إعداد/ ميادة شكري
باحث ماجيستير كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
شهدت القارة الأفريقية تحديات أمنية متزايدة خلال العقدين الماضيين، بدءا من النزاعات المسلحة مرورا بموجات الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وصولا إلى الأزمات الإنسانية الناتجة عن هذه الأحداث، في هذا السياق، تولت مصر رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في أكتوبر 2024، مما يعكس دورها المحوري في السعي لتحقيق الاستقرار في القارة، يهدف هذا البحث إلى تحليل الدور المصري خلال هذه الفترة، والتركيز على الاستراتيجيات والسياسات التي تبنتها مصر لتعزيز الأمن والاستقرار في أفريقيا. والفرص السانحة أمام مصر خلال فترة ترأسها مجلس السلم والامن الأفريقي.
سياق رئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقي[1]
تأتي رئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقي خلال شهر أكتوبر الجاري 2024، في وقت حرج تشهد فيه القارة الأفريقية تحديات أمنية وسياسية معقدة، ويبرز هذا الدور أهمية موقع مصر كدولة محورية تسعى إلى تحقيق الاستقرار والسلام في القارة، فضلا عن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، في وقت يشهد العديد من التحديات الأمنية والسياسية، مثل الأزمة السودانية التي اندلعت في أبريل 2023، واستمرار التوترات في منطقة الساحل والصحراء، وتزايد نشاط الجماعات الإرهابية في شرق وغرب أفريقيا، كما تزيد التغيرات المناخية وتداعياتها على الأمن الغذائي من تعقيد المشهد.
- اقرأ أيضا: ميادة شكري تكتب.. تحول المشهد السياسي العالمي نحو حتمية وجود صوت إفريقي دائم في مجلس الأمن
يعتبر مجلس السلم والأمن الأفريقي (PSC) الجهة الأساسية في الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ السلم والأمن في القارة، والذي تأسس عام 2002 ليكون بمثابة آلية لاتخاذ القرارات المتعلقة بمنع النزاعات وحلها، بالإضافة إلى إدارة عمليات حفظ السلام والتعاون مع الأطراف الدولية مثل الأمم المتحدة، ويضم المجلس 15 دولة عضوة، [2]يتم انتخابها وفق نظام دوري يعكس الأقاليم الجغرافية الخمسة المختلفة في القارة الأفريقية
استراتيجيات مصر لتعزيز الأمن والاستقرار خلال رئاستها للمجلس
لطالما اعتمدت مصر استراتيجية قائمة على الدبلوماسية الوقائية، عبر السعي لتسوية النزاعات بالطرق السلمية وتشجيع الحوار بين الأطراف المتنازعة، وهو ما ستعززه في الفترة القادمة من خلال رئاستها لمجلس السلم والامن الإفريقي من خلال الكشف عن زيارة مرتقبة إلى بورسودان، بهدف تقديم الدعم السياسي والإنساني للأطراف المتضررة من النزاعات في القارة، كذلك تبني مصر تعزيز الربط بين السلم والتنمية، وهو ما تجسد من خلال سعيها الدؤوب لدعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في المناطق المتأثرة بالنزاعات، بما يتماشى مع رؤية الاتحاد الأفريقي 2063، و التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في القارة، و تعتبر هذه المقاربة ضرورية لخلق بيئة مستقرة تحد من احتمالات نشوب النزاعات في المستقبل، فضلا عن التركيز المصري خلال الفترة القادمة حول أهمية تعزيز التعاون بين مجلس السلم والأمن الأفريقي والشركاء الدوليين، من خلال عقد مشاورات سنوية مع مجلس الأمن الدولي ولجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، حيث يهدف هذا التعاون إلى تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب وتعزيز عمليات حفظ السلام في القارة، وتوفير الدعم المالي والفني اللازم لتحقيق الأهداف المشتركة، وفي إطار جهودها لتعزيز التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ستركز مصر خلال فترة رئاستها على قضايا مكافحة الإرهاب، من خلال دعم المبادرات الإقليمية الرامية إلى القضاء على الجماعات المسلحة، خصوصا في المناطق التي تعاني من تهديدات أمنية مثل منطقة الساحل وشرق أفريقيا ، وفي ضوء تفاقم الأزمات الإنسانية نتيجة النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، كثيرا ما قامت مصر بتوجيه جهودها لدعم النازحين واللاجئين في القارة، لذا ستعمل مصر على المزيد من تعزيز التنسيق بين مجلس السلم والأمن ومنظمات الإغاثة الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، مع التركيز على حماية الفئات الأكثر ضعفا مثل النساء والأطفال.
مسارات الفرص الذهبية أمام مصر خلال رئاسة المجلس
أولا: تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح الأفريقية
تسعى مصر، من خلال رئاستها لمجلس السلم والأمن، إلى تعزيز دورها في معالجة النزاعات الأفريقية، وفي هذا السياق، يتعين عليها أن تتوخى الحذر في إدارة قضاياها المتعلقة بسد النهضة، مع مراعاة موقف إثيوبيا والمصالح الأوسع للدول الأفريقية، وبناء توافق حول قضايا الأمن والمياه، مما سيتطلب من مصر تعزيز الدبلوماسية الإقليمية مع دول حوض النيل الأخرى، لخلق توافق أوسع حول القضايا المائية، وهو ما سيعطي لمصر السبق في تفعيل دور الاتحاد الأفريقي كمؤسسة قادرة على حل النزاعات دون تدخلات خارجية.
ثانيا: تعزيز التعاون في قضايا السلم والأمن
تستطيع مصر من خلال رئاستها لمجلس السلم والأمن الافريقي، تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة في مناطق مثل الساحل والقرن الأفريقي، وهي قضايا تشكل تهديدات أمنية مشتركة مع إثيوبيا وبقية دول المنطقة، ومن هذا المنطلق يمكن لهذا التعاون أن يعيد بناء الثقة مع إثيوبيا والدول الأخرى، ويقلل من التوترات الثنائية.
ثالثا: تأكيد الصورة الذهنية لمصر كوسيط موثوق في الأزمات الإقليمية
في حال نجاح مصر في إبراز قدرتها على التعامل مع الأزمات الأفريقية بفعالية، يمكن وقتها تقديم نفسها كوسيط نزيه في نزاعات أخرى بالقارة حتى في حال انتهاء مدة رئاستها لمجلس السلم والامن الافريقي، وعلى سبيل المثال دعم جهود تسوية النزاع في السودان أو دعم استقرار الصومال.
ختاما، تعتبر رئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقي في أكتوبر 2024 فرصة لتعزيز دورها القيادي في القارة الأفريقية، ولإثبات التزامها بالعمل على تحقيق الاستقرار والتنمية في ظل تحديات معقدة، من خلال التركيز على تعزيز دور المجلس في مواجهة النزاعات وتطوير شراكات دولية فعالة، وهي فرصة سانحة لمصر لتقديم نموذج لإدارة دبلوماسية تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] https://www.cabinet.gov.eg/News/Details/77270