محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-7)
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث.. خاص منصة العرب الرقمية
ملخص الحلقة السابعة
عندما تنال الروايات المكذوبة من عدل الله المطلق فإنها بذلك تخرج قائلها ومن يعمل بها من دائرة الإيمان إلى الكفر، فالله -عز وجل- هو أعدل العادلين، وعند الله لا يظلم أحد “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، هكذا عقب الشرفاء الحمادي على حديث “يجيءُ يومَ القيام ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثال الجبالِ، فيغفرُها اللهُ لَهم ويضعها على اليهودِ والنَّصارى”.
التفاصيل
انتهينا في الحلقة السادسة من حلقات القراءة التحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية التي أكتبها كل ثلاثاء في منصة مركز العرب للأبحاث والدراسات من خلال عرض كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، وكان الحديث عن الفرق الجوهري بين الخطابين، الذي وضح في الركائز الأساسية لكليهما وظهر الاختلاف جليا واضحا في إطار الدعوات المختلفة.
- اقرأ أيضا: الحلقة 20 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
إذ يدعو الخطاب الإلهي إلى الرحمة والتسامح والسلام، وينحرف الخطاب الديني إلى القتل والإرهاب والتطرف، واليوم أستعرض لكم جزءا مهما من أجزاء المقارنات بين الخطابين، والتي جاء بها الكتاب من خلال استعراض بعض الأحاديث التي تتعارض بشكل واضح مع القرآن الكريم، وبعيدا عن المسارات التي يسلكها شيوخ الدين من محاولة وضع تأويلات للاختلاف من خلال كلام مغلوط وفهم ناقص يستغلون به العوام من الناس ليبرروا مواقفهم من تلك النصوص والأحاديث.
خاصرة رخوة
على الرغم من أن تلك النصوص تعتبر في حد ذاتها خاصرة رخوة في ظهر الدين الإسلامي السمح وتمنح الأعداء فرصة ذهبية للنيل منه عندما يستشهدون بتلك الأحاديث ويظهرون التناقض وغياب العدل الإلهي بين الناس وحاشا لله أن يكون ذلك واقعا أو حقيقيا، فالله عز وجل أعدل العادلين، ولا يظلم ربك أحدا، وما الله بظلام للعبيد.
اختلاف وتناقض بين الرواية والنص القرآني
لقد جاء الكاتب ببعض الأحاديث التي تخالف القرآن بشكل واضح ووضعها أمام الناس حتى يحكموا على من سرد تلك النصوص المتطرفة العبثية الظالمة، وكيف تم نسبها إلى الدين وتقديسها والإيمان بها من خلال هذا الحديث.
تضارب واختلاف واضح
نص الحديث كما جاء في صحيح مسلم يقول (حدثنا محمّدٌ بن عمرَ عَنْ أبي ردّة عَنْ أبيهِ عنَ النّبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قَالَ: “يجيءُ يومَ القيام ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثال الجبالِ، فيغفرُها اللهُ لَهم ويضعها على اليهودِ والنَّصارى”).
التعليق
هذا الحديث من وجهة نظري مكذوب ومدسوس وينال من الدين الإسلامي ويتجرأ على الله عز وجل (أعدل العادلين) ويخالف القرآن الكريم مخالفة صريحة، بعيدا عن اختلاف شيوخ الدين ما بين الصحة والضعف، ومع ذلك تجد هذا الحديث الشاذ غير المقبول موجودا في صحيح مسلم، مع أن الله عز وجل قال “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، فكيف يظلم الله اليهود والنصارى ويضع عليهم ذنوبا لم يفعلوها، حتى الكافر لا يعاقب بذنب غيره.
نصوص قرآنية تخالف الحديث
النصوص القرآنية التي جاء بها كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) وضحت بشكل قاطع عدم صحة الحديث وأنه مكذوب ولا يليق أن يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أسس دولة العدل والرحمة.
القرآن يؤكد عدل الله المطلق وكذب الرواية
قالَ تَعالى ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، وقالَ تعالى ﴿وَكُلَّ إنسان أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرجِ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا منِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أخرى وَما كُنّا مُعَذِّبيـنَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾ وقالَ تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.
كل نفس بما كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ
كل الآيات السابقة تؤكد أن الله -عز وجل- أعدل العادلين، وأن كل إنسان سوف يأخذ حقه دون ظلم يوم القيامة، وأنك لن تسأل عن ذنوب الآخرين، وهنا يعلق الكاتب في كتابه على هذا الحديث ويقول:
خطاب مسموم
هكذا قدّم أعداءُ الإسلام لِلخطابِ الدينيّ الوجباتِ المسمومةَ، واستطاعُوا أن يجعلوا من الرواياتِ مَرجِعًا وحيدًا لرسالةِ الإسلام كَمَا استطاعوا أن يعبثَوا بعقولِ المسلمينَ شبابًا وشيبًا، وأوحى لهم الشيطانُ بنشْرِ الأكاذيبِ على رسولِ اللهِ لإحداثِ الفُرقةِ بيـن الـمسلمينَ، وَلِينقسم المسلمونَ إلى فرقٍ وأحزابٍ يضربونَ أعناقَ بعضِهم بعضًا، مستهدفينَ هَدْم الإسلام وتشويهَ قرآنهِ والتقليلَ من شأنِهِ وتشويهَ صورتِه.
قائلها مجرمٌ
إنَّ هذهِ الروايةَ مَنْ قالَها مجرمٌ، ومَن نَقَلها نَقَلَ افتراءً على اللهِ -عزّ وجلّ- في عدلهِ، بين خلقِهِ، وهو العَدْلُ المطلقُ، وهو الَّذِي يأمرُ عبادَه بالعَدْل “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْل”، فهلْ مِنَ العَدْلِ أن يغفرَ اللهُ للمسلمين ذنوبَهم، ويحملَّها لليهود والنّصارى، كَبـُرتْ كلمةً تَخرجُ من أفواهِهِم الكريهةِ والله -عز وجل- يقول ﴿ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ وَلا لِآبائِهِم كَبـُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أفواهِهِم إِن يَقولونَ إِلّا كَذِبًا﴾.
طعن في عدل الله
وتابع الكاتب في تعليقه على هذا الحديث قائلا: لقد بَلغَ بهم الافتراءُ بأنْ يُوجّهوا سِهامَهُم المسمومةَ إلى خالقِ السَّماوات والأرضِ، وبلغت بهم الجرأة أن يطعنوا في عدل الله.
الكل سوف يحاسب بعدل الله المطلق
اللهَ الذي لن يستثني نبيًّا أو رسولًا أو إنسانًا يوم الحساب يؤكد ذلك قوله تعالى “وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”، لن يَستثنيَ مُسلمًا كانَ أم كافرًا، رسولاً أم نبيًّا أم زنديقًا، غنيًّا أم فقيرًّا من الحِسابِ والعقابِ، فكل الخلق سواء وكُلٌّ سَيُساقُ بعَملِهِ إلى النّار أو إلى الجنّةِ، فلا يتوَهّمْ المسلمونَ أنّهم مَهْمَا أذنبوا، أنَّ اللهُ سَوفَ يَغفرُ لهم ذنوبَهم على حِسابِ غَيرِهم مِنْ خَلقِهِ، إنَ هذهِ الروايةَ افتراءٌ على رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الَّذِي جاَءَ برسالةِ الرّحمةِ والمسَاواةِ بينَ العِبادِ جميعًا.
مراجعة وإزالة
لقد شمل كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب والإلهي) عددا كبيرا من الأحاديث التي تخالف القرآن الكريم بشكل واضح، وهذا الأمر يؤكد على أن الخطاب الديني الحالي قد اعتراه الكثير والكثير من الأكاذيب والدسائس التي تحتاج إلى مراجعة وإزالة، لأنها في حد ذاتها تعتبر طعنا في الدين، وأن من يدافعون عن تلك النصوص سواء بالتأويل أم تضليل العوام هم يضرون بالإسلام ويهدمون صحيح الدين، لأنهم يفتحون الباب على مصراعيه للنيل من سماحة الدين، وجوهره النقي الذي جاء ليحافظ على حياة البشر ويحقق العدل في الأرض بشكل مطلق.
نماذج للمخالفة
ولذلك أراد مؤلف الكتاب أن يوضح للعوام عددا من النماذج التي جاءت في الكتاب، وخاصة الأحاديث المخالف للقرآن، ويبقى السؤال لماذا يترك العلماء تلك النصوص في الخطاب الديني، على الرغم من أنها مكذوبة ومتطرفة ومخالفة للقرآن وللمنطق والعقل والرسالة الإلهية؟
روايات تؤسس للسخط والكراهية
وفي النهاية أقول، إن هذا الكتاب ضم عددا من الروايات والأحاديث المغلوطة وعلق عليها واستشهد على بطلانها وكذبها من خلال كتاب الله -عز وجل- ولذلك سوف أكتفي في حلقة اليوم بتلك الرواية المخالفة لكتاب الله -عز وجل- وعدله المطلق، فقد تؤسس تلك الرواية الحالية لحالة من الكراهية والسخط والنيل من عدالة المولى عز وجل، على الرغم من أنها جاءت ووضعت بين صفحات صحيح مسلم.