محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-9)
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث
ملخص الحلقة التاسعة
في الحلقة التاسعة أكد الشرفاء الحمادي على نقاط جوهرية في حديث إرضاع الكبير، وخاصة فيما يخص قضية رجم الزاني المحصن، إذ قال: كيف للعاقلِ أن يصدّقَ فرية وتخريفا وأكذوبة صادمة للنطق إذا لم تصبْهُ لوثة في عَقْلِهِ؟ وكيفَ للمسلمِ أن يُؤمنَ بروايةٍ تَستَصغِر وعيه وتستخف بإدراكه؟ ثم استشهد بعقوبة الزنا كما جاءت في القرآن الكريم وهي الجلد.
التفاصيل
تحدثنا في الحلقة الثامنة من حلقات القراءة التحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية التي أكتبها كل ثلاثاء في منصة مركز العرب للأبحاث والدراسات من خلال عرض أبرز ما جاء في كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، عن رواية مسند الإمام أحمد رقم (25112) ويقول فيه: حدّثنا يعقوب، قالَ حدّثنا عن أبي إسحاقَ، قال حدّثني عَبِدُ الله بُن أبي بكرٍ بنُ محمّدٍ بن عُمر بن حَزمُ عن عَمرةَ بنتِ عَبد الرّحمن عَنْ عائشةَ زوجِ النبيِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم قالت «أُنزلتْ آيةُ الرَّجمِ ورضعاتِ الكبيرِ عَشرًا، فكانتْ في ورقةٍ تحت سرير في بيتي، فلمّا اشتكى رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم، تشاغْلنا بأمرِه ودخلت دويبة لنا فأكلتها».
- اقرأ أيضا: محمد فتحي الشريف يكتب.. الإعلام البديل غول يلتهم الأخلاق.. وشخصيات قروية مشرفة نموذج يحتاج لتطوير
ووضحنا في تلك الحلقة أن هذا الحديث المكذوب ينال من عفة المرأة، ويرسخ للفسق والفجور ومعصية الله، ويجب أن نتخلص من تلك الأكاذيب التي تهدم الدين.
القرآن وضح بشكل صريح عقوبة الزنا
وفي حلقة اليوم نستكمل الحديث عن بعض ما جاء في هذا النص المكذوب الذي يتعلق بقضية الرجم في الإسلام، وهي قضية نالت الكثير من الجدل بين الناس، على الرغم من أن عقوبة الزنا حددت في القرآن الكريم بنص واضح وصريح، وهو قول الله عز وجل في سورة النور “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ“.
عقوبة الرجم فرية ولم ترد في القرآن
هذا هو حد جريمة الزنا كما ذكرها القرآن الكريم تفصيلا، ولم يفرق القرآن في تلك الآية الكريمة بين الزاني المحصن (المتزوج) وغير المحصن، بل شملت الآية عقوبة الفعل بشكل شامل.
شرح وتوضيح
كتاب الله كامل غير منقوص
لم يرد نص في القرآن الكريم حول عقوبة رجم الزاني المحصن، وعلى فرضية صحيح حديث إرضاع الكبير والرجم، فان هذا الأمر يدخلنا في نفق مظلم، وينال من الدين الإسلامي كله، بل وينال من القرآن الكريم كلام الله المقدس الذي لا يأتيه الباطل ولا يعتريه الشك، فـكتاب الله -عز وجل- جاء كاملا غير منقوص، محفوظا من الله -عز وجل- ولذلك نجد أن هذا النص المكذوب ينال من القرآن، وهنا نطرح على الذي كتب هذا النص الهادم للدين من خلال تلك الأكاذيب والفريات وكذلك نسأل ذات السؤال للذي صدق هذا الكذب والافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم ونقول له: هل هناك نقص في القرآن؟، وسؤالا آخر: هل الله -جل جلاله وعظم سلطانه- يدعونا إلى الفسق والفجور وينال من شرف المرأة؟ سؤالا ثالثا: هل الله -عز وجل- يأمرنا بقتل المذنبين والعصاة، وهو التواب الرحيم الغفور الودود؟
شيوخ الفتن وتضليل العوام
ثم نعرج على موضوع آخر أكثر أهمية وهو كيف تكون المعالجة الصحيحة من السيدة عائشة رضي الله عنها لهذا الأمر وهي زوج النبي وأحرص الناس على الدين، إن جزمنا أن ذلك الأمر قد حدث، وهو أمر خيالي ومستحيل حدوثه، فهل يعقل أن تحكي السيدة عائشة هذا الأمر في صورة حديث لإحدى النساء وهو تشكيك في وصول كل نصوص القرآن للناس، مع أن الله قال “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”، ناهيك أن أمرا بهذه الأهمية وهو نص من القرآن تأكله دابة وتعبث به دون أن تبلغ السيدة عائشة الرسول الكريم بالأمر حتى لو كان في سكرات الموت، أو والدها سيدنا أبا بكر الصديق، أشياء كثيرة تدلل وتؤكد كذب النص، ومع ذلك نجد العوام من الناس يسيرون خلف شيوخ الفتن الذين يكتبون تلك الأكاذيب من أجل تمرير هذا العفن الواضح لهدم الإسلام.
الرجم حكم قاس لا إنساني
لقد قدم الكاتب العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي توضيحا مهما حول قضية الرجم من خلال طرح الآيات وتوضيح الدلائل ثم التعقيب قائلا: جاءَ في الروايةِ نَفْسِها أعلاه، بشأنِ رَجم الزانياتِ لم يَرِدْ نصُّ في القرآن الحكيم بهذا الحُكم القَاسي واللّا إنساني، فقدْ وضَعَ اللهُ سُبحانَهُ تشريعًا لذْلك، فَقَال سُبحْانَهُ وتعالى “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ” (النور 2)، ذلك هو حدُّ الزاني والزانية الذي شرَّعه الله لعباده، وهو الحكم الذي أمر سبحانه بتطبيقه كما ورد في هذه الآية التي تنسِفُ روايةَ الدُّويبةِ التي أكلتْ الآية المزوَّرةَ والمفتراة على الإسلام.
الشرفاء يؤكد أن ذلك فرية وتخريف صادم
ثم عقب الكاتب على جزئية الرجم قائلا: كيف للعاقلِ أن يصدّقَ فرية وتخريفا وأكذوبة صادمة للمنطق إذا لم تصبْهُ لوثة في عَقْلِهِ، وكيفَ للمسلمِ أن يُؤمنَ بروايةٍ تَستَصغِر وعيه وتستخف بإدراكه، وكيفَ قَبِلَ المسلمونَ مُنذُ مئاتِ السنينَ، هذه الاستهانةَ بعقولِهِم، وكيف اعتمَدُوها في مَراجعِهم الفقهيّة؟ وكيفَ غابتْ عن عُقولِهم آيات الله، حيث يصفهم الله سبحانه بقوله “مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ” (البقرة 18)؟
استهانة واستغفال للعقول
كيف تعاموا عن التشريع الإلهي وما جاء به من أحكام في القرآن الكريم، كما جاءَ في سورةِ النورِ، في حد الزَّانيةِ والزّاني؟ وكيفَ قَبِلَ مَن يُسَمونَ بعلماءِ الدينِ وصدقوا تلك الرواية بشأن موضوع إرضاعِ الكبيرِ، وفاتَتْ عليهم آيات اللهِ، الّتي تضعُ حدودًا فاصلةً في التعاملِ بينَ الرجالِ والنساءِ، حتى لا يَقَعَ المحظور وتُرتَكبَ المعاصي، ثمّ يتمُ تداولُ هذه الروايةِ وترديدها قرونًا، علمًا بأنه لا يوجد نصٌّ على الرَجمِ في القرآن الكريمِ؟ وكيف تم استغفال الناس بتلك الرواية بأنَّ دويبةً أكلتْ الآيةَ تحتَ سريرِ عِائشةَ رضي اللهُ عنها؟ فأيُّ عَقلٍ يرضى بأن تتمَّ استهانتُهُ واستغفالُهُ؟ وكيف يقبلُ علماءُ الدينِ بهذه الفِرية؟ وأما فيما يتعلق بدويبةٍ أكلت الآيةَ من تَحتِ السّريرِ، فإذا سَلّمنا بصحتِها فيكونُ قد تولّانا الخَبَلُ والعتهُ، وأنَّ مَن يُصدّقُ هذه الروايةَ، فلا شكَ أنهّ يستهينُ بعظمةِ القرآن ودينِ الإسلام، ممّا يؤكدُ أنَّ تلك العقولُ كانت مغيّبةً، والأفهامُ صدئتْ والرَانَ على القلوبِ مما استحكمَ في أسلوبِ تفكيرهِم فعُطِّلَ الفهمُ الصحيحُ للقرآنِ الكريمِ ومقاصد شرعِ الله في كتابِهِ الكريمِ.
تعقيب وتحليل
النصوص المكذوبة والروايات المختلفة
إن النصوص المكذوبة كثيرة، وقد نالت تلك النصوص من الدين الإسلامي، وألصقت به العديد من التهم الباطلة، فلقد ساق دعاة تطبيق عقوبة الرجم للزاني المحصن حججا وأكاذيب كثيرة، فلم يثبت يقينا أن الشريعة الإسلامية أمرت برجم الزاني المحصن أو غير المحصن، وهي عقوبة غير موجود في كتاب الله عز وجل، ولقد أخذها رجال الدين المتشددون.
رواية ماعز وما شابها من أباطيل
حتى أن رواية (ماعز بن مالك) الذي اعترف بارتكابه الزنا أمام الرسول والتي يعتبرها مؤيدو عقوبة الرجم أهم عناصر الإثبات في كلامهم وقد وردت معظم روايات الحديث في صحيح مسلم، وكذلك صحيح البخاري وسنن أبي داوود.
تضارب واضح
هذه الرواية بها تضارب كثير، حيث قال البعض إن الرسول رد ماعز مرتين وروايات أخرى ثلاثا وبعضها أربعا، ومنها من يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لماعز ما بلغني عنك، ورواية تقول إن الرسول قال لماعز لفظا غير مقبول، وحاشا لله أن يفعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، فالرسول لا ينطق عن الهوى ولم يكن فظا ولا غليظا ولا فاحشا في القول، هذا يدلل على كذب تلك الروايات، وكما نقول إن الاختلاف يدل على الكذب، والنصوص الصحيحة تروى بشكل واحد، حتى إننا نقول في المثل الشعبي (إذ كنت كذوبا فكن ذكورا)، أي أنك عندما تكذب لابد أن تحفظ وتعي ما تقول، حتى إذا سئلت لا تغير الرواية، فما بالنا بهذا الكم الهائل من الأكاذيب.
خطاب يهدم الدين ويفتح باب النيل من الإسلام
وفي النهاية نقول إن حرمة النفس من أعظم الحرمات، وإن الله غفور رحيم، وإن الخطاب الديني المنحرف يهدم الدين وينال من سماحة الإسلام، ويفتح الباب على مصراعيه لكل أعداء الدين حتى يتخذوا تلك النصوص المكذوبة معولا لهدم الدين في حين أن الخطاب الإلهي واضح ومفسر بشكل جلي في كل القضايا.