محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-15)
الكاتب رئيس مركزب العرب للأبحاث والدراسات.. خاص منصة العرب الرقمية
ملخص الحلقة الخامسة عشرة
الجهاد في الإسلام ورد في ثلاث آيات في كتاب الله، ومعناه منصرف إلى غير القتال بالسيف، وهذا الذي أكد عليه الشرفاء الحمادي في كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، فالدعوة واضحة ومقصورة على تبليغ رسالة الإسلام بالخير والسعي المتواصل بالفكر والكتاب والوعظ لنشر رسالة المحبة وإعلاء قيم الأخلاق النبيلة من (وفاء وبر وتقوى وتواضع وتراحم وإصلاح بين الناس) بهدف بناء مواطن صالح ترتقي به الأمم والشعوب.
التفاصيل
في حلقة اليوم من القراءة التحليلية في أفكار الأستاذ علي الشرفاء الحمادي التنويرية سيكون موضوع (الجهاد) هو الحاضر في العرض والتحليل، وذلك امتدادا للقضايا التي طرحها وعالجها كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) الذي يبن مقاصد القرآن الكريم الحقيقية، بعيدا عن انحراف الخطاب الديني الذي امتلأت جوانبه بالكثير من النصوص المكذوبة المنسوبة للدين، والتي تخالف كتاب الله عز وجل، وكان موضوع الجهاد من الموضوعات التي طرحت في الخطاب الديني بشكل مخالف لمقاصد الجهاد، ولذلك تحدث الكاتب في كتابه عن الموضوع بشرح تحليلي يتوافق مع كتاب الله ويدحض الأكاذيب التراثية المتعلقة بالجهاد.
المفهوم الخاطئ للجهاد
ارتبطت كلمة الجهاد بعدد من المفاهيم الخاطئة، ومنها أن الجهاد يقتصر على السيف، وهذا أمر مغلوط، وأكد عليه الكاتب حين قال: لقد وردت ثلاث آيات في القرآن الكريم ذكر فيها الجهاد ومعناه منصرف إلى غير القتال بالسيف أو غيره من وسائل القتال الأخرى، لأن الله سبحانه لم يأمر المسلمين بقتال الناس حتى يدخلوا دين الإسلام، تأكيدا لقوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99).
الجهاد ورد في ثلاث آيات من القرآن
ويضيف الكاتب إن الآية الأولى التي تذكر الجهاد في قوله تعالى ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان 52) والتي تعني جاهد الكفار بالحوار والمنطق بآيات القرآن الكريم، والآية الثانية قوله تعالى ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت 6).
الجهاد بذل الجهد لتحقيق أوامر الله
ويوضح الكاتب أنَّ كلمةَ الجهادِ كَمَا وردتْ في القرآن الكريم، جاءتْ حاملةً معناها وتفسيرها، فالجهادُ هو بَذلُ الجُهدِ والطَّاقةِ وتَحمّلُ المشقّةِ في سبيل تحقيقِ أوامرِ اللهِ سُبحانَهُ في مجاهدة النفس وتطويعها لتطبيق مبادئ المنهج الإلهي الذي يرتقي بشخصية الإنسان في عباداته وأخلاقياته والالتزام في ما حرمه الله والتغلب على هوى النفس الأمَّارة بالسوء، والتي يستدرجها الشيطان إلى طرق الغواية.
الجهاد وضرورات الحياة
ويضيف الكاتب شارحا مفهوم الجهاد الحقيقي قائلا: إن هذا الجهاد يبدأ من اليومِ الأولِ لِوَعْي الإنسان بضروراتِ الحياةِ الكريمةِ، وما تتطلّبُه من أشكالٍ مختلفةٍ في بَذْلِ الجهد المخلص في التمسّك بتكاليف العبادات وتأدية الشعائر الدينيّة وترجمتها إلى سلوك يومي باتباع المنهج الإلهي في السلوك الإسلامي الذي أمرنا الله باتباع القيم النبيلة وممارستها مع الناس جميعًا أولها الرحمة والعدل والإحسان وعدم الاعتداء على حقوق الناس ونشر السلام ليتحقّق الأمنُ والاستقرار.
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
ويؤكد الكاتب أن الآية الثالثة من الآيات التي ذكرت لفظ الجهاد صراحة هي قوله تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ (العنكبوت 69).
وهنا يوضح الكاتب أن الآية الثالثة من آيات الجهاد لها مضامين جاءت في عدد من الآيات التي توضح أن الذين يعملون ما أمرهم به الله من القيام بكافة تكاليف العبادات وأعمال الخير والدعوة في سبيل الله يكونون في جهاد حقيقي ومنها:
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
- قالَ تَعَالىَ ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رِبّكَ بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين﴾ (النحل125).
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة
وهنا يؤكد الأستاذ علي الشرفاء مفهوم تلك الدعوة ويقول: إن الآية المذكورة تبين الجهادَ بالدعوةِ والحكمةِ والموعظةِ الحسنة للتعريف برسالة الإسلام التي تدعو للأمن والسلام والتعاون والعدل والرحمة بين الناس، التي يتحقّق بها الاطمئنانُ للنفس وتحيطها السكينةُ لتمنح الإنسانَ شعورًا بالإيمان بقوة الله وقدرته وتقوِّي من عزيمته وتدفعه للعمل الصالح وما يتحقّق به من تأمين رزقه ورعاية أسرته وأمنه في حياته الدنيا ليعيش الحياة هانئًا وسعيدًا، مطمئنًا برحمة الله وبما ييسر له من خير ويكشف عنه من ضرر يعدها لله بقوله سبحانه ﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم﴾ (يونس 107).
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ
ويكمل الكاتب مضامين الآيات قائلا: يقول الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السيئة نحن أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ (المؤمنون 96).
ويشير الكاتب إلى أن الدفع بالتي أحسن من أعمال الجهاد بالقولِ الحَسَن، حيث يتطلب هذا الأمر مغالبة النفس وكبح جماحها والسيطرة عليها في رد الفعل، وهذا أشد أنواع الجهاد لكي يتجنب مضاعفات الموقف وما سيترتب عليه من إشكاليات يعلمها الله.
ثم يضيف الكاتب آيات أخرى منها قوله تَعَالى ﴿وَلَا تَسَتوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت 34).
مجاهدة النفس بقوّة الإيمان
ويشرح هذه الآية قائلا: إنها تستدعي مجاهدة النفس بقوّة الإيمان وتطويعها لتستقبل السيئة بالحسنة، ويتحول لديها ردّ الفعل الغاضب إلى ردّ حليم يحمي الإنسان ممّا يترتّب على عدم السيطرة على النفس من مضاعفات لا تحمد عقباها، وتكون له القدرة على استيعاب الطاقة السلبية لتتحول بإيمانه بالله إلى طاقة إيجابية تحميه من التشاجر الذي قد يؤدي إلى مشاكل جمة وإلى صراع بينه وبين غريمه.
الجهاد هو تحمّلُ المشاقِ
ويكمل الشرفاء الحمادي في كتابة قائلا: إنَّ الجهادَ هو تحمّلُ المشاقِ في سبيلِ الدين والصبرُ على أعبائِهِ، ومجاهدةُ النفسِ وكبحُ جِماحِهَا عن السّقوطِ في المعصيةِ، والتحكمُ بالنَّفسِ الأمّارة بالسوءِ في سعي الإنسان في الاعتصام بكتابِ اللهِ وتنفيذِ أوامرِهِ والابتعاد واجتنابِ نواهِيِه، والإقدام على التقرّبِ إلى اللهِ بالعملِ الصالحِ من عباداتٍ وإنفاقٍ وصدقاتٍ وتقديمِ يدِ المساعدةِ للمحتاجِ والفقيرِ وابنِ السَّبيل.
الجهاد ليس دعوة للاعتداء على الناس
ثم يوضح الكاتب المعنى الإجمالي لحديثه السابق عن الجهاد بمعناه الحقيقي قائلا: يتضح لنا مما سبق أن الجهاد ليس دعوة للاعتداء على الناس، بل هو إيصال رسالة الإسلام لخير الناس وما ينفعهم والسعي الدؤوب بالفكر والكتاب والوعظ لنشر رسالة المحبة والتعاون والسلام لإعلاء قيمة الأخلاق والقيم النبيلة، محققة صياغة شخصية المسلم التي تتحلى بالأمانة وحب الخير واجتناب الظن السيئ والتجسس على الناس والتواضع والتراحم والوفاء بالعهود والعقود والتعاون على البر والتقوى والإصلاح بين الناس ليتحقق في المجتمعات الإنسانية بناء المواطن الصالح الذي ترتقي به الأمم.
فالله سُبحانَهُ مِن رَحمتِهِ يريدُ السلامَ لعبادهِ وأن يَعيشوا مُتحابّينَ ومُتعاونينَ، حيثُ يَقولُ سُبحانَهُ وتَعَالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة 2).
الجهاد وتكاليف العبادات
ويوضح الكاتب قبل ختام حديثه عن الجهاد جزئية مهمة وهي تكاليف العبادات حيث قال: إنَّ تكاليفَ العباداتِ بالبُعدِ عن المحرّمَاتِ، تحتاجُ إلى مُجَاهدةِ الرَّغباتِ الغَرائِزيّةِ وما تحمِلُه مِنْ نَوازعَ مُختلفةٍ، حيثُ تميلُ النفسُ كثيـرًا للمعصيةِ، والشرِ والخِداعِ والظلمِ والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ بالعهودِ واستباحةِ حُقوقِ الناسِ، وقَتْلِ النفسِ التـي حرّم اللهُ إلّا بالحقّ، والغِيبةِ والنّميمةِ ونَشْر الإشاعاتِ ابتغاءَ الفتنةِ، كلُّ تلكَ الصفاتِ المكروهةِ تتحكّم في غريزةِ النفسِ البشريّة، وجهادُها يتطلّبُ عَزيمة وإيمانا، وصبرا، وقبلَ كلِّ ذلكَ تَقوى اللهِ، حَيثُ إنَّ مواجهةَ النفسِ وكبحَ جماحها، هوَ صراعٌ بين الحقِّ والباطِلِ، يكادُ يكونُ أشدَّ قوةً مِن معاركِ القتالِ، فالإنسان يحاربُ عَدوًا بِداخِلِه يساعدهُ في التغريرِ بهِ شَيطانٌ تَوعّدَ الإنسان أمام اللهِ عند خَلقِ آدمَ عندَما قالَ ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ﴾ (ص 82).
لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المسُتَقيمَ
وأيضا ﴿قالَ فَبِما أغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المسُتَقيمَ ثمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ﴾ (الأعَراف 16-17) وهذه الآية تحذر الناس من إغواء الشيطان لهم، وأن يكونوا يقظين حتى لا يقعوا في المحظور فينالوا عقابهم يوم الحساب، وقد حذرنا الله سبحانه من الشيطان بقوله ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ (فاطر 6).
الجهاد في الدفاع عن النفس
في النهاية أقول إن الأستاذ علي الشرفاء وضح المعنى والمفهوم الحقيقي للإسلام من خلال كتاب الله عز وجل والآيات الواردة فيه بشأن قضية الجهاد، فالجهاد ليس الحرب المقدسة والاعتداء على الآمنين وإزهاق الأرواح تحت أي مسمى من المسميات كما يزعم تجار الدين، فالإسلام الحق الذي جاء به الخطاب الإلهي وهو القرآن الكريم يؤكد على أن الجهاد هو قمع هوى النفس، وكبح الشهوات، والجهاد يكون في الدفاع عن الأهل والأرض، حتى أن الجهاد في صدر الإسلام كان ضد كفار قريش بسبب ظلمهم للمسلمين؛ إذ أخرجوهم من ديارهم بغير حق، فالحكمة من الجهاد هو دفع ظلم بعض الناس لبعضهم، وهنا يقر حق الدفاع للمظلوم عن نفسه ودينه وماله، وهذا هو الإسلام وخطابه السمح الأخلاقي الذي جاء في كتاب الله ونهج رسوله صلى الله عليه وسلم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب