دراساتسياسية

“غزو الكويت وسقوط العراق: التداعيات الأمنية على الخليج ورؤية تحليلية للواقع الشرق أوسطي”

إعداد:  الباحث / مصعب حسن العدوي

مقدمة:

لا تزال الأمة العربية تعاني من الأزمة العميقة التي بدأت منذ غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، وللتحدث عن الخليج بعد حرب الخليج الثانية ومستقبل الأنظمة السياسية في المنطقة، يتضح أن غزو العراق للكويت قد أظهر أن جميع دول الخليج العربية مستهدفة وغير آمنة، مما يجعلها تعيش في حالة من القلق وعدم الاستقرار. لا تزال هذه الدول تحكم بأسلوب تقليدي، حيث تتركز السلطة في يد النخبة السياسية التي تنتمي جميعها إلى أسر حاكمة في كل دولة. باستثناء عُمان والبحرين، تتمتع الأنظمة الأخرى بموارد طبيعية ومالية كبيرة. ورغم أن الكويت سقطت لفترة قصيرة تحت السيطرة العراقية، فإن معظم الأنظمة الحاكمة في هذه الدول تمكنت من استخدام تلك الموارد الضخمة لمواجهة التحديات السياسية التي قد تطرأ على مجتمعاتها، كما حدث في العراق عام 1958، أو في اليمن الجنوبي عام 1967، أو في إيران بين عامي 1978 و1979.[1]

غزو الكويت وسقوط العراق

حيث أشار رونالد دانروثر[2]  إلى أن الحرب العراقية – الإيرانية كانت مقدمة مباشرة لأزمة الكويت، حيث شن صدام هجومه على إيران في سبتمبر 1980 كعملية وقائية ناتجة عن مخاوفه من انتشار الثورة إلى الجنوب العراقي، و لا شك أن هذه الحرب عززت من قبضة صدام على العراق، حيث بدأ العراق يدافع عن أراضيه ضد الهجمات الإيرانية المتكررة، و كما ساهمت الحرب في تعزيز مكانة بغداد على الساحة العربية، وأكدت على فكرة دفاع العراق عن الدول العربية من خطر “الجحافل المجوسية”، و من جهة أخرى تقبل المجتمع الدولي والغرب النظام العراقي، معتبرين أن الخطر الراديكالي الرئيسي لا يأتي من بغداد بل من طهران، و يتضح ذلك من دفاع إدارة الرئيس بوش عن العراق قبل الأزمة، رغم انتقادات الكونغرس، وذلك بالإضافة إلى ازدهار العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين بغداد وعدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، وكما ساهمت تكنولوجيا الأسلحة المتفوقة التي اقتناها العراق في حرمان إيران من الانتصار، مما عزز لدى صدام قناعة بأن غزو الكويت كان أمراً حتميا.

اقرأ أيضا: السعودية في أسبوع.. ولي العهد يستعرض العلاقات الثنائية مع الرئيس التونسي واتفاقية تعاون عسكري مع العراق

وسوف نتناول البحث في ضوء النقاط الأتية:

  1. العراق يوجه هجماته نحو الكويت.
  2. دور واشنطن وحلفائها في إدارة حرب الخليج الثانية.
  3. أخطر النتائج التي أسفرت عنها حرب الخليج الثانية.
  4. أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 المدبرة وما تلاها من مؤامرات علي الخليج والعراق خاصه.
  5. ذرائع واشنطن وحلفائها لتبرير غزو العراق.
  6. نتائج غزو واشطن وحلفائها على العراق.
  7. معاناة النظام العراقي مع سلطات الاحتلال بعد 22/5/2003.
  8. الانتقادات التي واجهت النظام السياسي العراقي منذ 2003 حتي الان.

 

أولا: العراق يوجه هجماته نحو الكويت.

     سعى العراق بجد واجتهاد، ولم يترك وسيلة إلا واتبعتها لتحقيق هدفه في الحصول على منفذ بحري على الخليج العربي، حتى لو كان ذلك على حساب الكويت فكان العراق مستعدًا للتنازل عن أجزاء كبيرة من أراضيه في مناطق أخرى كتعويض للكويت، وقد أعلنت الحكومة العراقية في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي في برقية أرسلت إلى المندوب السامي البريطاني[3] علي أنها ستبذل جهدها لإقناع الشيخ أحمد الجابر بالتخلي عن جزيرتي وربة وبوبيان مقابل تعويضها ببعض الأراضي داخل العراق وهذا الاقتراح يعد دليلاً قاطعًا على عدم امتلاك العراق لأي حقوق في تلك الجزر أو في الأراضي الكويتية .[4]  كما كتب وزير الخارجية العراقي في ذلك الوقت، السيد توفيق السويدي، في رسالة أخرى إلى كتب وزير الخارجية البريطاني في رسالته أن جزيرتي وربة وبوبيان تتبعان الكويت، وأنه إذا تنازلت الكويت للعراق عن هاتين الجزيرتين، فإن مجرى قناة خور عبد الله سيكون بالكامل تحت سيطرة العراق، مما يضمن له ميناءً آمناً وصالحاً فلذا، حاول العراق مراراً استغلال الظروف الداخلية في الكويت، مثل أحداث المجلس التشريعي الأول في يوليو 1938 وظروف حله، وما رافق ذلك من أحداث،وكما كثف العراق حملاته الإعلامية ضد نظام الحكم في الكويت من خلال نشر المقالات في الصحف العراقية وعبر إذاعة قصر الزهور، مستغلاً السخط على النظام الحاكم والروح القومية التي انتشرت بين بعض الفئات في الكويت للمطالبة بالوحدة. بينما كان الهدف الأساسي للعراق هو السيطرة على الكويت واستغلال ثرواتها، خاصة بعد اكتشاف النفط في حقل برقان عام 1938.[5]

وسوف نوضح اهم الأسباب الداخلية والخارجية لغزو العراق للكويت كالاتي:

  1. اهم الاسباب الداخلية لغزو العراق للكويت كالاتي:
  • الأزمات الداخلية التي واجهتها العراق بعد انتهاء الحرب مع إيران، ومع فشل القيادة العراقية في التعامل مع الظروف الصعبة التي أعقبت الحرب.
  • عودة الكويت إلى سياسة عدم الانحياز التقليدية، فتفاقمت الأزمة مع الكويت مما أغضب النظام البعثي حيث تربى قادة هذا النظام على تقديس القوة الغاشمة، وهو ما تجلى في استخدام القوة المسلحة كوسيلة لحل جميع المشكلات الداخلية والخارجية، وأصبح تقديس القوة العسكرية جزءاً أساسياً من الأيديولوجية الخاصة بالجيل الثاني من قادة البعث، وعلى رأسهم الرئيس صدام حسين.[6]
  • بدأ العراق في تصعيد حملته الشرسة ضد الكويت، و زادت حدة الأوضاع في صيف عام 1990حيث اعتبر صدام حسين أن الكويت والإمارات تتلاعبان بأسعار النفط وتُهددان مصير العراق،وادعى أن الكويت تسرق النفط من حقل الرميلة المشترك مع العراق فبدأت حالة الغليان تتصاعد في العراق، وكان صدام يتابع ردود الفعل الأمريكية على تهديداته للكويت، حيث كان لديه رغبة قوية في معرفة المزاج الأمريكي. وقد شعر بسعادة كبيرة عندما استمع إلى تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارغريت تاتويلر، التي قالت: “ليس للولايات المتحدة معاهدات دفاعية مع الكويت، وليست هناك أي التزامات دفاعية أو أمنية خاصة تجاه الكويت”.كان هذا التصريح بمثابة دعوة أمريكية لصدام حسين لدخول الكويت، ولم يصدق صدام ما سمعه، فطلب من وزارة الخارجية العراقية استدعاء السفير الأمريكي في بغداد لتأكيد هذه المعلومات وبالفعل تم تحديد موعد على وجه السرعة فعُقدت المقابلة في 25 أبريل 1990، أي قبل أسبوع من الغزو العراقي الغاشم وأكدت السفيرة أبريل غلاسبي لصدام حسين قائلة: “رأينا هو أن عليكم انتهاز الفرصة لإعادة بلادكم… وليس لنا رأي في الصراعات العربية مثل خلافكم الحدودي مع الكويت”. وأضافت أن “علمونا في المدارس الحرية أو الموت”، مما أسعد الرئيس العراقي، خاصةً العبارة الأخيرة التي قالتها السفيرة كما أبدت السفيرة إعجابها الشديد بشخص صدام حسين، وفي 31 يوليو 1990 أي قبل الغزو بيومين صرح جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، قائلاً: “لا توجد معاهدة تلزم الولايات المتحدة الأمريكية بحماية الكويت أو استخدام القوة العسكرية”[7]

2.اهم الاسباب الخارجية لغزو العراق للكويت كالاتي:

  • كشفت العديد من المصادر أن سيناريو حرب الخليج تم إعداده منذ عام 1989، أي قبل غزو العراق للكويت، حيث انكب فريق الرئيس بوش وأقرب مستشاريه على دراسة إمكانية القيام بعملية عسكرية في الخليج تمهيداً للتدخل في العراق، و في هذا السياق تم تقديم تقرير رسمي للكونغرس الأمريكي في 20 يناير 1990 بعنوان “توجهات سياسة الدفاع” (Defence Policy Guidelines)، والذي أشار إلى أن الخطر القادم من الاتحاد السوفيتي لم يعد يمثل الأولوية، وأنه في طريقه للاختفاء، وبالتالي كان من الضروري إعادة توجيه القوة العسكرية ووسائل التدخل العسكري إلى اتجاهات ومناطق جديدة، خارج الإطار الجغرافي التقليدي المنصوص عليه في ميثاق الأطلسي ، وفي فبراير من نفس العام وافق وزير الدفاع الأمريكي ديك تشيني على وثيقة تطلب من القوات المسلحة التركيز على القوى الإقليمية الصاعدة في العالم الثالث، وكان الجنرال “كولن بأول” والجنرال “نورمان شوارتزكوف” على دراية بهذه الخطة التي تضمنت حشد 100,000 جندي أمريكي، وفي أكتوبر 1990، قام الجنرال باول والجنرال شوارتزكوف بمراجعة الخطة الموضوعة، بينما اتخذ الرئيس الأمريكي قراره بزيادة عدد القوات الأمريكية في الخليج، رغم نفيه أنه يعد الولايات المتحدة للحرب في المنطقة.[8]
  • ولا ينبغي أن نتجاهل التصريح الشهير لوزير الخارجية الأمريكي دين آتشيسون عام 1950، خلال توتر الأوضاع بين الكوريتين، عندما قال: “كوريا الجنوبية ليست في مجال الدفاع الأمريكي”. اعتبر بعض الساسة أن هذا التصريح كان الشرارة الأولى للغزو الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية، مما أدى إلى اندلاع الحرب لمدة ثلاث سنوات،وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن تصريح آتشيسون مع تصريح كيلي، رغم اختلاف الزمن، إلا أن الأحداث تتشابه، مما يعكس السياسة الأمريكية المبنية على الخبث والمصالح فقط، دون اعتبار لأي جوانب أخرى. وقد دفع هذا العديد من المفكرين العرب، مثل المفكر والسياسي اللبناني كريم بقرادوني، إلى القول: “إن احتلال الكويت كان فخًا أمريكيًا نصبه جورج بوش بعد انتخابه عام 1988، ووقع فيه الرئيس العراقي”.[9]
  • فشل برنامج بوش الاقتصادي وعدم قدرته على الوفاء بالوعود التي قطعها للناخبين خلال حملته الانتخابية ساهم في تسريع التدخل العسكري في الخارج بشكل عام، وفي الخليج بشكل خاص. وقد أدى ذلك إلى انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتهاء الحرب الباردة وزيادة العجز في الميزانية دفعا الكونغرس إلى المطالبة بخفض ميزانيتي الدفاع.[10]
  • كان الاتجاه الأمريكي يهدف إلى تدمير العراق وتقسيمه، وذلك لتحسين الظروف السياسية والأمنية الأمريكية في المنطقة، حيث لم يكن من الممكن تحقيق ذلك مع بقاء صدام ونظامه في السلطة، خاصة بعد عام 1982.[11]
  • كانت هناك حاجة ملحة لدى الإدارة الأمريكية للتحكم بشكل مباشر في تأمين إمدادات نفطية طويلة الأمد من العراق بأسعار منخفضة، دون أي ارتفاع مقارنة بالسعر العالمي في ذلك الوقت. كما كانت إدارة بوش عازمة على الاستمرار في الاستفادة من احتياطات الشرق الأوسط ذات التكلفة المنخفضة، بدلاً من قبول فكرة الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات تسمح بتطوير مصادر الطاقة الضخمة في الولايات المتحدة، مثل النفط والغاز. وبدلاً من تقليل الاعتماد على النفط المستورد كمصدر للطاقة، كان الهدف هو تنويع مصادر الإمدادات على المستوى العالمي. في هذا السياق، تختلف سياسة بوش الأب النفطية عن برامج الطاقة التي اعتمدتها إدارتا نيكسون وكارتر.[12]

منذ غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990 جعلت ضخامة جريمة صدام من السهل على المجتمع الدولي قبول الدور القيادي الأمريكي والغربي في مواجهة التحدي العراقي، و من جهة أخرى كانت الولايات المتحدة تستغل هذه الفرص لتأكيد زعامتها العسكرية والسياسية على الساحة العالمية، مع التركيز على قيادتها للشؤون العالمية في ظل المعطيات الجديدة التي نتجت عن انهيار الاتحاد السوفيتي وتخليه عن مكانته كقوة عظمى ثانية بسبب مشكلاته الاقتصادية والقومية. وقد كانت أزمة الخليج مناسبة لتأكيد نظام أحادي القطب مع إدراك أن واشنطن هي القوة الوحيدة القادرة على التصدي لهذا العدوان مع أهمية الموقف السوفيتي ودور كل من تركيا وسوريا ومصر في نجاح هذا التصدي.[13]

 

ثانيا: دور واشنطن وحلفائها في إدارة حرب الخليج الثانية:

تولت واشنطن استدعاء القوى الدولية إلى المنطقة، حيث قامت إدارة بوش بإقناع السعودية بضرورة هذا التواجد، ولم يتحقق ذلك إلا بعد زيارة وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد تشيني للرياض في 6 أغسطس 1990 ونجاح التحالف في استهداف خطوط الاتصال العراقية. ويشير إلى أن نجاح الحملة الجوية عزز من التأييد الداخلي للرئيس بوش، حيث أدرك الناخب الأمريكي إمكانية تحقيق انتصار في هذه المواجهة مع خسائر قليلة في الأرواح، مما أجبر القوات العراقية على الانسحاب من الكويت.[14]

 

ثالثا: أخطر النتائج التي أسفرت عنها حرب الخليج الثانية

  1. تعميق الفجوة بين العالم العربي والغرب وعلى الرغم من محاولات الدعاية والإعلام الغربي تبرير الحرب بالقانون الدولي والنظام العالمي الجديد وسيادة القانون، إلا أن المواطن العربي لم يتردد في رؤية الحرب كعملية لتصفية الحسابات مع القوة العربية لمصلحة إسرائيل، ودعم النخب الخليجية التي تعتمد على النفط كعماد لسلطتها ونفوذها وعلاوة على ذلك.[15]
  2. تعزيز تفوق إسرائيل النوعي في ميزان القوى الناتج عن الحرب، بفضل قدراتها الصاروخية والنووية، وتجريد العراق من أي قدرات نووية أو عسكرية صاروخية تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة، ورغم أن إسرائيل خضعت لمطالب التحالف المعادي للعراق بعدم التدخل في الحرب، إلا أنها حصلت على ثمن باهظ مقابل ذلك، حيث تم تزويدها بمعونات مالية وقدرات صاروخية جديدة، بالإضافة إلى مخزون كبير من الأسلحة الأمريكية وكما استفادت إسرائيل من انهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، مما أتاح لها استقبال مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من هذه البلدان وإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية معها.[16]
  3. تصميم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بشكل خاص، على تقليص القوة العسكرية العراقية أو ضرب مشروع القوة العربية، كان يهدف إلى الحفاظ على التوازن بين العرب وإسرائيل، كما كان قبل انتهاء حرب الخليج الأولى، أي تفوق إسرائيل على القوة العربية مجتمعة. وهناك دلائل عديدة ومتنوعة على ذلك قبل الحرب، وقبل غزو العراق للكويت، وأثناء الحرب،فلم يكن لضرب بغداد والمنشآت العسكرية والمدنية العراقية، بما في ذلك الجسور وأنظمة الاتصال ومحطات الكهرباء والمياه، من هدف سوى تدمير ثمار عقود من التنمية والتحديث. ومنذ ذلك الحين، يعاني العالم العربي أكثر من غيره من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، وضعف عملية الإنعاش المؤسسي اللازمة لنشوء نظام عالمي من جهة أخرى،وبسبب النصيب الكبير للعالم العربي من عوامل الفوضى في العلاقات الإقليمية، وبعد أزمة الخليج، لا شك أن النظام العربي بمؤسساته المتآكلة والضعيفة، وخاصة في إطار الأزمة، سارع إلى التكيف مع متطلبات الدور المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة. وقد شهدت هذه المنطقة، دون غيرها، حركية أمريكية عالية، سواء بالتدخل العسكري المباشر أو بالمبادرات الدبلوماسية. ومن المتوقع أن تظل المنطقة تحت الرقابة المباشرة للولايات المتحدة لفترة طويلة قادمة، وأن تسعى واشنطن لمقاومة نشاط القوى الدولية الأخرى عندما تتعارض مع مصالحها في المنطقة.[17]
  4. لقد رصد العديد من المراقبين والمحللين تجاوز التحالف للهدف المعلن من قبل الأمم المتحدة، حيث استمر الهجوم حتى بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، وحتى خلال عملية الانسحاب نفسها في طريق البصرة. ولم يكن لاستمرار الهجوم أي معنى سوى التدمير المنظم للقوات العراقية،و كذلك بعد انتهاء الحرب استمر الحصار التجاري والاقتصادي وتدمير أسلحة العراق، مما يدخل في هذا الإطار. وما ساعد الولايات المتحدة على ذلك هو وجود فراغ مؤسسي إقليمي نتيجة لاحتمالات اضمحلال النظام العربي والصعوبات المتعلقة بعملية إحيائه وأما فيما يتعلق باضمحلال النظام العربي، فيعود ذلك إلى العجز عن معالجة المعضلات التي تواجه هذا النظام، وأبرزها: المعضلة الهيكلية الخاصة بطبيعة العلاقات العربية – العربية في إطارها المؤسسي منذ بداية النظام العربي، بالإضافة إلى المعضلة الناتجة عن التداعيات المباشرة لأزمة الخليج وتواجه منطقة الخليج العربي تحديات متعددة الأوجه والأنماط، وهي نتاج العديد من التطورات الدولية والإقليمية والداخلية. ولعل الضغوط الدولية التي تعرضت لها المنطقة في الماضي كانت في أغلبها ناتجة عن المخزون الوفير الذي تمتلكه من مصادر الطاقة، والأهمية الاقتصادية المتميزة التي تحظى بها، والموقع الاستراتيجي الذي تحتله.[18]

ولا شك أن الغزو العراقي للكويت يعد من أكثر القرارات الحمقاء خطورة في التاريخ العربي الحديث، حيث مثلت النتائج الإنسانية والتداعيات السياسية لهذا الغزو تجربة كابوسيه كاملة، لا تقارن آلامها في الوجدان العربي سوى بآلام وأوضاع خسارة فلسطين عام 1948. ولا شك أيضاً أن المسؤولية المباشرة عن هذا الغزو تقع بالكامل على قيادة النظام العراقي.[19]

ومع ذلك، فإن المنطقة تشعر بوقع أعمق للتطورات العالمية على مختلف الأصعدة. فعلى الصعيد الاقتصادي، تواجه الدول الخليجية آثار العولمة والتحول نحو نظم اقتصادية قائمة على المعرفة. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أدت هذه التطورات الجديدة إلى تحولات بالغة الأهمية، أثرت في تغيير التقاليد والأعراف الثقافية.[20]

 

رابعا: أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 المدبرة وما تلاها من مؤامرات علي الخليج والعراق خاصه:

لا تزال الأضواء مسلطة على منطقة الشرق الأوسط منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي أعقبتها بسرعة حملة عالمية على الإرهاب وعمليات عسكرية في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. إن الإدراك الأمريكي للتدخل في العراق لم يكن وليد اللحظة، بل كان هناك وعي بهذا الأمر منذ عقود، حيث سبق للرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور أن قال في عام 1942: “إن استقرار العراق يعني استقرار المنطقة”.[21]

غير أن أولويات الصراع بين القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك، حالت دون هذا التدخل، ويبدو أن العراق كان مهيئاً للاحتلال منذ عام 1990 عندما غزت القوات العراقية الكويت، لكن الأولويات اختلفت هذه المرة، حيث حال التحسس الإقليمي والعربي والمحلي، بالإضافة إلى رغبة الولايات المتحدة، دون هذا التدخل.[22]

ومع ذلك، فإن قرار مجلس الأمن رقم (678) الصادر في عام 1990، الذي سمح باستخدام كافة الوسائل الضرورية لإخراج العراق من الكويت، والذي صدر تحت أحكام الفصل السابع، قد مهد أيضاً للتدخل الجديد من قبل الولايات المتحدة في 9 أبريل 2003. فقد ظل هذا القرار ساري المفعول حتى بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت، وحتى انهيار النظام السياسي السابق. وبالتالي، تم استخدام هذا القرار مرة أخرى للتدخل في العراق واحتلاله في عام 2003.[23]

حيث شنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على العراق تحت مسمى “عملية حرية العراق(” Iraq Freedom Operation  )دون الحصول على غطاء شرعي من الأمم المتحدة. وقد لعبت المملكة المتحدة الدور الرئيسي في دعم هذه الحرب، إلى جانب عدد من الدول الصغيرة الأخرى، مثل أستراليا، وبعض دول “أوروبا الجديدة”، كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد، في انتقاده لأوروبا القديمة مثل فرنسا وروسيا وألمانيا. وقد تناقص عدد تلك الدول بسبب تزايد الشعور المعادي للحرب في بلدانهم، مما أدى إلى خسارة الحكومات التي اتخذت قرار المشاركة في الحرب، مثل خوسيه ماريا أزنار في إسبانيا، وسيلفيو برلوسكوني في إيطاليا، وجون هاورد في أستراليا.[24]

استحوذت الأحداث التي وقعت في العراق عام 2003 على اهتمام العالم، حيث بلغت ذروتها في الحملة العسكرية المثيرة للجدل التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تغيير النظام القائم هناك عنوة، ووضع البلاد على مسار يتجه تدريجياً نحو الديمقراطية، رغم أنها خلفت وراءها سلسلة من عمليات الاقتتال والدمار وأعمال العنف والمقاومة الشرسة. وقد أفرزت هذه الأحداث الكارثية تحديات سياسية وأمنية غير مسبوقة للدول المتاخمة للعراق وللمنطقة الخليج العربي ككل.[25]

 

خامسا: ذرائع واشنطن وحلفائها لتبرير غزو العراق:

وقد طرحت الإدارة الأمريكية فى حينه عدة ذرائع لتبرير غزو العراق منها:[26]

  1. امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل.
  2. ووجود علاقات تربطه بتنظيم القاعدة.
  3. فضلا عن تأسيس نظام ديمقراطي في العراق على أنقاض نظام صدام حسين الديكتاتوري بحيث يكون نموذجا للديمقراطية في المنطقة، ويؤثر فيها حسب نظرية الدومينو».

وبعد الغزو والاحتلال بفترة وجيزة سقطت الذريعتان الأولى والثانية حيث أخفقت واشنطن في أن تثبت للعالم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، أو تثبت وجود أية علاقة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة. أما بخصوص ذريعة بناء نظام ديمقراطي في العراق فقدت هي الأخرى.[27]

 

سادسا: نتائج غزو واشطن وحلفائها علي العراق:

حيث جاءت النتائج كارثية بكل معانى الكلمة فبدلا من أن يتحول العراق إلى نموذج للديمقراطية تحول إلى نموذج للفوضى وانعدام الأمن، والمحاصصة الطائفية، والقتل على الهوية، ومأسسة الفساد وتفكك أجهزة الدولة ومؤسساتها والتهجير القسرى والفشل التنموي كما تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات، وتوصيل الرسائل المفخخة وممارسة الحروب بالوكالة بين عدة أطراف إقليمية ودولية. وقد بلغت المأساة الذروة، عندما تمكن تنظيم داعش خلال عامي 2014و 2015 من احتلال أراض واسعة في العراق، قدرها البعض بنحو ثلث مساحته. ولم يتم تحرير هذه الأراضى من قبضة التنظيم إلا بعد مواجهة عسكرية شرسة استمرت لأكثر من عام. وهكذا وظفت الولايات المتحدة الأمريكية شعارات نشر الديمقراطية من أجل تغيير النظام في العراق، كما أنها ارتكبت باسم الديمقراطية الكثير من جرائم الحرب في العراق وغيره جاءت تجربة التطور السياسي في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي لتقدم حالة نموذجية جديدة على فشل التحول الديمقراطي المفروض من الخارج، والذى يأخذ في الغالب شكل التدخل العسكري المباشر لإطاحة نظام تسلطي، والتوجه لبناء نظام ديمقراطي بديل.[28]

من أكبر الخطايا التي ارتكبها المحتل الأمريكي عقب الإطاحة بنظام صدام حسين في تفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها خاصة الجيش وقوات الأمن، وبعض الوزرات والمؤسسات المهمة ومن المفارقات هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بهذا الإجراء المتسرع دون أن يكون لديها خطة واضحة لخلق أجهزة ومؤسسات بديلة تسد حالة الفراغ السياسي والأمني التي انزلقت إليها البلاد. وقد ترتب على تفكيك أجهزة الدولة ومؤسساتها عدة نتائج كارثية، منها: غياب سلطة مركزية قادرة على فرض سيطرتها على الإقليم، وفقدان الدولة العراقية لواحدة من أهم خصائص الدولة وهى احتكار حق الاستخدام المشروع للقوة، الأمر الذى أدى إلى ظهور وتمدد الكثير من الميليشيات المسلحة وعندما تعجز الدولة عن توفير الأمن والحماية لمواطنيها، فإنهم يتخلون عن الانتماء الوطني الحساب انتماءاتهم الأولية، القبلية والدينية والطائفية والجهوية، باعتبارها توفر لهم الأمن والحاجات الأساسية التي عجزت الدولة عن توفيرها.[29]

بعد أن احتلت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق، فرضت على مجلس الأمن القرار 1483/2003 الذي صدر ضمن الفصل السابع من الميثاق وشرعن الاحتلال، رغم ذكر كلمة الدولتين القائمتين بالاحتلال. وبعد مضي أكثر من خمس سنوات على الاحتلال وتحويل صفة قوات الاحتلال إلى قوات متعددة الجنسيات بناءً على صيغة اتفاق بين العراق والولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة قد استنفدت أغراضها من تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الحالة في العراق.[30]

إن ما ورد في توصيف الفقيه الفرنسي دو بوي من أن أحكام الفصل السابع قد كرّست ثم تم تجاوزها عملياً، يؤكد أن مصلحة الولايات المتحدة تتمثل في التخلّص شكلياً من سلطة مجلس الأمن، رغم هيمنتها على تدابير وقرارات المجلس. وتتمثل مصلحتها في الفترة الراهنة بنقل الحالة في العراق إلى خانة الاتفاقيات الثنائية، وعدم خضوعها إلى أي متابعة من المنظمات الدولية، لأن قرارات وتدابير مجلس الأمن، رغم هيمنة الولايات المتحدة عليها، أصبحت عقبة تحول دون امتداد المصالح الأمريكية في العراق ويتعين إزالتها. [31]

إذا كان الطرح القائل بتخلص العراق من الفصل السابع يوحي بأنه لمصلحة العراق، فإنه يضمن في الوقت نفسه تخلص الولايات المتحدة من تبعات متابعة الأمم المتحدة لما يحدث في العراق. إذ إن تدويل الحالة في العراق عبر إشراف ومتابعة الأمم المتحدة يعد أفضل للعراق من إطلاق يد الولايات المتحدة في العراق بصيغة اتفاقية ثنائية. ومن هنا يأتي الترابط بين اتفاقيات مركز القوات الأمريكية في العراق (SOFA in Iraq) التي تسعى إليها الإدارة الأمريكية، وإعلان إلغاء تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الحالة في العراق.[32]

حيث اتبعت الولايات المتحدة السوابق التي ابتكرتها في مجلس الأمن ضد العراق بالاستناد إلى الفصل السابع، وتحويل الحالة في العراق إلى اتفاقية أمنية بين سلطة بلد محتل وقوات الاحتلال، وهو الأمر الذي ينتهك كافة القوانين الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة يفترض في المجتمع الدولي الخالي من الهيمنة أن يقف إلى جانب شعب العراق في مقاومته للاحتلال، ودعمه في عدم تمرير مشروع الاتفاقية الأمنية. وهذا ما يؤكده أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي أنان بقوله إن الحرب الأمريكية في العراق غير شرعية وتتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وإن درس حرب العراق واضح، وهو أنه من الأفضل العمل بشكل جماعي مع الحلفاء تحت مظلة الأمم المتحدة. وأمل ألا نرى في المستقبل أي عملية عسكرية لا تحظى بموافقة الأمم المتحدة ودعم المجتمع الدولي. إن الحرب في العراق لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن وجهة نظرنا ومن وجهة نظر الميثاق، فإن الحرب لم تكن شرعية .[33]

سابعا: معاناة النظام العراقي مع سلطات الاحتلال بعد 22/5/2003:

ويدخل المتآمرون على الأمة بين زمن وآخر تعديلات عليه بحسب المتغيرات، ولكن جوهر التقسيم يكاد يكون واحدا، وهو تفتيت المنطقة كي لا تقدر تحت أي تطورات مستقبلية أن تتوحد في وجه التحديات والأخطار، ومثلما وجدت المخططات القديمة للتقسيم بشأن العراق طريقها للتنفيذ بعد غزوه الولايات المتحدة الأمريكية العراق عام ٢٠٠٣م بالتنسيق مع إيران والمعارضة الشيعية العراقية سعت إيران لتحويل نتائج الغزو الحسابها.[34]

 

أعطى الغزو الأمريكي، الذي أدى إلى سقوط نظام صدام حسين، فرصة فريدة لإيران لإعادة صياغة دورها على الصعيدين الداخلي والإقليمي. ومن بين أهم نتائج الحرب، استغلت إيران الفرصة لتوسيع نفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي منطقة الخليج بشكل خاص، محققة تفوقًا حاسمًا على العراق.بعد غزو العراق، بدأت الإدارة الإيرانية في إعادة هيكلة علاقاتها مع بغداد، حيث انتهجت طهران سياسة واسعة النطاق للاستفادة من الفراغ الأمني في العراق، ساعيةً للتأثير في القطاعات السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية في جارتها.نتج عن صعود القوى الشيعية في العراق، الذي أعقب الاجتياح الأمريكي، تحول في العلاقات الإيرانية – العراقية. وقد وجهت إيران سياستها في العراق، في هذا السياق الجديد، نحو تجاوز العداوات التاريخية بين البلدين، وتطوير علاقاتها مع الجماعات الشيعية العراقية، محاولًة فرض نفوذها على الشأن الداخلي العراقي. واستندت في ذلك إلى علاقاتها الوثيقة بالمكون الشيعي في العراق، بهدف منع الولايات المتحدة من إسقاط النظام في طهران أو الإضرار بالأمن القومي الإيراني.

فاستفادت من كل الخطوات التي أقدم عليها الأمريكيون؛ بدءاً من تحطيم القوة العسكرية العراقية وانتهاءً بإسقاط النظام ومروراً بتغيير البنية السكانية على حساب المكون السني، وتغيير الدستور العراقي على الهوى الشيعي، وإعادة بناء الجيش العراقي على أسس طائفية مجافية للسنة ومحابية للشيعة، وقد كان لإيران ما أرادت من خطف نتائج الغزو لحسابها وصار العراق مدة تحت وطأة احتلال مزدوج  أمريكي إيراني، ثم عادت إيران لترتيب أوضاعها، كي يتعاظم نفوذها تحت المظلة الأمريكية.[35]

حيث عانت دولة العراق من فترة زمنية صعبة منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، حيث تعرضت العراق الي سقوط النظام واقامة سلطة احتلال بموجب قرار الأمن  1483  في 22/5/2003حيث دخل العراق في مرحلة جديدة وحساسة وخطيرة في هذا الوقت يتطلع الى التغيير نحو تحقيق الديمقراطية والعمل على التخلص من آثار الحكم السابق السلطوي والعمل في هذه الأجواء الجديدة التي اتسمت بالتدهور الأمني وحدوث احداث أمنية وطائفية حاولت الارتداد عن التحول الديمقراطي ولكن العراقيون تمسكوا بأمل التغيير فقد دخلت السياسة العراقية مرحلة جديدة بتأسيس الأحزاب والكيانات السياسية المختلفة وأقرار دستور دائم يعتمد على النظام الديمقراطي وتوزيع وتقاسم السلطات والعمل على تأكيد الحريات العامة واعادة توزيع الثروة بش كل عادل وسليم وقد عاش العراق لأكثر من واحد وعشرون عامًا وسط أزمات إنسانية خانقة، وبيئة محلية وإقليمية متوترة، بالإضافة إلى تحديات سياسية واقتصادية خطيرة، ولا تزال بعض تأثيراتها مستمرة حتى الآن.[36]

ومنذ القرار رقم 1483 بتاريخ 22/5/2003 الذي منح سلطات الاحتلال (والتي تمثل الادارة الأمريكية وحلفائها) سلطة حكم وإدارة العراق وفشلهم الذريع في حكم العراق واعادة بناء هياكل الدولة المدمرة وقد ترابط هذا الفشل وتداعياته مع الرفض الشعبي الواسع للاحتلال من جانب الشعب العراقي وقواه، وتصاعد هذا الرفض الى مستويات العصيان المدني والمقاومة المسلحة، ضد الاحتلال وجيشه وجنوده . فسرعان ما أكتشف الشعب العراقي ان الغزاة لم تكن دوافعهم واهدافهم الفعلية تخليص العراق من الحكم الشمولي الدكتاتوري التعسفي لنظام للرئيس الراحل صدام حسين ، كما لم يكونوا صادقين في وعودهم ببناء عراق تسوده الديمقراطية العرب والمستقبل والعدالة وتتوفر فيه الحريات وحقوق الانسان اذ ان الواقع الذي تجلى من خلال تصريحات القادة الأمريكان وممارسات الاحتلال وأدارته المدنية يوضح بان الهدف الأول لها كان هدم دولة العراق ومؤسساتها ، وجعل أرضه ساحة تجتذب اعداء امريكا من شتى بقاع الدنيا لخوض الصراع المسلح معهم عليها، وبعيداً عن الاراضي الامريكية والأوربية، تنفيذا لسياسة الحرب على الارهاب وتدمير مرتكزاته و هياكله التي اعتمدتها ادارة الرئيس الأمريكي بوش الابن كاستراتيجية أساسية في سياستها الخارجية بعد احداث ١١ أيلول / سبتمبر ۲۰۰۱ ، دون أي اعتبار لمعاناة الشعب العراقي الذي زج به حاكمه الدكتاتور بحروب امتدت لأكثر من عقد واحد، وفرض عليه بعدها وبدعواها الحصار الاقتصادي من جانب الولايات المتحدة ومجلس الامن الدولي لحولي ١٣ سنة متصلة مما أدى إلى أفقاره وتجويعه وتدمير هياكله الاقتصادية والانتاجية وكان من نتائج اتضاح هذه الحقائق ان وقفت  معظم أوساط الشعب العراقي  ضد المحتل الأمريكي وسياساته.[37]

 

 

 

ثامنا: الانتقادات التي واجهت النظام السياسي العراقي منذ 2003 حتي الان:

وفي ظل تلك المؤامرات التي تحاكي العراق من كل جانب واجه النظام السياسي العراقي انتقادات وبسبب ادائه الضعيف في توفير الخدمات ومكافحة الفساد وإدارة الأزمات حول عدم وجود معارضه برلمانية حقيقية منذ أول انتخابات برلمانية منذ 2005وحتى الان سوى تشكيل حكومات توافقية[38]

حيث أثبت الواقع السياسي العراقي بعد عشرون عاما من التغيير استعصاء التحول نحو الديمقراطية، وذلك لعدة أسباب أهمها طبيعة تكوين شخصية الدولة العراقية، وغياب المتطلبات الديمقراطية، والظروف التي تدعم الغلظة السلطوية وممارسة اشكال متنوعة من وسائل الاستبداد لكن بأوجه ،مموهة، وما رافقها من قوة استثنائية لمؤسساتها القسرية المتعسفة واصرارها على قمع سائر المبادرات الديمقراطية.[39]

وعلى الرغم أنه تم اعلان انهاء الديكتاتورية منذ العام ۲۰۰۳ كونه شرط ضروري للانتقال نحو المرحلة الديمقراطية وتدعيمها وتعزيزها إلا أن النخب السياسية والقاعدة الاجتماعية الشعبية بعضها غير مستعد فكريا لقبول الديمقراطية وتطبيقها كجزء من العمل السياسي، والبعض الآخر لا يمتلك الوعي الكامل والفاعل بمتطلبات الديمقراطية وتطبيقها على ارض الواقع، وهذا ما يفسر انعدام الديمقراطية في المجتمع العراقي على كلا المستويين، مما اعاق حركة تغيير طبيعة نظام الحكم وظلت محكومة بدوامة من الصراعات السياسية الداخلية على الرغم من تغير اشكالها، لاسيما بعد استمرار الاحزاب السياسية لتعزيز سلطتها وتوسيع نفوذها وتعظيم ثرواتها على حساب المال العام وحماية وجودها المؤسسي عبر استخدام الادوات التشريعية وبعيدا عن قوة ونفوذ سلطة القانون تحت حجة الحصانة البرلمانية مما ادى تدريجيا الى اضعاف هيبة الدولة،و استعمال نظم الحكم المتواترة في العراق القوة ذاتها وان اختلف اسلوب استخدامها للحفاظ على السلطة وقمع معارضيها، والصمود إزاء التحديات الداخلية انتج استمرار للكيفية التي تدار بها الدولة على وفق توجهات الاحزاب السياسية القائمة، وليس تحولاً سياسياً يفضي الى تطبيق الديمقراطية،[40]

 

 

 

خاتمة:

وبالنظر إلى الحالة العراقية، فإنه لم يترتب على الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق تفكيك أجهزة الدولة ومؤسساتها وتدمير بنيتها التحتية فحسب، بل ترتب عليهما كذلك هدر الموارد وتعطيل فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي ظل تعدد الصراعات الداخلية، وشيوع حالة الانفلات الأمني واستشراء الفساد تعطلت فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاسيما أن خطط إعادة الإعمار لم تحقق الأهداف المرجوة منها، نظرا لما شابها من عمليات فساد، کبری وجوانب قصور ومشكلات طالت ترتيب الأولويات، والتمويل، والتنفيذ، والمحاسبة عن نتائج التنفيذ. ومن هنا تفاقمت حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في العراق، وتزايدت أعداد النازحين واللاجئين تحت ضغط تواصل أعمال العنف وانعدام الأمن وتفشى الفقر.

 

[1] الحاج، عبدالله جمعه. “السراة السياسية الخليجية ما بعد أزمة الخليج الثانية.” شؤون اجتماعية مج 9 , ع 33 (1992): 199 – 210.

[2] العميد السابقً لكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية ورئيس قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد في كتابة (دروس ازمة الخليج)

[3] فاضل رسول العراق يران، المعهد النمساوي للسياسة الدولية، ب د، ص 19.

[4] O.P.Z.4975/1938 Ministry Of Affairs, 12th July 1938.

[5]علي عبد اللطيف خليفوه، عقدة الضم وأزمة قاسم 1961 ب – ص 53.

[6] عشماوي، محي الدين علي. “انتهاك حقوق المدنيين العراقيين في حرب الخليج الثالثة.” في سلسلة فكر المواجهة 11 حول العدوان على العراق والشرعية الدولية القاهرة: رابطة الجامعات الإسلامية، (2004): 127 – 158.

 

[7] نواف فلاح الحميدي،الکویت والعراق إشکالیة الحدود وطبیعة العلاقة،جامعة عین شمس، کلیة الآداب،المجلد 41،ابريل-يونية2013.

[8] Andre Gunder Frank, Third World War in the Gulf(Nottingham: Bertrand Runel Peace Foundation, 1991) P. P.77,78.

[9] الأوراق السرية لحرب الخليج، الطبعة الأولى 1991 ، شركة الأرض للنشر المحدودة،قبرص، ص 18.

[10] محمد، عبدالعليم. “غزو الكويت وحرب الخليج: نموذج لأزمات ما بعد الحرب الباردة.” شؤون الأوسط ع11 (1992): 6 – 26.

[11] دانروثر، رولاند، و أنور محمد قرقاش. “صراع الخليج: تحليل سياسي واستراتيجي.” شؤون اجتماعية مج 9, ع 35 (1992): 229 – 236.

[12] سركيس، نقولا. “آفاق سوق النفقط والتنمية بعد حرب الخليج.” شؤون الأوسط ع7 (1992): 1 – 17.

[13] سعيد، محمد السيد، و سيف عباس عبدالله. “مستقبل النظام العربي بعد أزمة الخليج.” مجلة العلوم الاجتماعية مج 19, ع 1,2 (1991): 247 – 258.

[14] هيئة التحرير. “التقرير الختامي لندوة : مستقبل العلاقات العربية – العربية بعد تحرير الكويت والحلقة النقاشية مجلس التعاون الخليجي: التحديات وسط

أحداث أمنية متغيرة – الكويت 26 – 28 مايو 1997 م.”مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ،س22،ع86(1997):161-166.

[15] سعيد، عبدالمنعم، و محمد محمد الجوادى. “حرب الخليج و الفكر العربي.” عالم الكتاب ع 38 (1993): 39 – 44.

[16] عزت، فرج عبدالعزيز. “زلزال الخليج من الغزو العراقي إلى المجهول.” عالم الكتاب ع 33 (1992): 89 – 93.

[17] سعيد، محمد السيد، و ناصرة الشربتلي. “مستقبل النظام العربي بعد أزمة الخليج.” شؤون عربية ع 73 (1993): 188 – 194.

[18] عطوان، خضر عباس، و عبدالعظيم جبر حافظ. “السيادة: دراسة في ضوء الاتفاقية الأمنية بين العراق و الولايات المتحدة للعام 2008.” المجلة العربية للعلوم السياسية ع 32 (2011): 94 – 114.س

[19] سعيد، محمد السيد، و عبدالمنعم المشاط. “مستقبل النظام العربي بعد أزمة الخليج.” شؤون اجتماعية مج 9, ع 36 (1992): 235 – 244.

[20] سرحان، المنجي. “حرب الخليج و تداعي الصيغة الثقافية.” عالم الكتاب ع 33 (1992): 65 – 66.

[21] عصام شريف ، العراق في الوثائق الأمريكية، ۱۹۵۲ – ۱۹٥٤) بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ، ۱۹۹۵ ) ، ص ٥.

[22] العبيدى، محمد عبدالرحمن يونس. “الآفاق المستقبليه للعلاقات العراقيه: الخليجيه فى المجال الاقتصادى.” مجلة دراسات إقليمية مج 6, ع 19 (2010): 337 – 360.

[23] أبو الوفا، أحمد، et al. “غزو العراق: حرب غير مشروعة وتخالف ما استقرت عليه الأمم – الأجندة الاسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة.” مجلة المدير العربي ع 163 (2003): 6 – 39.

[24] الشايجي، عبدالله خليفة. “حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق و أمن منطقة الخليج العربي: المراحل ، التداعيات ، المستقبل.” المجلة العربية للعلوم السياسية ع 19 (2008): 31 – 50.

[25] هيئة التحرير. “الخليج تحديات المستقبل.” شؤون اجتماعية مج 25, ع 98 (2008): 183 – 190.

[26] مهدي، نور ليث. “التحول الديمقراطي في العالم العربي بين النصوص الدستورية والواقع السياسي: العراق أنموذجا.” في الأعمال الكاملة للمؤتمر العلمي الأول: مواجهة التحديات السياسية والإقتصادية في الأطر الإقليمية والدولية بني سويف: جامعة بني سويف – كلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية، مج2 (2018): 534 – 568.

[27] حيال، أثير فاخر. “التحول الديمقراطي في العراق بعد العام 2003 م. وتأثيره في تشكيل الرأي العام.” مجلة الدراسات المستدامة مج4, ملحق (2022): 216 – 256.

[28] علي، حسنين توفيق إبراهيم. “خمسة عشر عاما على الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق: فشل التحول الديمقراطي المفروض من الخارج.” مجلة الديمقراطية مج18, ع71 (2018): 39 – 48.

[29] Larry Diamond,» What Went Wrong in Iraq,» Foreign Affairs (September October 2014)

[30] الصائغ، محمد يونس يحيى، و حلا أحمد محمد. “دور مجلس الامن فى اعادة السياده للعراق.” مجلة الرافدين للحقوق ع 48 (2011): 299 – 342.

[31] هنداوي، كورالي بيزون، و ساري حنفي. “عشرون عاما في ظل الفصل السابع: أضواء على عقدين من الإكراه ضد العراق.” المستقبل العربى مج37, ع429 (2014): 163 – 166.

[32] توماس ماتير الخروج من العراق استراتيجيات متناسقة ( أبو ظبي مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ۲۰۰۷ ) ، ص ۸ – ۱۲.

[33] بجك، باسيل يوسف. “مشروع الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية: الاحتلال التعاهدي عبر منهج اتفاقيات مركز القوات الأمريكية.” المستقبل العربى مج 31, ع 354 (2008): 67 – 87. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/211852

[34] تشاندار، جنكيز، و سوسن أبو ظهر. “تركيا وروسيا: شريكتان متنافستان في سورية.” مجلة الدراسات الفلسطينية ع134 (2023): 22 – 31.

[35] بلخيرات، حوسين. “الأزمة السورية وانعكاساتها على علم العلاقات الدولية.” مجلة أبحاث مج6, ع1 (2021): 821 – 833.

[36] النفاخ، شبر حسين جعفر. “التحول الديمقراطي وقوي المعارضة في العراق بعد 2003.” مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية مج17, ع61 (2024): 197 – 236.

[37] النعيمي، حازم عبدالحميد. “الابعاد السياسية لقرار مجلس الامن الدولي 1546 على مستقبل العراق.” مجلة العرب والمستقبل س 2, ع 7 (2004): 1 – 5.

[38] سربست مصطفى رشيد اميري، المعارضة السياسية والضمانات الدستورية لعملها، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، اربيل، ط 1، 2011 ، ص 52

[39] فوزى، سهام. “عملية التحول الديمقراطى فى المجتمعات الاثنية: دراسة مقارنة لنموذجى جنوب أفريقيا والعراق فى الفترة من 1991 – 2012.” مجلة الاستقلال ع3,4 (2016): 162 – 179.

[40] محمد، أيمن أحمد. “سلطة الأحزاب وأثرها على التحول الديمقراطي في العراق بعد العام 2003.” مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ع78 (2022): 68 – 84.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى