الرئيسيةتقدير موقف

عبد الغني دياب يكتب.. ليبيا والنموذج الصومالي

بعد سنوات من أصوات الرصاص والأسلحة الثقيلة، عادت المظاهرات للمدن والشوارع الليبية من جديد، لكنها تأتي هذه المرة ليس رفضا لسياسات حكومية، أو طلبا لإصلاح سياسي واقتصادي، بل جاءت محملة بمشاعر الغضب والخيبة على ما آلت إليه الأوضاع، فالكهرباء تنقطع عن بلد عائم على النفط لأكثر من 15 ساعة يوميًا، ورغيف الخبز وصل نصف دينار في بعض المدن إن وجدته، ولا آمان لمسافر قادم من الشرق أو الجنوب إلى العاصمة، فالميليشيات المسلحة إن لم تقتلك ربما تسرق ما معك، أو تعتقلك لا لشيء إلا لأنك ربما لم تعجب قادة المجموعة المسلحة، التي تتحكم في بوابة مدينة ما من مدن الغرب الليبي، أو ربما تأتيك رصاصة طائشة، وإن كنت تبحث عن علاج فلا مكان لك إلا إن كنت على علاقة بأحد المتنفذين فالرشوة هي الحاكم في المدينة التي كانت يوما ما زهرة مدن الشمال الأفريقي.

في بلد تقول الإحصائيات الرسمية لعام 2020 إنه يمتلك احتياطيات نفطية تصل إلى  48.4 مليار برميل، وهو رقم لم يتغير منذ أحداث العام 2011، وفق بيانات شركة بي بي البريطانية، وهو ما يعني أن الرقم قابل للزيادة في حال اكتشاف مناطق نفطية جديدة، خصوصا وأن الفترة الأخيرة عطلت كثير من المشروعات الكشفية التي كانت تنوى شركات كبرى إطلاقها في البلاد.

عبدالغني دياب ليبيا الصومال
الرئيسان سياد بري والقذافي

بعيدا عن آليات الصراع وأطرافه، وحتى عن محاولات حللته من قبل فاعلين في المشهد الإقليمي، والدولي، لا أميل إلى القول بأن ليبيا ستصل إلى حل قريب لأزمتها السياسية، فالتعقيد الحاصل في المشهد الليبي، بات متجذرا ويصعبه حسمه سياسيا بسهولة، خصوصا وأن المشكلة الأكبر في البلاد هي غياب العقد الاجتماعي الحاكم، وانهيار المؤسسات لاسيما المؤسسة الأمنية والعسكرية المنقسمة بين شرق وغرب، وتحكم النخب في القرار السياسي الذي يمشي في دروب المصالح الذاتية أكثر منها في مسارات المنفعة الوطنية العامة، وهذا ليس اتهاما لكافة النخب الليبية بأنها تسعى لمصالحها، لكن الطامة أن كثير من متصدري المشهد السياسي الآن لا يمتلكون رصيدا شعبيا حقيقيا، خصوصا المنتمين للتيارات الإسلامية والمنبثقين عن جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في البلاد، فغالبيتهم يمثلون مصالح أطراف خارجية ممثلة في تركيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

تشبه الحالة الليبية حاليا في تعقيدها وتفسخها ما حدث في الصومال عقب سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري رئيس الصومال (1969–1991) فمع وصوله للحكم  عقب انقلاب عسكري كان يحلم بأن يدشن الصومال الكبير، تحت راية واحدة تضم أقاليم الصومال الخمسة التاريخية، لكنه بسبب سوء إدارته انتهي به الحال إلى سوء المصير، ولم يؤسس حتى صومال قوى على  الأقاليم الثلاثة التي بحوزته،  وباتت دولته الوليدة التي كان ينظر إليها عقب الاستقلال بأنها دولة تمتلك كل مقومات النمو إلى دولة فاشلة  أو قل حطام دولة

تشبه الحالة الليبية حاليا في تعقيدها وتفسخها ما حدث في الصومال عقب سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري رئيس الصومال (1969–1991) فمع وصوله للحكم  عقب انقلاب عسكري كان يحلم بأن يدشن الصومال الكبير، تحت راية واحدة تضم أقاليم الصومال الخمسة التاريخية، لكنه بسبب سوء إدارته انتهي به الحال إلى سوء المصير، ولم يؤسس حتى صومال قوى على  الأقاليم الثلاثة التي بحوزته،  وباتت دولته الوليدة التي كان ينظر إليها عقب الاستقلال بأنها دولة تمتلك كل مقومات النمو إلى دولة فاشلة  أو قل حطام دولة، لا تملك من أركان الدولة الخمسة إلا ركن الاعتراف الدولي، لو رفع عنها لانتهت إلى الأبد تم سحبه منها لأعلن في اليوم التالي  5 دول صومالية بأسماء مختلفة.

المقومات التي كانت تمتلكها الصومال قبل الانهيار  هي نفسها التي تحوزها ليبيا، دولة عربية  لا تعاني من إثنيات متعددة، ولا مذهبية مختلفة يمكن أن تؤجج الصراع، ولا حتى تعددية لغوية، بل الدولتان يتحدثان العربية، والشعب كله مسلم سني، والجميع ينحدرون من قبائل متجاورة ما بين عربية وإفريقية، ولا يوجد بينهم ما هو قائم في أفريقية جنوب الصحراء من العرقيات المتناحرة، لكنها سوء الإدارة والإرث الاستعماري الثقيل.

 هنا تكمن المشكلة التي خلقت وضعا سمح بنمو تنافس غير محمود بين النخب السياسية المتطلعة إلى السيطرة على مقاليد الحكم، دون الارتكان إلى شرعية حقيقة، لينتهي الحال بفشل متجذر لن تقوم منه ليبيا قريبا، وفق تقديري.\

مع سقوط سياد بري انهار الصومال وتناحرت أقاليمه، وبات بيئة خصبة للجماعات الإرهابية التي تحولت لجماعات وظيفية مع الأيام، وكذلك ليبيا  ما بعد القذافي، أقاليم متناحر ودعوات انفصالية، ونخب لا تعرف التوافق، ومجموعات مسلحة لا تخضع لسلطة الدولة، ولا ننسى العامل الحاسم في الأمر، متمثل في التدخلات الأجنبية.

منذ بدء العملية العسكرية لحلف الناتو على ليبيا بدأت مراحل انهيار الدولة، فالأوروبيون لم يأتوا ليساعدوا الليبيين على إنجاح ثورتهم والإطاحة بحكم القذافي وحسب، بل جاءوا لقتل القذافي أولا، ثم البقاء طويلا في ليبيا قريبا من حقول النفط والغاز، وللسيطرة على أحد أهم الممرات التي تربط ساحل المتوسط بوسط  أفريقيا وبلاد ما وراء الصحراء، وهي منطقة نفوذ أوروبية قديمة منذ الاحتلال الفرنسي لهذه لجيران ليبيا الجنوبيين.

مع كثرة الخطابات والشعارات التي ترفع في ليبيا تحت مزاعم الثورة والحرية، يمكننا أن نقول إن العالم لم يشهد قيام دولة على يد ميليشيات، فالميليشيات لم ولن تبني دولا، لا في الماضي ولا في السمتقبل، فذاك أحد المستحيلات، وضد تكوين هذه المجموعات المصالحية في الأصل، وكل ما يمكن أن تفعله المجموعات المسلحة في ليبيا هي أن تتحد ضد قيام الدولة من جديد، سواء في وجه القوات المسلحة المعترف بها من البرلمان، وغالبية دول العالم، او حتى تقف أمام قيام الانتخابات، سواء بعرقلة وضع القوانين، أو حتى الهجوم على المقار الانتخابية.

 خلاصة القول أن الحل في ليبيا أمنيا قبل أن يكون سياسيا، قبل أن يضع الليبيون حلول على الورق، يجب أن تترجم على الأرض، بتفكيك الميليشيات، وخروج القوات الأجنبية، فكل من يحمل سلاحا وهو غير ليبي يجب أن يخرج فورا، وأخيرا لا يجب أن نعلق الآمال كثيرا على المجتمع الدولي المنقسم بين شرق وغرب، فالجميع يحتكمون لقانون دموي واحد هو قانون المصالح، لذا فالحل ليبي ليبي ولا غير.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى