علا عبد الرشيد تكتب.. حلم طال انتظاره وآن موعد تحققه
توالت النداءات والاجتماعات المطالبة، بالوحدة الاقتصادية العربية على مدار عشرات السنوات الماضية، وتحديدا منذ خمسينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من مرور نحو 70 عاما، على تلك المطالبات، ورغم توقيع الكثير من الاتفاقيات وعقد المؤتمرات والقمم ، ومرور الأمة العربية بالكثير والكثير من الأزمات، المترتبة على أحداث سياسية محورها المنطقة، وأخرى مترتبة على أوضاع اقتصادية عالمية، فما زالت الخطوات لا ترقى إلى زخم المطالبات المتلاحقة، بل وبدا أن العرب لا يستجيبون فقط، وإنما لا ينتبهون أيضا إلى التكتلات الاقتصادية الكبرى التي نشأت و تنشأ حولهم بداية من أوروبا الموحدة، ومرورا بـ”نافتا” في أميركا الشمالية ، والتجمع الاقتصادي الآسيوي “الآسيان”، وإلى مخاطر هروب رؤوس الأموال العربية إلى الغرب، وتهميش غالبية الدول النامية في الجنوب، بسبب تعثر عمليات التكامل الاقتصادي ومحاولات التكتل التجاري، وقيود الحماية التي تفرضها الدول الصناعية التي تحاصر صادرات العالم النامي.
وجاء مطلع عام 2020 ليستيقظ العالم على كارثة صحية متمثلة في جائحة فيروس كورونا، التي امتدت تداعياتها وطالت الكبار والصغار، وتأثر الأداء الاقتصادي للدول العربية في هذا العام بشكل ملموس بالتداعيات الناتجة عن الجائحة، وهو ما يؤكده التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، الذي أشار إلى الانخفاض الحاد في حجم النشاط الاقتصادي بسبب تأثير إجراءات الإغلاق لاحتواء الوباء على عدد من القطاعات في مقدمتها القطاع الصناعي، والسياحة والطيران، ونتج عن ذلك انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي وتسجيل زيادة كبيرة في عجز الموازنات العامة والدين العام، نتيجة التدابير التي اتخذتها الدول العربية كغيرها من دول العالم، للتخفيف من آثار الوباء على الصحة العامة، ودعم الشركات والعمال في القطاع الرسمي، وتقديم الإعانات الفورية مابين نقدية وعينية، للطبقات الفقيرة حتى لمن هم خارج شبكات الأمان الاجتماعي، وكذلك المؤسسات والأفراد العاملين في القطاع غير الرسمي.
ونالت الدول العربية المصدرة الرئيسة صدمة اقتصادية أخرى متمثلة في انخفاض الطلب على النفط وهبوط أسعاره في الأسواق العالمية وانخفاض إنتاجه في إطار اتفاق «أوبك+» ما بين الدول أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، والدول المصدرة الرئيسية المنتجة للنفط من خارج المنظمة.
أما الدول العربية الأخرى، فتأثرت كثيرا بانخفاض عائدات السياحة، وتراجع الطلب الخارجي نتيجة لتباطؤ النمو في اقتصادات أهم الشركاء التجاريين، وتباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بخلاف تقلص تحويلات العاملين بالخارج في بعض الدول .
ولم تكد الدول العربية تستعيد جزءا من عافيتها الاقتصادية في 2021 ، مع انحسار فيروس كورونا ، حتى جاء العام الحالي 2022، وفي مستهله نشبت الحرب الروسية الأوكرانية التي يحذر الكثير من الخبراء من تداعياتها التي قد تقود إلى أزمة جوع عالمية.
وفي تعليق على الأزمة ، خلال مارس الماضي ، قال صندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية إن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل بدأ يتضح بالفعل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، إذ قد يتسبب ذلك في تفاقم الجوع والفقر، مع تداعيات وخيمة على الاستقرار العالمي، حيث تعد روسيا و أوكرانيا الموردان الرئيسيان للقمح إلى مصر و تونس وليبيا وسوريا،.
ومع اعتماد معظم الدول العربية على الواردات من الخارج في الحصول على احتياجاتها الرئيسية، فقد تسبب قرارا الفيدرالي الأمريكي في موجة تضخم عالمية طالت نيرانها دولنا العربية، وأثقلت كاهل موازاناتها وحكوماتها .
وهنا تبرز أهمية العودة إلى فكرة الوحدة الاقتصادية العربية، وتوجيه الجزء الأكبر من الاستثمارات العربية إلى الداخل العربي ، بما يمكنها من استغلال المقدرات العربية، في توفير الغذاء وخلق قاعدة صناعية كبرى ، تجعل من الدول العربية قوة يمكنها مواجهة تلك الموجة ، وغيرها من الموجات.
لاشك أن التنفيذ يحتاج عزيمة وإيثار وقرارات حاسمة، لكن الثقة في القيادات العربية التي تتزعم دول المنطقة في الوقت الحالي وما تتمتع به الأغلبية منهم من رؤية ثاقبة ، متفهمة، وقادرة على قراءة سيناريوهات المستقبل الذي لا يبدو متفائلا على المستوى القريب ، تجعلنا نأمل في تحقيق الحلم الذي طال انتظاره .