عوض محمد عوض يكتب.. عذرًا ليبيا كلنا فاسدون
الكاتب باحث مشارك بمركز العرب للدراسات.. خاص منصة العرب الرقمية
ما يحدث في ليبيا حاليا نتحمل مسؤوليته جميعا، لا يريد أحد إخراج هذا البلد الغني بالثروات الطبيعية التي حباه الله إياها، ورفع المعاناة عن كاهل هذا الشعب المسكين المسلوب للحرية والحياة الكريمة رغم كنوزه البترولية الهائلة.. السيناريو الحالي أو ما يسمى «الورقة البديلة» بعد تعذر إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر الماضي، يعيد البلاد إلى مربع الصفر، وينذر بانقسام جديد وتناحر مسلح قاتل، لأنه لم يعالج الأمر بحنكة سياسية أو قراءة جيدة للوضع السياسي.
الأزمة الحقيقية بدأت منذ وضع خارطة الطريق من قبل لجنة الـ75 في جنيف بإشراف البعثة الأممية، لأنها لم تراع المدة الزمنية الكافية، وأيضا الضمانات اللازمة لإنجاز العملية الانتخابية والقبول بنتائجها، وعدم تحجيم المتصدرين للمشهد السياسي ومنعهم من خوض الاستحقاق الدستوري، فالجميع يعلم أن الانتخابات لن تتم بأي حال من الأحوال في ظل تلك الخارطة الأممية العاجزة.
أما مجلس الدولة الاستشاري، فمواقفه معروفه للجميع، ونقضه للعهود والاتفاقيات وارد ومسجل منذ تشكيل هذا الكيان، فيعد أحد أبرز المعرقلين للتحول الديمقراطي، ولن يتم إنجاز أي استحقاق بدون استئصال هذا العضو السرطاني الفاسد.
ومجلس النواب يأثم أيضا ويتحمل النصيب الأكبر في الوصول لهذا الوضع المأسوي، فلم يراعِ أخطاء الماضي والخروج السلس لحكومة الدبيبة من خلال طرح مبادرة يشرف عليها المجتمع الدولي ودول الجوار لضمان تسليم السلطة بدون الدخول في الصدام الذي يخلق حالة من الانقسام المؤسسي في ظل تخاذل البعثة الأممية، فالأمر لم يعد يقتصر على التشريعات فقط لكن يجب مراعاة تطبيقها على أرض الواقع من خلال نظرة أعمق وأشمل للوضع في ليبيا.
أما حكومة الوحدة الوطنية فأخطاؤها كارثية من نهب وسرقة واستغلال لأموال الشعب في الدعاية لنفسها والتسويق لرئيسها عبدالحميد الدبيبة من أجل الوصول إلى عرش ليبيا والجلوس على كرسي الحكم كأول رئيس منتخب، وما أوصلها لهذه المرحلة هو عدم وضع إطار محدد ومقيد لعملها من قبل لجنة الـ 75 والمجتمع الدولي الذي تغاضى عن تجاوزاتها ورشاويها الملموسة والمرصودة، فكان على الجميع أن يراعي سيناريو خروجها من المشهد، لأنها لن تقبل بالوضع الحالي مهما كانت الترضيات.
لكن الحديث عن المجتمع الدولي والبعثة الأممية يحتاج للنظر إلى الوضع من أكثر من زاوية، أولها أن المجتمع الدولي منقسم بشأن ليبيا، بالمعسكر الشرقي يحاصر الغربي والولايات المتحدة في مجلس الأمن، وأمريكا تخشى من سيناريو سوريا والنفوذ الروسي، ثانيا: واشنطن تريد الانتخابات والاستقرار في ليبيا لكن من خلال حلفائها لضمان مكاسبها وتحجيم موسكو، وهو ما دفعها لعرقلة الانتخابات بكل قوة بعد ظهور سيف الإسلام القذافي في المشهد، ثالثا المبادرة التي أطلقتها ستيفاني ويليامز بتشكيل لجنة مشتركة لوضع قاعدة دستورية لإنجاز الانتخابات دون التطرق إلى الوضع الحالي ومباركة الحكومة الجديدة أو حتى ممارسة ضغوط على الدبيبة للتخلي عن السلطة، بما يؤكد عدم رغبة المجتمع الدولي في تحقيق الاستقرار وتعزيز الانقسام، وهو ما أكده السفير الأمريكي الذي سمى الدبيبة وباشاغا برئيسي الحكومة.
أما دول الجوار فكان يقع على عاتقها دور أكبر في محاولة خلق رؤية موحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، فما زالت مصر تبحث وبقوة عن تلك الرؤية ونجحت في خلق حالة توافق كبيرة بين دول الجوار، وتغيير بعض الدول لاستراتيجيتها بشأن الوضع في ليبيا وتقاربها مع موقف القاهرة، إلا أن تلك الرؤية تحتاج إلى ترجمة حقيقية على أرض الواقع.
أخيرًا.. الحكومة الجديدة، عبرت عن التوافق بين الشرق والغرب، ولكنها لم تعالج في تشكيلها سلبيات الحكومات السابقة، وقامت أيضا على المحاصصة والترضيات، فضلا عن الاستعانة بوجوه أثبتت فشلها في حكومة فائز السراج، فضلا عن أن باشاغا لم يقدم برنامجًا واضحا لإنجاز العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسة العسكرية واستكمال برنامج المصالحة الوطنية، بل اعتمد في اختياره على قدرته وسطوته داخل المجموعات المسلحة بمدن الغرب الليبي وأنه يستطيع ترويضها، وهو لم يحدث حتى الآن، في ظل تحركات للأرتال العسكرية في العاصمة طرابلس حتى وصل الأمر لتهديده ورفض ممارسة عمله من العاصمة طرابلس بما يثبت أنه خدع الداعمين له بقدرته على فرض سيطرته في الغرب الليبي من أجل انتزاع رئاسة الحكومة ليجدوا ما قدمه سرابًا حتى الآن على الأقل.. فالواقع لا يُنجز بالأحلام الوردية والوعود الوهمية.. فعلينا الآن جميعا الاعتذار للشعب الليبي لأننا جميعًا شركاء في الجريمة.. دمتم بخير وأمل جديد ينجلي به ظلمات الحاضر ويبشر بغدٍ مشرق.