الرئيسيةدراساتسياسية

د. مصطفى عيد إبراهيم.. كونسرتيوم إيراني سعودي اماراتي إلى أين؟

طرحت إيران اليوم الموافق الرابع عشر من شهر مايو لعام 2025 فكرة تشكيل اتحاد دول شرق أوسطية – يضم إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – لتخصيب اليورانيوم[i]، في محاولة للتغلب على اعتراضات الولايات المتحدة على استمرار برنامجها للتخصيب. ويُنظر إلى هذا الاقتراح كوسيلة لإجبار دول الخليج على دعم موقف إيران الداعي إلى السماح لها بالاحتفاظ بقدراتها على التخصيب.

الموقف الايراني

تنظر طهران إلى الاقتراح على أنه تنازل من جانبها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، إذ سيمنح الدول المجاورة إمكانية الوصول إلى معرفتها التكنولوجية ويجعلها طرفًا فاعلًا في هذه العملية. والواقع انه ليس من الواضح ما إذا كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد قدم الاقتراح خلال محادثات قصيرة استمرت ثلاث ساعات مع الولايات المتحدة في عُمان يوم الأحد الماضي، وهي الجولة الرابعة من هذه المحادثات، ولكن يُقال إن الاقتراح متداول في طهران الان.

ويذكر ان وزير الخارجية الايراني “عراقجي” قد سافر إلى دولة الامارات العربية المتحدة حيث تحدث إلى وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. ولم يتم تداول اية اخبار عما إذا كانت إيران قد طرحت فكرة الكونسرتيوم على الامارات (التي لا تُخصب اليورانيوم حاليًا لبرنامجها النووي.) ام لا، خلال الزيارة؟ وسيُقام الكونسورتيوم على المنشآت الإيرانية، مع إعادة التخصيب إلى مستويات 3.67% المحددة في الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015 بين طهران والقوى العالمية الست، والذي أنهاه دونالد ترامب من جانب واحد عام 2018. حيث تطالب الولايات المتحدة إيران بإنهاء التخصيب وتفكيك جميع منشآتها النووية. لكن في ظل الانقسامات في واشنطن، لم يتخذ ترامب قرارًا نهائيًا بشأن هذه القضية، وأشاد بجدية إيران في المحادثات.

ولقد تم طرح فكرة الكونسورتيوم لأول مرة من قِبل المفاوض النووي الإيراني السابق سيد حسين موسويان والفيزيائي من جامعة برينستون فرانك فون هيبل قبل محادثات طهران وواشنطن الحالية بوقت طويل، في مقال نُشر على نطاق واسع في أكتوبر 2023 في نشرة علماء الذرة. بموجب الكونسورتيوم، ستكون السعودية والإمارات مساهمتين وممولتين، وستتمكنان من الوصول إلى التكنولوجيا الإيرانية. يمكن اعتبار مشاركة دول الخليج ضمانًا إضافيًا بأن برنامج إيران النووي مُخصص للأغراض المدنية البحتة، وليس الطريق لبناء قنبلة نووية، كما تزعم إسرائيل. وإذا سُمح للسعودية والإمارات العربية المتحدة بإرسال مهندسين إلى إيران، فسيُصبح من الممكن زيادة وضوح البرنامج، مما يُقلل من اعتماد المجتمع الدولي على عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعين للأمم المتحدة فقط.

ولقد ابتعدت إيران تدريجيًا عن مستويات التخصيب وحدود المخزون المنصوص عليها في الاتفاق الأصلي لعام 2015، مُلقيةً باللوم على ترامب في انسحابه من الاتفاق النووي. وصرح نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي: “لفترة محدودة، يُمكننا قبول سلسلة من القيود على مستوى وحجم التخصيب”.

علما ان الولايات المتحدة قد أعطت في البداية انطباعًا بأنها بحاجة إلى اتفاق مع إيران في غضون شهرين من بدء المحادثات، ولكن مع ازدياد تعقيد الجوانب الفنية لأي اتفاق، من المُحتمل أن يُسمح للمحادثات بأن تستمر طوال الصيف.

وتُخصب إيران حاليًا اليورانيوم إلى درجة نقاء 60%، وهي نسبة أعلى بكثير من الحد الأقصى البالغ 3.67% المنصوص عليه في اتفاق عام 2015، وهي خطوة تقنية قصيرة من نسبة 90% اللازمة لإنتاج مواد صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة. وصرح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بأن مستويات تخصيب اليورانيوم هذه أعلى بكثير من اللازم للاستخدامات المدنية.

على صعيد اخر، صرح مصدر سياسي رفيع المستوى في طهران، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، لموقع أمواج ميديا ​​قائلاً: “الفكرة جيدة، ويمكن لإيران دراستها، طالما أنها لا تُغني عن تخصيب اليورانيوم الإيراني”. كما قال مصدر سياسي إيراني مخضرم، متحدثاً دون الإفصاح عن هويته، “قد تكون هذه إحدى الطرق القليلة للخروج من المأزق الحالي”.

وأوضحت مصادر إيرانية مطلعة أن الترتيبات التي نوقشت مع إدارة دونالد ترامب لن تتضمن إشرافاً مشتركاً على مواقع التخصيب الإيرانية الحالية المدفونة في أعماق الأرض في فوردو ونطنز. بل تتمثل الفكرة في بناء منشأة جديدة واحدة على الأقل بإشراف مشترك. ولم يتسن لموقع أمواج ميديا ​​التحقق بشكل مستقل من الموقع (المواقع) المقترح، ولكن هناك تكهنات بأن القرب الجغرافي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يُعد خياراً محتملاً، مثل جزيرة خليجية.[ii]

موقف الخليج

وفيما قد يكون إشارة إلى الاقتراح الإيراني، أشار وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، إلى “أفكار مفيدة ومبتكرة تعكس رغبة مشتركة في التوصل إلى اتفاق مشرف”. في حين لم يصدر تعليق من أي من مسؤولي دول الخليج الأخرى حتى حينه.

وتدير الإمارات العربية المتحدة محطة براكة للطاقة النووية المدنية، الواقعة غرب أبوظبي. وهي أول محطة للطاقة النووية في العالم العربي تعمل بكامل طاقتها، حيث تعمل جميع مفاعلاتها الأربعة الآن، ومن المتوقع أن تكون قادرة على إنتاج ربع احتياجات الإمارات من الكهرباء.

كما تطمح السعودية الى بناء برنامجها النووي بصفتها أكبر مُصدّر للنفط في العالم، وفي حين قد لا تبدو المملكة العربية السعودية مرشحةً واضحةً للطاقة النووية، لكنها تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون وتوفير النفط الخام للتصدير في إطار الخطة الاقتصادية لرؤية 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا السياق، صرحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية العام الماضي بأن 68% من الكهرباء في السعودية تُولّد بحرق الغاز و32% بحرق النفط، مع استخدام 1.4 مليون برميل يوميًا من النفط الخام لتوليد الطاقة خلال شهر يونيو الذي يشهد ذروة الاستهلاك. لذلك يمكن للطاقة الذرية أن تحل محل بعض هذه الاستخدامات، بما في ذلك تحلية المياه وتكييف الهواء اللذين يستهلكان كميات كبيرة من الطاقة، مما يسمح للمملكة بجني المزيد من الأرباح من مبيعات النفط.

ومع ذلك، صرّحت المملكة العربية السعودية أيضًا بأنه إذا طوّرت إيران، سلاحًا نوويًا، فسيتعين عليها أن تحذو حذوها – وهو تصريحٌ يهدف على ما يبدو إلى تكثيف الضغط على طهران، ولكنه أثار أيضًا مخاوف بشأن طموحاتها.[iii]

في يناير الماضي، أعلنت السعودية أنها ستخصب اليورانيوم – وهي عملية يمكن استخدامها أيضًا كجزء من برنامج عسكري – لإنتاج وقود “الكعكة الصفراء” لتوليد الطاقة النووية الذي يمكنها بيعه. لذلك من المرجح أن يتناول أي اتفاق مع واشنطن ضمانات لتهدئة المخاوف بشأن الطموحات العسكرية، بالإضافة إلى التزام المملكة العربية السعودية الحالي بعدم السعي إلى امتلاك قنبلة نووية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.

موقف الولايات المتحدة

بموجب المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954، يجوز للولايات المتحدة التفاوض على اتفاقيات للانخراط في تعاون نووي مدني كبير مع دول أخرى. وتحدد المادة التاسعة من قانون الطاقة الذرية الامريكي معايير لمنع الانتشار يجب على هذه الدول استيفاؤها لمنعها من استخدام التكنولوجيا لتطوير أسلحة نووية أو نقل مواد حساسة إلى دول أخرى. كما ينص القانون الأمريكي على مراجعة الكونجرس لمثل هذه الاتفاقيات.

في حال فشل المحادثات الأمريكية السعودية، أبدت عدة دول ذات صناعات نووية راسخة اهتمامها، أو يُنظر إليها كشركاء محتملين، للبرنامج النووي السعودي. حيث ورد أن شركة الصين الوطنية النووية (CNNC) المملوكة للدولة قدمت عرضًا في عام 2023 لبناء محطة نووية. كما وقّعت شركة روساتوم النووية الحكومية الروسية، التي بنت محطة نووية في مصر، اتفاقيات تعاون أولية مع الرياض. ومن بين المنافسين المحتملين الآخرين كوريا الجنوبية، التي بنت مفاعلات في الإمارات العربية المتحدة المجاورة، وفرنسا.

تخصيب اليورانيوم

تتمثل إحدى القضايا الرئيسية فيما إذا كانت واشنطن ستوافق على بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، ومتى قد تفعل ذلك، وما إذا كان سيُتاح للموظفين السعوديين الوصول إليها أم ستُدار حصريًا من قِبل موظفين أمريكيين ضمن ترتيب “الصندوق الأسود”. ومن غير وجود ضمانات صارمة مُضمنة في أي اتفاق، يُمكن للمملكة العربية السعودية، التي تمتلك احتياطيات من خام اليورانيوم على أراضيها، نظريًا استخدام منشأة تخصيب لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب، والذي يُمكن، إذا نُقي بما يكفي، أن يُنتج مواد انشطارية تُستخدم في صنع القنابل. وهناك مسألة أخرى تتعلق بمدى موافقة الرياض على استثمار سعودي في محطة تخصيب يورانيوم مقرها الولايات المتحدة ومملوكة لها، وعلى التعاقد مع شركات أمريكية لبناء مفاعلات نووية سعودية.

ثم تأتي المبادرة الإيرانية لتركي حجرا في اليم ولتضع الولايات المتحدة والمملكة والعربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة في مكاشفة جديدة بطرحها العمل المشترك في مجال تخصيب اليورانيوم بغية الحفاظ على الحد الأدنى من المعرفة الفنية التي توصلت اليها إيران ومن خلال مشاركة خليجية وهو ما كانت تنادي به دول الخليج في ضرورة اشراكها في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني ولم تجد اذنا صاغية من الشركاء الاستراتيجيين للخليج في حين تقوم إيران الان بطرح هذه المبادرة من تلقاء نفسها.

السيناريوهات المحتملة

الأول: ان تقبل الولايات المتحدة الامريكية المبادرة الإيرانية ومن ثم المملكة والامارات والنظر للمبادرة الإيرانية على انها فرصة لبناء الثقة بين الدول المتنافسة وفرصة لمراقبة تخصيب اليورانيوم بإشراف امريكي والوكالة الدولية والحيلولة دون التوصل الى انتاج السلاح النووي والبناء على ذلك لتأسيس نظام إقليمي أمنى جديد ولكن يتوقف هذا السيناريو على كبح كوابح مثل الموقف الإسرائيلي من المبادرة وأيضا حجم الثقة التي يمكن ان يمنحها النظام الإيراني في تنفيذ المبادرة وبما يطمئن المملكة والامارات.

الثاني: الا يلقى الاقتراح الإيراني اذنا صاغية من أيا من الدول المدعوة للمشاركة وبما يوضح ان الطرح الإيراني ليس الا من قبيل استهلاك الوقت وإظهار دور البريء امام المجتمع الدولي وان إيران حريصة على طمأنة جيرانها وربما لبث شقاق في الإدارة الأمريكي ذاتها او بين الولايات المتحدة وحلفائها. خاصة في ضوء الموقف الصعب الذي تمر به إيران بعد تقليم اظافرها في لبنان وسوريا.

الثالث: ان يتم عمل استدارة استراتيجية كاملة في العلاقات الإيرانية الخليجية و الإيرانية الإسرائيلية وبما يسمح بإعادة تشكيل النظام الأمني الإقليمي كلية وفي ضوء تقارب سوريا ولبنان مع إسرائيل وتقدم دور المملكة والامارات وتقلص دور ايران وبما يسمح بإعادة رسم الخريطة الاستراتيجية مرة أخرى وعبر مشاركة تركية وفيها يتم إعادة توزيع الأدوار الأمنية والسياسية والاقتصادية وانطلاقا من قدرة أنظمة هذه الدول على إعادة بث الثقة المتبادلة والبحث عن المساحات المشتركة وربما التهديدات المشتركة والتي ستقدم ايران من خلالها تنازلات مبدية انها ليست في وقعة التهديدات لتلك الدول.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

[i] – https://www.theguardian.com/world/2025/may/13/iran-proposes-partnership-with-uae-and-saudi-arabia-to-enrich-uranium

[ii] – https://amwaj.media/en/article/can-a-regional-nuclear-consortium-bridge-iran-us-divide

[iii] – https://www.reuters.com/world/why-does-saudi-arabia-want-civil-nuclear-deal-with-us-2025-05-08/

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى