عبد الرحمان الأشعاري يكتب.. دعاة دخلوا عالم البزنس وحققوا مكاسب اجتماعية واقتصادية
حققت ظاهرة الدعاة الجدد، انتشارا واسعا في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية، وقد قامت هذه الظاهرة على استثمار ثورة المعلومات والاتصال ببعدها التكنولوجي مثل مواقع الإنترنت، القنوات الفضائية، اسطوانات الليزر، وغيرها من وسائل وأدوات الاتصال الجديدة، الشيء الذي جعل الشباب يمثل معظم جمهورها، خاصة شباب بعض الأحياء الراقية التي تمثل مناطق الوفرة.
فهؤلاء الدعاة لا ينطلقون في أداء مهمتهم الدعوية من فراغ، فإلى جانب اعتمادهم على الموهبة وسرعة البديهة والعلم والتعلم يعتمدون كذلك على العلوم السوسيولوجية والتكنولوجيا الجديدة وآليات ووسائل التواصل الحديثة، ولذلك يعتبر الكثير من الدارسين والباحثين أن الدعاة الجدد عبارة عن ظاهرة سوسيوثقافية جاءت لتحل محل الحركة الإسلامية، بل ولتتجاوزها في كثير من الجوانب، خاصة على مستوى الوسائل والأهداف، فكيف يشتغل الدعاة الجدد؟ وعلى ماذا يراهنون؟ وكيف يصنعون جمهورهم؟ وما الشرائح الاجتماعية التي يستهدفونها؟
ظاهرة جديدة
يصنف الدارسون لظاهرة الدعاة الجدد، هذه الظاهرة ضمن الإسلام الناعم أو “الإسلام اللذيذ” أو Islamic Modernism، ويرون أن هؤلاء يعتمدون في حركيتهم على بعد اقتصادي نفعي محض، يسير في اتجاه تحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية، خاصة وأنهم فقط عبارة عن إفراز قوي ووثيق الصلة بسياسات العولمة التي بدأت تغزو العالم العربي والإسلامي، والدليل على ذلك، يضيف هؤلاء الدارسون، أنها تفتقد التصور النظري والبعد الفكري والرسالي.
ويهتم هؤلاء الدعاة أساسا انطلاقا من طبيعة الدروس التي يقدمونها بالأخلاق والعبادات والنواحي السلوكية، وبعض قضايا العقيدة، ومحاسبة النفس، ويبتعدون ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، بحسب المتتبعين لشؤون وقضايا الحركة الإسلامية، عن المسائل الفقهية والشرعية العلمية، حرجا من أن يقدموا أنفسهم كعلماء فتوى في الوقت الذي ربما لا يملك معظمهم زادا علميا راسخا من الناحية الأصولية أو الفقهية، والمسائل والقضايا السياسية حذرا من التضييقات الأمنية التي تتسم بها أغلب بلدان العالم العربي والإسلامي على الخصوص.
وتتنامى هذه الظاهرة في الأوساط الراقية والشعبية على السواء، في ظل التضييق الأمني وتأميم المساجد وعدم تلبية الخطباء الرسميين لاحتياجات الشباب ومشاكلهم بما يقدمونه من خطاب تقليدي يصرف الشباب عن بيوت الله أكثر مما يجمعهم، فغالب هؤلاء العلماء الرسميين من خطباء الأوقاف لا تروي مواعظهم ظمأ، ولا تجيب فتاواهم عن أسئلة، ولا يستقطبون نفوسا، ولا يقنعون عقولا، وبالإضافة إلى عدم وجود أقنية وأوعية تستوعب أشواق التدين عند جموع الشباب فيلجأ الشباب إلى الدعاة الجدد علهم يجدون عندهم ما لم يجدوا في بيوتهم أو قنوات الإعلام الرسمي أو في مساجد وزارة الأوقاف.
ومن أبرز وسائلهم في الدعوة التركيز على ما يسمونه في العلوم الدينية بالرقائق، فضلا عن بساطة واضحة في لغة الخطاب الديني والحديث باللغة العامية وإعطاء أمثلة من واقع الحياة اليومية والتركيز كذلك على جانب الترغيب وليس الترهيب، وبالتالي فهم يطرحون التدين كنمط أمثل للحياة، وشكل من أشكال الحصول على حياة سعيدة فى الدنيا، وهو عكس الخطاب السلفي الذي كان يطلب من سامعيه التضحية بالدنيا كمقابل للفوز بالجنة.
خطاب مبهم
الدعاة الجدد استطاعوا أن يتخطوا وسائل وأساليب التنظيمات الإسلامية بشكل ملفت للنظر وقدموا أشكالا وتصورات دعوية جديدة غير تلك التي كان يقدمها دعاة التنظيمات الإسلامية التقليديون بمختلف مشاربها وتوجهاتها، وهو ما جعل العديد من المتتبعين يرون أن ظاهرة الدعاة الجدد جاءت بالفعل لتحل محل الحركة الإسلامية وتقوم بنفس الأدوار الدعوية التي كانت تضطلع بها، مع فارق بسيط وهو المتمثل في أن الدعاة الجدد ليسوا تنظيما حركيا قائما بذاته أو وحدة متجانسة لها منطلقات وأهداف محددة، وإنما يعتمدون في حراكهم على المبادرة الفردية وقوة الإرادة مع التحلي بشيء من الصبر والصدق والخفة وروح الدعابة وسرعة البديهة.
أما بخصوص خطاب هؤلاء الدعاة، فأهم ما يميزه، كما يقول الباحثون، أنه عبارة عن خطاب عام فضفاض غير محدد الملاح ولا واضح القسمات، إذ هو خطاب مغرق في بساطته، يتكلم في العام وغير المحدد، يستثمر أشواق الشباب في الرغبة في التدين والبحث عن سبل نجاة في وجه مادية طاحنة، زد على ذلك أن هؤلاء لا يملكون خطابا فكريا متماسكا أو متبلورا، فجل بضاعتهم إثارة عاطفة الشباب وإيقاظ الإيمان المخدر في نفوسهم في نفس الوقت الذي لا يقدم فيه أغلبهم منهجا في الفهم ولا رؤية في العمل ولا أسلوبا في الحركة قادرا على إثارة وعي الشباب بأحوال أمتهم والمشاركة في معاركها التنموية أو همومها المجتمعية، بحيث يبدأ هذا الخطاب بالاختباء خلف القصص القرآني وقصص السيرة النبوية وحياة الصحابة وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم مثل سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والجوانب الأخلاقية السلوكية، وبالمقابل يحاولون قدر الإمكان الابتعاد عن الجدال الفقهي والخلافات الفقهية المحضة والمسائل والقضايا السياسية حتى يكتسب خطابهم أرضية ومساحة حرة ثم يطرح نفسه في الساحة كرمز من الرموز الدعوية، وهنا تبدو، كما يقول أحد المتتبعين لمسيرة هؤلاء، “صناعة الرمز بأبعادها الرأسمالية وقوانين السوق وما يترتب عليها من شبكة علاقات ومصالح خاصة تتحول الدعوة بموجبها إلى مجرد ديكور وشكليات، وليست وسيلة وهدفا في حد ذاتها.
الشهرة والمال
وقد ساهم في انتشار واستفحال هذه الظاهرة، القنوات الفضائية بما تملك من حرية واسعة في جذب بعض الدعاة الجدد، فالتقت مصالح الطرفين، كما يوضح ذلك الباحثون والمتتبعون، في استثمار تلك الأداة بعيدا عن الرقابة الحكومية، ومع ازدياد من يملكون الأطباق اللاقطة لتلك القنوات الفضائية خلق ذلك جمهورا موازيا لجمهور التلفزيونات الرسمية للدول العربية والإسلامية، أو ما يمكن أن نطلق عليه الإعلام الموازي، وربما كان هو الإعلام الأصلي مع استمرار جمود وسائل الإعلام الحكومية وعجزها عن استيعاب شرائح واسعة من المشاهدين، فعمرو خالد مثلا نجح في أن يقدم للشباب وجبة شهية من “الدين اللذيذ”، دون “التكليف المر”، فلم يحملهم هم هذا الدين، وإنما وضع بين أيديهم دينا لذيذا لا شوكة فيه وخاليا من الأحزان والهموم.
وقد سمح الانتشار الواسع لهذه الظاهرة لكل هؤلاء بالولوج إلى شبكات البيع والشراء وقوانين السوق الرأسمالي واستثمار ما تحقق لبعضهم من شهرة، وربما هذا الذي جعل الدعوة إلى الله ميدانا خصبا للبحث عن الشهرة والمال بعد أن كانت ميدانا للتنافس على مرضاة وحب الله عز وجل، بحيث كثر فيها الدخلاء من أشباه العلماء الذين لا يفقهون من أمر الدين أي شيء، اللهم بعض النتف والقشور التي يغلون بها ضمائر وعقول المواطنين، وخاصة الشباب منهم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب