محمد أرسلان علي يكتب.. أوكرانيا ضحية صراع الدب الروسي مع الحمار الامريكي
الكاتب سياسي وباحث كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية
تنافس وصراع قوى الهيمنة على بسط نفوذها ظهر جلياً في الفترة الأخيرة في حلبات الصراع الممتدة على جغرافية منطقة الشرق الأوسط، ولينتقل هذا التنافس لمكان آخر وهو أوكرانيا، وليبقى الهدف هو السيطرة الأحادية على المشرق المتوسطي من قبل أحد أطراف التنافس والذي ربما يتحول لصراع وتناحر من أجل البحث عن موطئ قدم لها في هذه الجغرافيا. صراع أخذ أشكال عديدة خلال العقد الأخير من تفاهمات واجتماعات، إلا أن كل ذلك لم يخفِ جوهر التنافس بينهما رغم كافة المحاولات التي قاموا بها. وهذا ما كان واضحاً بشكل جلي في ميدان الصراع العلني في سوريا بشكل خاص والعراق وليبيا والمتوسط إن كان بشكل غير مباشر.
تتطور الأحداث في أوكرانيا لتأخذ أبعاداً خطيرة في استخدام الأسلحة المتطورة والفتاكة وربما النووية التي حذّر منها المسؤولون في روسيا. لكن ما يظهر في الاعلام الموالي لكل طرف واتهام الآخر على قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وغيرها من الأمور التي يندى لها جبين الإنسانية. كل ذلك رغم أن الآلة الإعلامية لطرفي الصراع تقوم بعملها الذي يشيطن الطرف الآخر وتتهمه بارتكاب جرائم حرب في المدن، وهو الأمر المعلوم في مثل هذه المعارك والحروب في أهمية الاعلام في تغليب طرف على طرف آخر. إلا أنه يبقى في النهاية أن المجتمعات والشعوب تبقى هي الضحية الأولى والأخيرة لأية حروب تُقام لأي سبب كان.
أوكرانيا التي أرادت أن تصطف إلى جانب أمريكا وأوروبا والغرب بشكل عام، إن كان ذلك بتحريض من القوى الغربية بشكل مباشر أو غير مباشر، يبقى هذا الموقف هو ما عقّد الأزمة ما بين روسيا وأمريكا أكثر بكثير لو أن أوكرانيا كانت قد انتهجت الخط الثالث نهجاً لها ولم تصطف لأي من طرفي الصراع هذا.
أساس الصراع ما بين روسيا وأمريكا بكل تأكيد ليس له أية علاقة بالشعوب والمجتمعات بقدر ما هو صراع قوى الرأسمالية مع بعضها البعض، وإن كانت شعارات كِلا الطرفين تتمحور حول الديمقراطية وحقوق الانسان وبناء المجتمع ورفاهية الانسان، إلا أنها الليبرالية التي تتقن جيداً أساليب الرياء وخداع المجتمعات بمثل هذه المصطلحات الرنانة والتي تدغدغ بها عواطف الشعوب. لذلك نرى أن كِلا الطرفين يستخدم الخطاب الشعبوي في تمرير أجنداته لخداع الرأي العام إن كان في أوكرانيا أو روسيا أو أوروبا وأمريكا. لنرى انقسام المجتمع والشعوب لطرف يدعم روسيا نكاية بأمريكا وما تمثله من استعمار وما فعلته في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول. بينما الطرف الآخر يساند أمريكا وأوروبا نكاية في روسيا أيضاً لما فعلته في نفس الدول الآنفة الذكر.
إلى الآن لم تستوعب الشعوب اللعبة التي تقوم بها قوى الهيمنة في نشر وفرض الثنائيات القاتلة في ميادين الصراع التي هي نفسها تغذي الأطراف المتحاربة وتقدم لها الأسلحة وكافة أشكال الدعم، لاستمرار القتل والتدمير والتهجير. وإذا كان الميدان السوري أفضل الأمثلة على دور كلاً من روسيا وأمريكا في تدمير المدن، فلربما لن يختلف الأمر في العراق أو ليبيا أو اليمن وحتى أرمينيا التي كانت ضحية للصراع ما بين روسيا وأمريكا. ثنائيات قاتلة يتم زرعها بين الشعوب لتستمر في قتل بعضها البعض وتحفر قبرها بأيديها وبذلك يتم القضاء على المجتمعات، لتقوم قوى الهيمنة في نهاية المطاف على توزيع المكتسبات فيما بينها.
اللعبة هي نفسها ولا يتغير الجوهر وليبقى من يقتلون بعضهم البعض متأهبين دائماً على تنفيذ ما يُطلب منهم تنفيذاً لأجندات قوى الهيمنة. كانت ثنائية (سني – شيعي) في العراق و (معارضة – نظام) في سوريا و (حوثيين – التحالف) في اليمن و (أذربيجان – ارمينيا) في ارمينيا و (حفتر – السراج) في ليبيا، هي هذه الثنائيات الشعبوية التي قضت على الوطن من أجل الوصول للسلطة والاستحواذ على المال، وليذهب المجتمع والشعب للجحيم. ولا زالت الآلة الإعلامية تلعب دورها في ضخ المعلومات المشوهة والمغلوطة لتصنيف وتقسيم الشعوب ضمن ثنائية (أوكرانيا – روسيا) على نفس شاكلة الثنائيات القاتلة الأخرى المنتشرة على ربوع منطقتنا الواسعة.
الخط الثالث الذي لا يصطف مع هذا الطرف أو ذاك ولا يدعم هذا على حساب الآخر، ربما يكون الطريق الأفضل لتجنب الخسارة الأكيدة في حال الاصطفاف في أي من الطرفين. وهذا ما كان واضحاً بشكل كبير في كيف أن المعارضة في سوريا تم تحويلهم إلى بيادق مأجورة يتم زجهم في حروب عبثية لا ناقة لهم فيها ولا جمل إن كان في ليبيا وأرمينيا، لتتسرب بعض المعلومات الآن في أن تركيا أرسلت البعض منهم إلى أوكرانيا لمحاربة روسيا التي دمرت سوريا حسب توصيفهم.
لهذا في حروب الآخرين يبقى عدم التدخل هو القرار السليم رغم كل المحاذير والمخاطر. لأنه يبقى صراع ما بين قوى التي تعتبر نفسها آلهة من حقها السيطرة على العالم كله. وأن هذا الصراع ما هو إلا استمرارية لصراع الآلهة القديمة منذ جلجامش وحتى يومنا هذا من أجل الخلود وإبقاء سلطة العرش بيدها هي فقط. ومن يدخل داعماً أو مؤازراً لهذا الطرف أو ذاك في مثل هكذا صراعات، بكل تأكيد ستصيبه لعنة الآلهة الآخرين ولربما هو من سيتمزق بين أقدام الآلهة بحدِ ذاتها. السيء بالأمر هو أنه كانت الآلهة قديمة جميلة المنظر وتمتلك عناصر القوة جميعها بيدها، على عكس الذين يعتبرون أنفسهم آلهة في وقتنا الحاضر.
الدب الروسي وحمار الديمقراطيين الأمريكي والصراع بينهما بغياب فيل الجمهوريين، ما هو إلا صراع من أجل السلطة على العالم وليس من أجل دعم الشعوب والمجتمعات المستضعفة بكل تأكيد. فدعم أمريكا لأوكرانيا ليس من أجل تقويتها وتطويرها، بقدر ما هو لتمريغ أنف روسيا في الغاز الأوكراني. ولهذا ربما تكون أوكرانيا ضحية وكبش فداء من أجل صراع الدب الروسي مع الحمار الأمريكي. وربما تمتد نيران هذه الحرب إلى الدول المجاورة لأوكرانيا حينها لا يمكن لأحد السيطرة على غرور الدب إذا تيقن أنه سيخسر هذه الحرب والنفوذ والاعتبار، وربما يقوده هذا للتمسك بقشة النووي علّه ينقذه من حالة السقوط تلك. ولن تقف الصين وكوريا وإيران واليابان متفرجين فقط على ما يحدث من صراع ما بين روسيا وأمريكا وأوروبا، لربما تدخلت هذه الدول واصطفت كلاً منها في الجبهة الراغبة بها، لنعيش على أزيز الرصاص وفحيح النووي للحرب العالمية الثالثة، إن لم يظهر هناك العقلاء والحكماء لتهدئة نفوس قوى الهيمنة العالمية التي لا يهمها سوى الربح والنصر.
ضمن هذه المعمعة ومستنقع الجحيم الذي نعيشه تبقى الأمة العربية ومنطقة المشرق المتوسطي تعيش في عالم آخر ليس لها أية علاقة بما يحدث حولها، لأنها بالأساس لا تمتلك أي مشروع بديل عمّا يتم طرحه من قبل القوى المتصارعة بالأساس. لربما تم إعادة سيناريو القرن الماضي ولنكون فقط شهود زور على تقسيم المنطقة ثانية ولنصفق لهذا الطرف أو ذاك على حساب مجتمعاتنا وشعوبنا التي تعاني الفقر والجوع أصلاً ولا يهمها من سينتصر في هذه الحرب. فـ “لا ناقة لنا ولا جمل فيها”، نمنّي أنفسنا بهذه الكلمات لنتهرب من حقيقتنا المرة لعدم اعترافنا بأننا شعوب وأنظمة مغلوب على أمرها، تنفذ ما يُطلب منها فقط مع هامش من المبادرة لا يتعدى الخطوط المرسومة لها.
فلم يكن لنا علاقة بالحرب في سوريا وليبيا لنتركهما لتركيا تعيث فيها فساداً، وكذلك العراق واليمن تركناهما لإيران لتنشر الفوضى فيهما، أما لبنان فهو للجميع ما عدا العرب. كافة المنظمات والمؤسسات الدولية تجتمع وتقرر ماذا ستقرر من أجل هذه الدول، إلا الجامعة العربية التي رفعت شعار (في صراع الدب مع الحمار، فلأكن نعامة). ربما كان هذا ما نؤمن به على أنه القضاء والقدر والذي لا يمكن أن نغيره ومكتوب على جبيننا، مع العلم أن الله تعالى قال لنا في كتابه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ (الرعد:11). فهل تحثنا الأزمة الأوكرانية على تغيير ما بأنفسنا ونعمل على رسم مستقبلنا بأيدينا بدلاً من أن يبنيه الآخرون ونعيش قرناً آخر تحت رحمة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثالثة التي لربما نحن على أبوابها.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب