الرئيسيةرأي

محمد الشاذلي يكتب.. العودة إلى قناة جونجلي

 الكاتب صحفي وأديب مصري.. خاص بمنصة «العرب 2030» الرقمية 

محمد الشاذلي هناك اتفاق عام بين خبراء المياه والقانون في مصر حول أهمية إتمام مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان لتزويد مصر ببعض المليارات من الأمتار المكعبة من المياه سنويا وبما يساهم مع اجراءات أخري في زيادة ايرادات مصر من المياة.

وبالتالي تنشأ ضرورة معرفة خلاصة رأي الحكومة المصرية في الوقت الراهن حول المشروع لإيضاح قناعاتها به من عدمه, ومن ثم إمكانية تحريك السياسات لإعادة العمل في مشروع القناة. وأضع في الاعتبار التكلفة العالية للمشروع بعد أن كانت في حدود المائة مليون جنيها مصريا في بدايته عام 1979 تقسم مناصفة بين مصر والسودان.

ولأن جنوب السودان هي التي أوقفت المشروع بعد أن كاد يكتمل, على خلفية الحرب الأهلية مع الشمال, فإنها من تستطيع إعادة الحياة إلى الماكينات التي تحفر, وبوسعها أن تقدم الدعم اللوجسيتي إلى الشركات العاملة في المشروع, على قاعدة الفائدة المشتركة.

وقد لفت خبراء كثر إلى ضرورة حشد القناعات بجدوي المشروع, وإمكانية إستكماله, لينتقل ملف قناة جونجلي من الأدراج إلى سطح المكتب, مما يحرك الدفع المصري إلى التنفيذ المدروس. وهنا سوف نكتشف بوضوح أن العودة إلى مشروع قناة جونجلي يؤكد أهمية الحوار مع دول المياة الوفيرة في حوض النيل وعقد اتفاقيات قانونية ملزمة معها. ونعرف ان علاقات مصر مع السودان جيدة ولا يمكن مقارنتها ولا نتوقع منها الاقتراب مما كانت عليه في زمن البشير, كما أن العلاقات مع جمهورية جنوب السودان جيدة أيضا..

لكن إلى أي حد..

فجنوب السودان دولة وليدة وهي تحتاج كل الدعم من جارتيها في الشمال, وخصوصا من مصر. هي تريد مساعدات في مختلف المجالات وخصوصا في الصحة والتعليم والطرق ومعونات فنية في الزراعة والري, وتقديم هذا الدعم من شأنه مساعدة مسئولي ملف قناة جونجلي وغيرها من مشروعات المياه التي يمكن أن تفيد مصر من خلال التعاون مع جنوب السودان.

والاتفاق حول جدوي مشروع قناة جونجلي ليس فقط بين العلماء ولكن أيضا بين السياسيين المخضرمين مثل وزير الخارجية الأسبق عمرو موسي الذي دعا قبل أشهر السلطات المصرية إلى استكماله والاستفادة من كمية المياه المهدرة حاليا في منطقة السدود والمستنقعات في الجنوب.

الأمر ليس سهلا.. وليس مقايضة مباشرة.. إنما شرح واف للمشروع من وإلى جميع الأطراف. وخصوصا التفهم الكامل من قادة جوبا أنه من صالح بلدهم لانه يساعد في تحسين الزراعة والري والطرق وفي التنمية وتقدم الشعب.. لأن المشروع عبارة عن تجفيف مستنقعات وتتظيف مجري وأفرع المياه التي تذهب منقوصة في النهاية إلى النيل الأبيض. ويعرف قادة الجنوب ذلك, لأنه من التفاصيل المدهشة حول المشروع أن رسالة الدكتوراة لزعيم الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان جون قرنج كانت عن قناة جونجلي وأثرها على التنمية الزراعية في جنوب السودان, آثارها الاجتماعية والاقتصادية, حيث أكد أهميتها للشمال والجنوب في السودان. بينما التفت خبراء ري إنجليز كانوا يعملون لحساب وزارة الري المصرية أهمية القناة بدءا من العام 1930, وعملوا دراسات جدوي حولها, أكدت أهميتها لمصر والسودان.

وكان العمل في القناة بدأ مطلع الثمانينات تأسيسا على اتفاقية التكامل الاقتصادي بين البلدين والموقعة سنة 1979وعند توقف الحفر بسبب الحرب الاهلية كان قادة الجنوب يدركون أهمية الحفاظ على الحفارة العملاقة التي انجزت 260 كم ولم يتبق سوي 100 كم فقط. كان ذلك أثناء الحفر والحرب, ولا أعرف مصير الحفارة الآن لأنها لم تخضع لأي عملية صيانة منذ سنوات منتصف الثمانينات.

وهذا المشروع إذا أنجزناه فإنه يخفف ولو قليلا من الأثر الضار المتوقع من سد النهضة حال اكتماله. بينما يفتح الباب أمام مشروعات مائية أخري مع دولة جنوب السودان لتحقيق نفس الهدف, حيث يتمتع الجنوب بمياه وفيرة وأمطار شديدة أغلبها يذهب سدى. وتعبر جنوب السودان روافد تغذي في النهاية النيل الأبيض, منها بحر الجبل الذي ينبع من أوغندا ونهر السوباط الذي ينبع من إثيوبيا، وأنهار وبحيرات عدة تغذيها الأمطار الشديدة على الجنوب.

وجونجلي هي منطقة السدود الممتدة من تلك المدينة إلى ملتقى نهري السوباط والنيل الأبيض وتنص اتفاقية مياه النيل (1959م) بين مصر والسودان في الفقرة (1) من الباب الثالث على قيام مصر والسودان بإنشاء مشروعات لاستغلال المياه الضائعة في حوض النيل بهدف “زيادة إيراد النهر بمنع الضائع من مياه حوض النيل في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض”. ويتم اقتسام المياه والتكاليف باستثناء إذا ما أرادت مصر بمفردها البدء في تلك المشروعات, فإنها تخطر السودان وتنفذها على نفقتها الخاصة, في حال عدم حاجة السودان وقتها لمياة إضافية. وفي الفقرة (2) نص يقول: وبعد أن يتهيأ السودان لاستغلال نصيبه من هذه المياة الإضافية يرد لمصر نسبة من جملة التكاليف تتفق مع النسبة التي يحصل عليها “على أن لا تتجاوز حصة أي من البلدين نصف الفائدة الكاملة للمشروع”.

لا يوجد نهر واحد في العالم العربي من دون مشاركة مع دول جوار غير عربية ما يجعل البحث في التعاون أهم وأجدي من الصراع والإستعداد للحروب, وربما كان هذا هو الدافع الرئيسي لتوقيع مصر إعلان المبادئ مع كل من السودان وأثيوبيا قبل أكثر من ست سنوات, إلا أن الرسالة فهمت على سبيل الخطأ. وليس معنى ذلك التخلي عن التعاون مع أثيوبيا أو غيرها من أجل ضمان وتعظيم إيرادات مصر من الماء العذب. فمع آبي أحمد أو غيره سيكون من قدر مصر التعاون مع أي حاكم في أديس أبابا.

اقرأ أيضا: نهر الكونغو .. أين المعضلة؟

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى