الرئيسيةدراساتسياسية

د. مصطفى عيد يكتب.. ماذا لو فازت ” كامالا هاريس”؟

بعد أن حسمت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس، والاعلان عن مرشحها لمنصب نائب الرئيس. تشير بعض التقديرات)حتى اللحظة( ان كفة نائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس. هي الأكثر ترجيحا للفوز بالرئاسة في انتخابات نوفمبر 2024. وذلك إذا لم تحدث أمورا اقل ترجيحا وأكثر تأثيرا في الانتخابات الامريكية مثل تغير المزاج الانتخابي نتيجة تعرض الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب لمحاولات اغتيال متتالية مما يكسبه تعاطف أكثر. او ان يكون للمجمع الانتخابي (538) رأيا اخر في ترجيح كفة ترامب على هاريس، كما حدث مع ترامب ضد هيلاري، او بوش ضد ال جور.. وان هناك أمران من شأنهما أن يصبا في مصلحة هاريس. الأول هو أن البيانات الاقتصادية قد أظهرت تحسنا، مع انخفاض التضخم وارتفاع الأرباح الحقيقية. والثاني هو أنه في حين كان بايدن سيبلغ من العمر 82 عامًا تقريبًا بحلول الانتخابات، فإن هاريس لن يتجاوز عمرها 60 عامًا بحلول ذلك الوقت، في حين يبلغ عمر ترامب 78 عامًا.

الجيوش الذكية والميتافيرس

لذا فإن التقسيم العمري الذي كان غير مواتٍ لبايدن سيكون مناسبا لهاريس. كما تشير المؤشرات الى ان معظم أصوات الأقليات والنساء واليهود والشباب، الى انها تؤيد انتخاب هاريس كرئيس قادم للولايات المتحدة الامريكية وهو ما قد يجعلها تستمر في إدارة البيت الأبيض لثمان سنوات قادمة من 2025 وحتى 2033. ويأتي الوضع المعيشي والأمور الداخلية على رأس اهتمامات وأولويات الناخب الأمريكي، بحيث يتعدى اهتمامات الناخب الأمريكي بالقضايا الخارجية. وهي أيضا ما تؤثر على الناخب الأمريكي اليهودي والذي يولي أهمية للشئون الداخلية على القضايا الخارجية وهو ما تؤكده وتعكسه البيانات والأرقام للانتخابات الامريكية خلال المائة العام الماضية. كما ان المناظرات بين المرشحين تكون ذو تأثير بسيط لا يتعدى نسبة الثلاث او الأربع بالمائة من جملة المؤثرات على الناخب الأمريكي. وحيث ان مجيء المرشح ترامب، كرئيس للولايات المتحدة لن يكون جديدا على الساحة لمعرفة سياساته وادواته في التعامل مع الصين وروسيا وإيران والشرق الأوسط. الا ان مجيء هاريس يحتاج الى اعداد سيناريو “ماذا لو”، لمعرفة مدى تأثيرها وادارتها للقضايا المختلفة، وهو ما نستعرضه في السطور التالية.

هاريس والقضايا الداخلية

​ تعتمد هاريس في حملتها الانتخابية على توجيه رسائلها الى جيل زد من الشباب كما انها تولي أهمية بقضايا المناخ والذكاء الاصطناعي والعمل على تقليل حدة التمييز العنصري خاصة تجاه الامريكان من أصل اسيوي.

وفي حال فوز هاريس بالانتخابات، فقد تتفاعل الأسواق في البداية بحذر بسبب الزيادات المحتملة في ضرائب الشركات وفرض بعض اللوائح الأكثر صرامة. ومع ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن الأسواق قد ترحب بالاستقرار الذي سيوفره فوز هاريس، مقارنة بدونالد ترامب، بسبب ان الأخير يصعب التنبؤ بتحركاته. كما انه من المحتمل وفق التحليلات المعلنة أن تعمل إدارة هاريس على تعزيز آفاق قطاعات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا. حيث يعطي الديمقراطيون الأولوية عادةً لمبادرات الطاقة الخضراء، وبما يتيح للشركات المتخصصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المستدامة أن تحقق عوائد كبيرة.

ومن المنتظر ان يشهد قطاع الرعاية الصحية تحسنا تحت رئاسة هاريس. لان غالبًا ما يركز الديمقراطيون على إصلاحات الرعاية الصحية، والتي قد تخلق فرصًا للشركات في هذا المجال. مع التركيز الذي كانت إدارة بايدن تتبناه على الإنفاق على البنية التحتية. وقد تشهد الشركات العاملة في مجال البناء والهندسة والمواد زيادة في الطلب إذا تم إعطاء الأولوية لمشاريع البنية التحتية الفيدرالية. مع الاستمرار في دعم البحوث والتنفيذ في مجالات الشرائح الالكترونية وتكنولوجيا الأسلحة الأكثر تقدما.

 

اما عن القطاعات التي قد تتعرض لضغوط، فقد تواجه شركات النفط والغاز رياحًا معاكسة في ظل إدارة هاريس، حيث يفضل الديمقراطيون عادةً تقليل استخدام الوقود الأحفوري وزيادة القيود التنظيمية على هذه الصناعات. وقد تواجه بعض المؤسسات المصرفية والمالية الأخرى تدقيقًا تنظيميًا متزايدًا في ظل إدارة ديمقراطية، مما قد يؤثر على ارباحها.

 

هاريس والقضايا الخارجية

دخلت هاريس البيت الأبيض بخبرة ضئيلة في السياسة الخارجية. وبصفتها نائبة للرئيس، تعلمت واكتسبت من خلال العمل خبرات في الشئون الداخلية والخارجية، وخاصة من خلال رحلاتها إلى أكثر من 20 دولة واجتماعاتها مع أكثر من 150 من زعماء العالم. ويبدو أن نظرة هاريس للسياسة الخارجية تتوافق مع نهج بايدن الدولي، وإن كانت تمتلك نزعات وميول أكثر تقدمية من نظرة بايدن في بعض المجالات. فلقد التقت هاريس – خلال عملها كنائب رئيس- بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ست مرات. وحلت محل بايدن في ثلاث مؤتمرات أمنية سنوية في ميونيخ

وبحسب التقارير، ساعدت هاريس أيضًا في التفاوض على صفقة تبادل الأسرى التاريخية بين الولايات المتحدة وروسيا خلال اجتماع مغلق مع المستشار الألماني أولاف شولتز في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام. ومؤخرًا، ردت هاريس على ادعاء ترامب بأنه سيسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، ووصفته بأنه “أعظم تحالف عسكري عرفه العالم على الإطلاق”.

وتنظر هاريس، إلى المؤسسات والمعايير العالمية التي تقودها الولايات المتحدة بعد الحرب باعتبارها أعظم إنجاز للسياسة الخارجية للبلاد، وحذرت من الدعوات إلى الولايات المتحدة للتراجع عن التزاماتها على الساحة العالمية. وهو ما يعني ان الاعتماد على النظام الدولي المعتمد على القواعد والذي اسسته الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية ودعم الأمم المتحدة ومنظمة التجارة والمؤسسات المالية الدولية ودعم حلف الناتو، سيعد من اساسيات إدارة هاريس حال فوزها (وهو النظام الذي سيشهد تصدعات حال فوز ترامب).

وفيما يتعلق بالصين، فان هاريس ستعمل على تجنب خلق بؤر صراع ساخنة مع الصين حتى لا تضر بالاقتصاد الأمريكي وتعزيز العمل من خلال التعاون التنافسي وليس القائم على العداء التنافسي او التنافس العدائي. فلقد كرست هاريس وقتًا للعلاقات الأمريكية في جنوب شرق آسيا. وقد حلت محل بايدن في العديد من القمم الإقليمية بما في ذلك قمة شرق آسيا وقمة الولايات المتحدة وآسيان في عام 2023. كما حلت هاريس محل بايدن في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) لعام 2022، حيث التقت لفترة وجيزة بالرئيس الصيني شي جين بينج. كما أنها قدمت في نفس الرحلة عرضًا واضحًا للغاية لالتزام الولايات المتحدة بالفلبين وسط توتراتها المتزايدة مع الصين. وقالت هاريس، وهي تتوقف في جزيرة بالوان، إن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب حليفتها لدعم “النظام البحري الدولي القائم على القواعد في بحر الصين الجنوبي”.  والذي كان بمثابة إعلان بالغ الأهمية نظرًا لأن البلدين لديهما اتفاق للدفاع عن بعضهما البعض إذا تعرضا للهجوم.

فيما يتعلق بتايوان، فقد أكدت، أن الولايات المتحدة “ستواصل دعم دفاع تايوان عن نفسها، بما يتفق مع سياستنا الراسخة”. من غير المرجح أن تكون عرضة لأخطاء بايدن بشأن تايوان كرئيسة للولايات المتحدة الامريكية، ولكن ليس من المحتمل ان تعترف باستقلال تايوان والاعتراف بها كدولة ولكن الاستمرار في العمل تحت سياسة صين واحدة.

 

هاريس والسياسات التجارية

من المحتمل ان تشهد سياسات هاريس في مجال السياسات التجارية بعض الاختلاف عن بايدن. فلقد سبق وأعربت عن تشككها في التجارة الحرة منذ ترشحها لمجلس الشيوخ في عام 2016. وخلال ذلك السباق، عارضت الشراكة عبر المحيط الهادئ – وهو ما كان يعد إنجاز بارز لإدارة أوباما وبايدن آنذاك.

ونفت هاريس أنها كانت “ديمقراطية حمائية” خلال حملتها الرئاسية لعام 2020. ومع ذلك، قالت إنها لم تكن لتصوت لصالح اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وشعرت أن الشراكة عبر المحيط الهادئ فشلت في حماية العمال الأميركيين أو المعايير البيئية بشكل كاف. وهي بذلك تعمل على نفس نسق ترامب فيما يتعلق بالشراكة عبر المحيط الهادئ. رغم انها لن تسعى الى خلق مثل هذا النهج مع الصين. وهو أيضا ما قد يمنحها أصوات الناخبين المتضررين من فتح الأسواق. لان مستقبل الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ مازال يمثل موضع شك، بسبب مخاوف الديمقراطيين من أنه قد يضر بالعمال الأميركيين – وهو ما يعكس انتقادات هاريس لاتفاقيات تجارية أخرى والتي تظهر عدم تردد تجاه هذه القضية وذلك على عكس إدارة بايدن التي كانت تبدي بعض التردد.

وفيما يتعلق بالحرب على غزة، فلقد وُصِفَت هاريس بأنها تتبنى نهجًا “أكثر تعاطفًا” مع حرب إسرائيل في غزة. حيث كانت هاريس واحدة من أوائل الأصوات البارزة في الإدارة التي دعت إلى وقف إطلاق النار المؤقت الفوري في مارس 2024. وقد وصفت حصيلة القتلى المدنيين في غزة بأنها “كارثة إنسانية”. كما ورد أنها حثت بايدن سراً على اتخاذ موقف أقوى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعالجة الأزمة الإنسانية في غزة. اما حال فوزها بالرئاسة، فقد تُظهر هاريس استعدادًا أكبر من سلفها لانتقاد نتنياهو علنًا. فقد وصف بايدن نفسه بأنه صهيوني ودافع عن إسرائيل بشكل أكثر حدة مما كان الديمقراطيون التقدميون يرغبون فيه. بعد لقاء نتنياهو في واشنطن في أواخر يوليو 2024، قالت هاريس: “لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نكون مخدرين تجاه المعاناة ولن أصمت”. وهذا لا يعني انها ضد إسرائيل، او انها ستخسر بذلك أصوات ودعم اللوبي اليهودي. فهي متزوجة من يهودي. ولكن يمكن النظر للأمر على انها تخشى على إسرائيل من نفسها على نفسها وتريد حمايتها من تصرفات نتنياهو واليمين المتطرف والذي كلف إسرائيل رفع قضايا ضدها في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وانقلب معظم الرأي العام ضدها واندلعت تظاهرات بالجامعات الامريكية مما ولد حرجا لسياسات الولايات المتحدة الامريكية والتي تزعم فيها الدفاع عن حقوق الانسان ودعم حق المصير والدفاع عن القانون الدولي. ورغم ان هاريس تتخذ هذا الموقف من حرب غزة، الا انه ليس من المتوقع ان يخرج عن نطاقه الإنساني وعدم النظر الى الصراع في اطاره الشمولي ودعم إقامة الدولة الفلسطينية استنادا على قرارات الشرعية الدولية وقبول فلسطين كدولة عضو كامل بالأمم المتحدة وهو ما لن تفعله هاريس حال فوزها.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى