محمد جبريل العرفي يكتب.. ثلاثة مسارات «أحدها اختطاف المقاتلة والإخوان لفكرة المؤتمر الجامع»
الليبيون يتفاعلون مع أي مبادرة علها تنقذهم من الغرق، دون التمعن في أغراض مطلقها، أو البحث عن ممولها، فرأينا سيلاً من المبادرات والمؤتمرات والحوارات لحل الأزمة الليبية.
لكشف حقيقة أي مبادرة ابحث عن قيادتها وممولها، أما الجموع فأغلبها يسير بعقلية القطيع، حيث ينخرط البعض عن حسن نية وبدافع وطني، والبعض بقصد الاسترزاق والوصولية.
في المشهد الآن ثلاثة مسارات:
أولها: المسار العبثي بالحلول التلفيقية المتمثل في الحوارات الماراثونية التي رعتها البعثة سابقاً، أو التي تجري الآن بين مجلس النواب والدولة، وهي لكسب الوقت، بالتضليل بقرب حل الأزمة، بينما الحقيقة أنها ستطيلها، بإنتاج سلطة قد تكون أسوأ من سابقاتها. معظم من في المشهد يرى أنه مستفيد من هذا المسار، مهما أظهر أنه معارض له، أو أن قصده نبيل.
وثانيها: المسار العملي بالحلول الجذرية النابعة من الشعب والمحققة لمصلحته، المدفوع بغضب الليبيين من وضع بلادهم. فالحل الجذري يتمثل في حراك مدني مدعوم من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لكن هذا المسار يحتاج إلى رؤية وقيادة. الرؤية يجب أن تتلخص في شعار «استعادة ليبيا وطناً للجميع، آمناً ومستقلاً ومسؤولاً، والسيادة فيه لشعبه»، أما مسؤولية القيادة فتقع على عاتق القوى الوطنية، التي عليها أن تنظم صفوفها وتضطلع بدورها في توعية وقيادة الجماهير للقضاء على حالة العبث التي نعيشها اليوم، ودرء المخاطر المحدقة بالوطن.
وثالثها: المسار العدمي الذي يدعمه النهابون ويقوده الإسلاميون، من إخوان والمقاتلة المتحكمة في كثير من أجزاء الشق الغربي من ليبيا، هدفهم الثابت هو تمكينهم من حكم كل ليبيا.
اليوم وجدت المقاتلة الحصان الذي يمكن امتطاؤه لإكسابها موقعا على الخارطة السياسية، من خلال تشكيل جسم، وتبني رؤية، باستنساخ ما قامت به جماعة الإخوان في الصخيرات، حيث تم نفخ الروح في جسم المؤتمر الوطني الميت، فأصبح شريكا في كل حوار، صاحب (فيتو) في كل المسائل السياسية، رغم أنه يمثل جماعة الإخوان المنبوذة في ليبيا، والمحظورة في العالم.
المقاتلة رغم أنها أحكمت قبضتها على القرار التنفيذي، واستقدمت قادتها الإرهابيين من كل أنحاء العالم، وجدت نفسها معزولة اجتماعياً رغم المهرجانات الديكورية التي أقامتها لزعمائها، ومعزولة سياسياً رغم تحكمها في الرئاسي وحكومة النهب والمصرف المركزي ومفتي داعش. لهذا تسعى للتخفي بتشكيل جسم تتحكم فيه من وراء الستار لتخدع الليبيين وتضلل العالم. اعتمدت في ذلك على رفع الشعارات المضللة كإسقاط كل الأجسام وإجراء الانتخابات وإقرار دستور، فحشدت كل إمكانياتها المالية والإعلامية واللوجستية للحشد لرسم صورة خادعة يوظفونها لصالحهم، ووظفت معها تيارا، ينكر في العلن تحالفه معها بينما أفعاله على الأرض تبرهن أنه حليف لها، فانجر خلف هذا السراب الطيبون والمغرر بهم والغافلون، وتقدم المشهد الطماعون والمتسلقون والزعامات الكرتونية، فشرعوا في عقد اجتماعات بدأوها منتصف العام في قندولة وسلوق، والآن في طرابلس للتمهيد لاجتماع غدامس، الذي يقوده نسخة جديدة من قطيط، متمثلة في عضو المقاتلة، الذي ينتحل صفة رئيس مجلس الأمن القومي، رغم أنه معين من جهة لم يعترف بها أحد، وغير مختصة بالتعيين في الوظيفة، وانتهت منذ سنين.
في طرابلس أمس وضع هؤلاء القواعد لصناعة حصان طروادة بتشكيل جسم سموه «المؤتمر الوطني العام والجامع الليبي الليبي» حشدوا له بعشوائية، وشكلوا له قيادة من بينهم، لدرجة أنهم سموا أمينا له وممثلا تنفيذيا له، بأسلوب سري وغامض. وشرعوا في تسويق المؤتمر داخليا، والسعي لشرعنته دولياً من خلال مهرجان تمت دعوة بعض السفراء له.
يجب عدم الالتفات أو الانخداع بالعبارات الخادعة والمنمقة التي قد تخدع الكثيرين (فهي كجبنة الفئران)، لكن المهم هو الهدف النهائي من المؤامرة، وهو اختطاف فكرة المؤتمر الجامع وتوظيفه للإخوان والمقاتلة، وإحلال رئاسي المقاتلة محل مجلس النواب والدولة، واستمرار حكومة الدبيبات، وتشكيل سلطة بمعرفتهم، وإجراء انتخابات تحت سيطرتهم وإصدار دستور يجسد عقيدتهم، وفي الطريق لهذا الهدف النهائي النيل من القوات المسلحة، ولقد سمعنا الشعارات المعادية لها في السرادق.
الشعب الليبي مسيس وواع، يمكن أن يخدع أو يغرر به مرة، ولكن سرعان ما يستفيق ويكتشف الحقيقة، الليبيون اكتشفوا خديعة مؤتمر غدامس، ووصلوا إلى من يقف وراءه ومن يموله ومن هو قائم على تنظيمه، وما الأغراض من عقده، ولهذا أصدروا حكمهم بإعدامه قبل أن يولد. والليبيون لن يعدموا الوسيلة لإعدامه. والأجدى بالمغرر بهم أن يستفيقوا قبل الفوات، لأنهم يراهنون على الحصان الخاسر.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب