علي الفاتح يكتب.. هل تنتصر موسكو في الصراع على شرق أوروبا؟!

رغم التحذيرات المتكررة من اندلاع حرب عالمية ثالثة تشاركت في إطلاقها الأطراف الرئيسة في الأزمة الأوكرانية؛ إلا أن التساؤل المحوري في هذه المرحلة على الأقل، هو مدى نجاح استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق انتصار سياسي يكون ثمرة العملية العسكرية في أوكرانيا كما يصفها الروس.

الرئيس الروسي أول من يدرك أن حلف النيتو بزعامة الولايات المتحدة لن يُقبل على أي إجراء متهور من شأنه إطلاق الشرارة الأولى لتلك الحرب المدمرة؛ لكنه أراد برفع حالة الاستعداد القصوى لقوة الردع النووي الذهاب بعيدًا إلى آخر نقطة في هذا الصراع حتى يبعد شبح حرب ثالثة نووية لا تبقي ولا تذر بقية حياة على ظهر الكوكب.

غير أن لبوتين أهدافا أخرى من التلويح بقوة الردع الروسية النووية، تتلخص في الحد من التدخلات الأمريكية الأوروبية في الحرب الأوكرانية الروسية بقدر الإمكان؛ ذلك أن التوسع في دعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زلينيسكي عسكريًا واقتصاديًا سيؤدي إلى إطالة أمد هذه الحرب.

يقول المسؤولون الروس بدءًا من بوتين وصولًا إلى أحدث مشتغل بالسلك الدبلوماسي الروسي إن الجيش الأوكراني يمطر مدن وبلدات إقليم الدونباس بالصواريخ والقذائف المدفعية منذ ثماني سنوات، وقد تسببت تلك الأعمال العدائية بحسب وسائل الإعلام الروسية في مقتل أكثر من أربعة عشر ألف شخص؛ ومع ذلك اكتفى الكرملين طوال تلك السنوات ببيانات الشجب والإدانة وربما بتقديم بعض أشكال الدعم لمواطني هذا الإقليم، ولم يلجأ إلى رفع درجة التصعيد السياسي والعسكري إلا في الأشهر الأخيرة عندما بدأ الحديث عن رغبة كييف في الانضمام لحلف النيتو مدفوعة بضغوط أمريكية بالأساس.

موضوعيًا حاولت روسيا تجنب الصراع العسكري وبدأت تطلب من الولايات المتحدة والدول الأوروبية أعضاء حلف شمال الأطلسي ضمانات أمنية مفادها عدم التوسع في شرق أوروبا بضم المزيد من الدول إلى الحلف وفي مقدمتها أوكرانيا.

على ما يبدو كانت للولايات المتحدة أهداف أخرى من التصعيد بتمسكها بالحق المزعوم لأوكرانيا كدولة مستقلة في اختيار المنظمات الدولية والحلفاء الذين ترى مصلحتها معهم.

واشنطن كانت تريد هذه الحرب، فهي تعلم أن موسكو لن تقبل بأي حال تواجد قواعد عسكرية نووية لحلف النيتو على المرمى من حدودها.

قبل أشهر قليلة من التصعيد السياسي بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة كان الاتفاق الثلاثي بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا لدعم الأخيرة لامتلاك سفن حربية نووية في مواجهة الصين بما عرف حينها باتفاق أوكوس الذي أثار غضب فرنسا لأنها خسرت بموجبه صفقة تصنيع سفن حربية لصالح أستراليا ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتفاق وقتها بـ”الطعنة من الخلف”.

•  اقرأ أيضا: الحرب الروسية الأوكرانية هل تعيد التوازن العالمي أم تظهر قوى جديدة؟

“أوكوس” كان بمثابة إعلان لدخول الصراع الأمريكي الصيني مرحلة جديدة، إلا أن واشنطن وبحسب العديد من الخبراء والمراقبين لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع الصين إلا بعد أن تنتهي من خططها لإضعاف روسيا.

هذا الإصرار الأوروبي الأمريكي على حشر أوكرانيا بالأسلحة، تزامنًا مع محاصرة روسيا بترسانة من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، يعني أن النيتو يراهن على توريط روسيا في حرب استنزاف طويلة الأمد تستهلك مقدراتها الاقتصادية التي ستتضاءل بفعل العقوبات.

المؤكد أن موسكو وبكين يدركان هذه الاستراتيجية جيدًا، “فكما استعد بوتين لهذه الحرب منذ أكتوبر 2021 بعمل مناورات لقوات الدفاع المدني لحماية المدنيين والمنشآت الحيوية من أي هجمات قبل مناوراته العسكرية الضخمة قبيل إطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا”؛ فقد استبق الزعيمان الروسي والصيني الأحداث بإعلان التحالف الاستراتيجي في قضايا الأمن والتعاون العسكري والاقتصادي 4 فبراير/ شباط أثناء دورة الألعاب الأوليمبية.

مسار العمليات العسكرية وجولات التفاوض بين الدبلوماسيين الروس والأوكران تشي بأن لدى موسكو رؤية لإنهاء هذه الحرب في أقصر وقت ممكن بعد تدمير كامل القدرات العسكرية للجيش الأوكراني، وصياغة مسار سياسي يأتي بحكومة تعتمد مبدأ الحياد بين الشرق والغرب وتعترف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم حماية لشعبها ولوضع حد لهذا الصراع الدائر بين روسيا وحلف النيتو على دول شرق أوروبا.

التنين الصيني الذي لم يظهر على مسرح الأحداث بعد، سيتحرك لتخفيف الضغط الأمريكي الأوروبي إذا تجاوزت الأزمة الحالية المدى الزمني المرسوم لها، ربما يكون ذلك باستعادة تايوان أو بطرق أخرى، المهم أنه لن يسمح بخسارة روسيا بعدم تحقيق أهدافها السياسية من هذه الحرب؛ فالصين لا تريد مواجهة منفردة مع النيتو بزعامة الولايات المتحدة.

بالأحرى يمكن القول إن الصين وروسيا يريدان عالما متعدد الأقطاب بعيدًا عن الهيمنة والغطرسة الأمريكية، ذلك أن تعدد القطبية يعيد للنظام الدولي توازنه ويحصن العالم من الدخول في حرب ثالثة سوف تكون نووية لا محال، بحسب تعبير وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.