محمد أرسلان علي يكتب.. نوروز انبعاث معنى الحياة في الطبيعة والأم
الكاتب باحث وسياسي كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية
يوم جديد، بهذا المعنى يحيي الكرد وشعوب المنطقة احتفالهم بهذا اليوم ليأكدوا أن معنى الحياة فقط متواري بالارتباط مع الطبيعة والغناء معها والرقص بين أحضانها. يوم جديد يبدأه الانسان ليترك وراءه كل حقد وضغينة وحقد وكراهية، ليجدد معاني الحياة التي لا تسمو إلا بالمحبة والتضحية والاحترام والابتسامة التي تمنح البهجة في القلوب. يوم جديد يودع فيها الانسان الشتاء الذي يجبر الانسان على السكون والتقوقع على الذات والبرد القارص والرياح الهوجاء، ليبدأ يومه مع نسائم المداعبة لوجنتي الانسان ولحفيف الأشجار التي تعزف موسيقاها لتؤذن بقدوم الربيع وتفتح الزهور والبراعم، إيذاناً منها لبدء دورة حياة جديدة من الولادة والعطاء والإنتاج الاثمار. يوم جديد يتساوى فيه النهار مع الليل ليعطي لوحة جميلة بأن الحياة ستبقى لها معنى حينما يتساوى الجميع فيها من دون طغيان طرف على آخر.
يوم كل لحظة فيها جديدة تمنح إرادة الانبعاث من تحت الرماد لطير الققنوس الآري والعنقاء السامي كي تحلق في سماء الحرية وتبعث الحياة من جديد. ملاحم تلاحق هذه الطيور من قبل شعوب المنطقة لترفعه عالياً ليكون رمزاً لإله الشمس الزرادشتي، الذي يشرق كل يوم ليمنح الحياة للطبيعة وكل من يدب فيها. ملاحم وأساطير لليوم الجديد الذي كان رمزاً لليوم الذي تخلصت منه الشعوب من الملوك الطغاة والعراة الذين استكبروا على شعوبهم وألهوا أنفسهم وتحولوا لمستبدين وأن الخلود بات من نصيبهم، إلى أن جاء كاوا الحداد (استياغ)، وحطم الصنم الذي جعل نفسه من الخالدين. وكانت النار هي إشارة النصر في القضاء على المتكبرين والظالمين الذين يعتاشون من كدّ وعرق شعوبهم، ومذ ذاك اليوم وباتت النار رمزاً للحرية والحياة الجديدة و (نوروز)، والتي تتقاطع ومسيرة سيدنا إبراهيم في تحطيم الأصنام ليعلن عن انتهاء عصر عبودية الانسان لأصنام لا حول لها ولا قوة.
نوروز هو رسالة البدايات الجديدة التي تبدأ مع محبة الطبيعة الأم المانحة لمعاني الحياة والمرتبطة بشكل وثيق بإرادة وإصرار الانسان، ونوروز هو الأمل الذي يمد الانسان بالعزيمة على مواصلة المقاومة في صعاب الحياة التي تواجهه من كل الجهات، إنه احتفال بالثقافات والصداقات النابضة بالحياة لمجتمعاتنا وشعوبنا التي كانت ولا زالت متشبثة بتراثها وتاريخها في بعث الحياة من جديد وعدم الاستكانة للخنوع والخضوع.
نوروز هو الطبيعة وهو الأم التي لا تعرف المستحيل من أجل اصباغ الحياة بلونها الجميل في التضحية والفداء والعطاء. فمنذ فترة تحطيم واستعباد المرأة التي هي الأم، كانت عجلة التاريخ تسير في الاتجاه المعاكس للحياة، وعليه توقفت المجتمعات عن العطاء والابتكار لأخلاقيات الحضارة و (ماءاتها) التي فقدتها إنانا حينما سرقها آنكي.
“المقاومة حياة” شعار اختصره مظلوم دوغان وجسدته زكية آلكان ورفاقهم ممن ساروا على دربهم، كان ولا زال الخطوة التي أعادة لنوروز رونقه في عدم قبول الاستسلام وحياة العبودية، التي كانت دائما ما ترغب به الأنظمة المستبدة في المنطقة. هم من حطموا الملوك الأصنام الذين أرادوا أن يجعلوا من أنفسهم مخلدين، إلا أن مقاومتهم حطمت هذه الأصنام وحولتهم لملوك عُراة مفضوحين بين مجتمعاتهم وشعوبهم. حينها فقط يمكن إدراك معنى نوروز والطبيعة والأم، ليكون عيداً تجتمع فيه كل أدوات الإنتاج والعطاء والكرامة والحرية.
إنها إرادة المقاومة حياة التي أرادها الكرد أن تكون ثقافة عامة لشعوب المنطقة كافة في النهوض والسير على درب بناء المجتمع والانسان الحر الواعي لذاته والآخر. إنه نوروز قرار الحرية للقائد أوجلان الذي أعطى معناً لنوروز ليكون شعلة متقدة تنير درب كل المناضلين والباحثين عن حريتهم وكرامتهم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب