«كيف تؤثر الحرب الاستخباراتية والجوية المتبادلة بين إيران وإسرائيل “سريعاََ” على إفريقيا؟»

إعداد – رامي زُهدي (خبير الشؤون الإفريقية – مركز العرب للبحوث والدراسات)
في زمن يتقاطع فيه البُعد الجغرافي مع الانكشاف الاستراتيجي، لم تعد القارة الإفريقية بمعزل عن الصراعات الكبرى التي تنفجر بين الشرق والغرب، أو بين القوى الإقليمية الطامحة والمتمركزة. ومع تسارع التوترات وتبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، وانتقالها من ساحات الظل إلى ميادين المواجهة العلنية، أصبحت إفريقيا واحدة من أكثر المناطق حساسية وتعرضًا للارتدادات الجيوسياسية والعسكرية لهذه المواجهة.

منذ بدء العمليات العسكرية المتبادلة بين اسرائيل وايران منذ اول ضوء لفجر يوم الجمعة 13 يونيو، وبينما تترنح المنطقة من عبء الأزمات، تتشكل على أطراف القارة الجنوبية والشرقية والغربية تأثيرات زاحفة، تتخذ أشكالًا مختلفة: من التهديدات الأمنية، إلى الهشاشة الاقتصادية، إلى التوظيف الاستخباراتي، وصولًا إلى إعادة صياغة التموضع الدبلوماسي للدول الإفريقية.
اقرأ أيضا: هيمنة حرب الاستخبارات والحرب السيبرانية على الصراع النووي بين أمريكا وإيران وإسرائيل
“سيناريو التصعيد المباشر – يونيو 2025”
في يومي 13 و14 يونيو 2025 وحتي وقت كتابة هذا المقاب دخلت الأزمة الإيرانية – الإسرائيلية مرحلة تصعيد غير مسبوقة، حيث قامت اسرائيل بهجمات قوية جوية مؤثرة وسلسلة اغتيالات لقادة وعلماء في ايران، بينما شنت طهران هجومًا بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية استهدف منشآت حيوية في إسرائيل، ردًا على ما وصفته باغتيالات طالت شخصيات أمنية واستخباراتية إيرانية، ثم إسرائيل بدورها ردت بإستكمال هجوم جوي واسع طال مواقع عسكرية حساسة في أصفهان وطهران والأهواز.
وعلى الفور، سوف تبدأ انعكاسات هذا التصعيد بالظهور في القارة الإفريقية، سواء من خلال توقع ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري بنسبة تجاوزت 21% خلال 24 ساعة فقط في الممرات الإفريقية الحساسة (خليج عدن، البحر الأحمر)، وتوقع زيادة عمليات تهريب السلاح عبر ليبيا والساحل الإفريقي، بدعم غير مباشر من أطراف مرتبطة بالملف الإيراني أو الإسرائيلي.
ثم حالة استنفار أمني في مصر ودول القرن الإفريقي تحسبًا لأي تصعيد على جبهات البحر الأحمر أو قناة السويس، وتزايد التوترات الطائفية في مناطق مختلطة مثل نيجيريا وتنزانيا والسنغال بسبب الاستقطاب الإقليمي والمذهبي.
“انعكاس الحرب في التمدد الاستخباراتي… القارة كمسرح خفي”
قبل هذا التصعيد العلني، كانت إفريقيا ولسنوات تشكل مسرحًا لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل:
أوغندا، كينيا، وإثيوبيا شهدت محاولات لاغتيال أو استهداف مصالح إسرائيلية.
نيجيريا وتنزانيا تم رصد خلايا تابعة لحزب الله أو الحرس الثوري، بحسب تقارير استخبارات غربية.
في المقابل، فإن جهاز الموساد الإسرائيلي كثّف من حضوره في القرن الإفريقي وغرب إفريقيا، لمراقبة الأنشطة الإيرانية.
وقد كشفت تسريبات صحفية مؤخرًا أن خلايا إيرانية حاولت استخدام جوازات سفر إفريقية لتنفيذ عمليات في الخليج وأوروبا. كما يُعتقد أن بعض دول الساحل الإفريقي باتت تشكل ممرات آمنة لعمليات تسليح أو تمويه لوجيستي، في ظل ضعف السيطرة المركزية واتساع نطاق الجماعات المسلحة.
“انعكاسات اقتصادية متصاعدة مرجحة ومتوقعة الحدوث”
تمتلك إفريقيا اقتصادًا هشًا يتأثر بسرعة بأي اضطرابات إقليمية أو دولية. ومع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وبالتالي وفورا سوف نشهد بالفعل، ارتفاعًا فوريًا في أسعار النفط بتخطى حاجز 94 دولارًا للبرميل بعد ضربات يونيو 2025.
وكذلك تراجعًا في حركة الشحن عبر قناة السويس التي تمر عبرها تجارة شرق القارة إلى أوروبا، ما ينعكس سلبًا على دول مثل السودان، إثيوبيا، وكينيا.
وأيضا تقلبات في أسعار الغذاء والقمح نتيجة اضطراب خطوط النقل وارتفاع تكاليف التأمين، وربما يتوقع أن الدول الإفريقية المستوردة للطاقة (مثل السنغال، زامبيا، وتنزانيا) قد تواجه عجزًا إضافيًا بنسبة 1.5% من ناتجها المحلي إذا استمر التصعيد.
“التحولات السياسية والاصطفاف الدبلوماسي”
مع انقسام المواقف العالمية حيال النزاع الإيراني الإسرائيلي، سوف تجد العواصم الإفريقية نفسها مطالبة باتخاذ مواقف متزنة، دون خسارة الدعم من أي من الطرفين. إلا أن التحديات تتزايد في ظل:
وجود دول ترتبط بعلاقات وثيقة بإسرائيل مثل إثيوبيا، كينيا، وتشاد.
في المقابل، تحتفظ دول أخرى بعلاقات متقدمة مع إيران مثل الجزائر ونيجيريا، وتستورد منها موادًا بترولية أو تكنولوجيات دفاعية.
وقد يؤدي استمرار التصعيد إلى:
تراجع بعض دول الساحل والصحراء عن علاقاتها الجديدة مع إسرائيل تحت ضغط مجتمعي أو مذهبي، وزيادة الاستقطاب داخل المنظمات الإقليمية الإفريقية، وتوظيف هذه الأزمات في التنافس الداخلي (كما يحدث أحيانًا داخل الاتحاد الإفريقي في أزمات مشابهة).
“الشق الأمني والعسكري.. بؤر التوتر عرضة للاشتعال”
تواجه إفريقيا تحديات أمنية داخلية مزمنة (إرهاب، ميليشيات، نزاعات حدودية)، إلا أن تدخل القوى الخارجية يجعل هذه البؤر أكثر قابلية للاشتعال، ولكن بحدوث المواجهة الأخيرة بين ايران اسرائيل قد يحدث ان الصومال والساحل الإفريقي تشهد تمددًا لخلايا متطرفة تستلهم المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية لتبرير عملياتها.، وبالنسبة لليبيا وجنوب السودان، حيث تضعف الدولة، قد تتحول إلى منصات لوجستية أو معابر تهريب لأطراف الحرب.
أما البحر الأحمر فسوف يصبح بات أكثر توترًا، حيث تقترب المصالح الإسرائيلية من المصالح الإيرانية في خط تماس خطير.
“مصر.. التحديات تتزايد والفرص كذلك”
تقف مصر في قلب هذه المعادلة، وتُعدّ من أكثر الدول تأثرًا بالتصعيد:
قناة السويس هي الشريان الحيوي للتجارة بين آسيا وأوروبا، وأي تهديد لها يؤثر على الاقتصاد المصري مباشرة.
سيناء والحدود الجنوبية تتطلب رقابة أمنية واستخباراتية مشددة خشية انتقال عناصر إرهابية أو خلايا نائمة.
الوجود العسكري المصري في البحر الأحمر (مثل قاعدة برنيس) بات عنصرًا أساسيًا لضمان الردع والاستقرار.
لكن في الوقت ذاته، تُمثل هذه التحديات فرصة لمصر لتعزيز:
دورها كضامن للاستقرار في شرق إفريقيا والبحر الأحمر.
وساطتها الدبلوماسية بين الأطراف في إطار السعي لتجنيب المنطقة حربًا إقليمية كبرى.
إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي المصري ليشمل العمق الإفريقي بشكل أوضح.
ختامًا “هل إفريقيا جاهزة لتصبح ميدانًا؟”
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل إفريقيا مجرد متأثرة بصراعات الآخرين؟ أم أنها تتحول تدريجيًا إلى جزء من رقعة الشطرنج الكبرى؟
إن الحرب بين إيران وإسرائيل مهما بدت بعيدة، سوف تترك بصماتها سريعا جدا وبشكل آني على حاضر ومستقبل القارة الإفريقية. والأخطر أن هذه التأثيرات لا تكون صاخبة، بل هادئة، زاحفة، ولكن عميقة.
وعليه، فإن الواجب يحتم على العواصم الإفريقية ومعها القاهرة أن تتعامل مع هذا النزاع كعنصر دائم في المعادلة الجيوستراتيجية، لا كمجرد تطور عابر. فالقارة التي يسكنها أكثر من 1.4 مليار نسمة، وتملك موارد غير محدودة، يجب ألا تكون ساحة لتصفية الحسابات… بل فاعلًا في معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب