الذي تمثله.).
وهذا نوع من الاعتراف بمكانة مصر في صورة استجداء، لكنه يحمل مقارنة بين مصر وقطر، وكان الأحرى بالكاتبين الحديث عن إسرائيل وكيف تسببت في تصعيد الأزمة، كما يستدرك على التقريرالتلويح بالإسلام في الخطاب.
كما ذكر التقرير أنه: (علاوة على ذلك، منحت الحرب القاهرة مكانة سياسية إقليمية رائدة على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، لم تتمتع بها منذ سنوات. وفي مواجهة عقد من الركود في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، تضاءل دور مصر كوسيط للسلام، في حين تحدت أنقرة والدوحة وطهران نفوذها في قطاع غزة من خلال تمويل واستضافة وتدريب نشطاء حماس. وفي ظل هذه الظروف، اكتفت القاهرة بالوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، والمشاركة في إعادة إعمار القطاع بعد جولات القتال).
والجواب أن ما قامت به مصر من الوساطة بين الجانب الفلسطيني الإسرائيلي -حسب التقرير- ليس تضاؤلًا بقدر ما فيه شهادة لمصر بأنها دولة لا تعرف المؤامرات أو المخططات ولا تستغل الأزمات، كما أكد ذلك السيد الرئيس السيسي في اكثر من خطاب.
كما ذكر التقرير أن مصر (تزايد تهميشها الإقليمي بعد “اتفاقيات إبراهيم”، عندما انحرفت دول السلام الجديدة بشكل حاد عن صيغة السلام الباردة التي أملتها. وقد ركزت واشنطن وإسرائيل على توسيع دائرة السلام مع دول السلام الجديدة، وتقليل الاهتمام بالدول العربية الأولى التي مهدت له. وهذا الواقع يتغير تدريجيا على خلفية الحرب في قطاع غزة، ومن المرجح أن يكون الأمر كذلك أيضاً بالنسبة للترتيبات التي ستتبلور بعدها)
وهذه شهادة شهد بها التقرير من ضلوع دولتهم والولايات المتحدة بتعمد تهميش مصر، ولعله يكشف أيضًا الأزمات المصدرة التي واجهاتها مصر منذ عقد من الزمن، وتصعيد دول أخرى باسم التطبيع الجديد أو اتفاقية إبراهيم على المصالح المصرية وتعمد الإضرار بها، وملاحقتها بالأزمات حتى لا تكون مؤثرة، ولكن هيهات، فمصر بفضل الله ثم بفضل قيادتها الرشيدة تعي جيدا ما يحالك لها من مخططات.
وقد ذكر التقرير نقطة مضيئة أخرى وهي تتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، خاصة في مجال الطاقة، والتي استمرت كالمعتاد حتى أثناء الحرب. وعلى الرغم من التوقف المؤقت في تدفق الغاز من إسرائيل إلى مصر في بداية القتال، لكن سرعان ما عاد إلى مساره، وأن خطط التوسع المستقبلي في مارس.
ثم انتهى التقرير بعدة توصيات منها:
- يتعين على مصر أن تخفف من حدة الخطاب المناهض لإسرائيل الذي استخدمته في الأشهر الستة الماضية، والذي كان موجها في بعض الأحيان من أعلى.
وعلل الكاتبان ذلك بأن الحرب هي تذكير أساسي بقيمة السلام ومصلحة الأطراف في الحفاظ عليه. أن مثل هذا الخطاب المناهض لإسرائيل (لا يسهم في جهود إحلال السلام الإقليمي، بل يصب الزيت على النار المشتعلة حاليا في الرأي العام في مصر والدول العربية. كما أن التعبير عن الكراهية ضد إسرائيل واليهود يخدم أجندة الإخوان المسلمين وإيران والمحور الذي يزعزع استقرار المنطقة. إن الموقف المصري المتوازن، الذي يدافع عن حماس – البادئة بالحرب – عن أفعالها، ويشير في الوقت نفسه إلى الأخطاء المتعلقة بسلوك إسرائيل في الماضي والحاضر على الساحة الفلسطينية وفي حربها ضد الإرهاب، سيكون أكثر فائدة وإنصافاً. )
- أن إسرائيل مطالبة من جانبها بإبداء حساسية أكبر تجاه هموم مصر ومصالحها في غزة وسيناء، ولاعتبارات الرأي العام أمام أعين قادتها.
- إن الدخول الإسرائيلي المكثف إلى رفح يجب أن يتم بالتنسيق مع القاهرة وواشنطن، وبعد دراسة البدائل الأخرى. كما أنه من الأفضل لإسرائيل أن تتجنب التصريحات العلنية التي قد تحرج مصر. وعليها أن تفضل الحلول التي سيتم التوصل إليها من خلال حوار هادئ مع القاهرة، حتى لو كان الجيش الإسرائيلي عندما يدخل رفح سيصادف أنفاقاً كانت حماس تستخدمها لتهريب الأسلحة من مصر إلى غزة!!!
- أنه يمكن لدول الخليج البراغماتية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي لديها مصلحة في إنهاء حكم حماس في غزة وتمهيد الطرق لحل المشكلة الفلسطينية، تقديم المساعدة المالية لمصر في إعادة إعمار غزة والمساهمة في إعادة إعمارها. وبذل الجهود لتشكيل واقع يضمن الاستقرار طويل الأمد في القطاع والساحة الفلسطينية والمنطقة.
- يجب على واشنطن أيضاً أن تشجع مصر على اتخاذ موقع قيادي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية وأن تكون لها الأسبقية على الدول المؤيدة للإسلاميين، وخاصة تركيا وقطر، المهتمتين ببقاء حماس في قطاع غزة. بل ويمكن لمصر أن تلعب أدوارًا في تدريب المسؤولين الحكوميين الفلسطينيين الجدد في غزة ونقل المساعدات الإنسانية إليهم، وفي زيادة الجهود الرامية إلى إحباط التهريب من سيناء إلى غزة، فوق الحدود وتحتها، وفي إعادة تأهيل غزة، وفي استئناف محادثات السلام بين إسرائيل. والفلسطينيون، عندما تكون الظروف مهيأة لذلك. كما أن هذه الخطوات من شأنها أن تعزز مكانة مصر الإقليمية واستقرارها الداخلي.
- وأخيرًا، يقرر الكاتبان أن العلاقات الإسرائيلية المصرية ستكون مربحة (إذا تم الترويج لها كجزء من المبادرات الأمريكية لتشجيع التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية الأخرى. وسيكون هذا درسًا مهمًّا لمن فكروا في اعتداء 7 أكتوبر، ومفاده أن (الإرهاب الإسلامي) لن يعيق العلاقات العربية الإسرائيلية.)
وكان على الكاتبين قبل الحديث عن الإرهاب الإسلامي أن يعترفا بالإرهاب الصهيوني الذي تمارسه إسرائيل وما زالت المنطقة باسرها ومصر على وجه التحديد تدفع ثمنه، وكان على الكاتبين أيضًا توجيه الاتهام لحكومتهما أنها السبب في رد الفعل في العالم العربي من مقت للكيان الصهيوني ونجاحهم في مقطعة من يدعمه، ولم يذكر التقرير في توصياته إلزام حكومتهم بإعادة إعمار غزة، وتحملها نتيجة الحرب أمام الرأي العام العالمي.
كما يلاحظ أن ما ورد في ختام التقرير ليست توصيات ولكنها استجداء لمصر لمواصلة الوساطة بين الجانب الفلسطيني الإسرائيلي، وأن وساطة مصر ليس فيها غرض إلا لتحقيق الأمن والسلم في المنطقة، خصوصًا كما ظهر أيضًا خيبة المخططات الأمريكية في دعمها بعض الدول على حساب مصر، وما أسرع الأيام التي كشفت على لسان إسرائيل مخططاتها والآن تستجدي مصر باسم السلام!
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب