رأي

د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. حركة النهضة التونسية على صفيح ساخن

الكاتب باحث وإعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية

أثارت الأدلة والبيانات التي أشهرها مسؤولون قضائيون وسياسيون في وجه زعيم حركة النهضة التونسية، والتي تثبت تورط راشد الغنوشي في عملية تسهيل تسفير مقاتلين تونسيين إلى بؤر التوتر وخاصة سوريا، الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، حول مستقبل هذه الحركة في المشهد السياسي التونسي، وحول طبيعة ونوعية العلاقات التي تنسجها مع مجموعة من الجهات المشبوهة بالخارج.

الأدلة التي قدمتها هيئة دفاع تونسية، شهر فبراير/ شباط الماضي، “تثبت وجود وثائق تورط راشد الغنوشي بالاعتداء على أمن الدولة التونسية، وتسفير جهاديين، وغسله الأموال رفقة ابنه معاذ، ووجود جهاز سري مالي يتعلق برئيس حركة النهضة” وفي “قضية اغتيال القيادي البارز شكري بلعيد يوم 6 فبراير/ شباط 2013”.

أصل القضية

ارتبط صعود حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية إلى الحكم في تونس بما يسمى بثورات الربيع العربي، فخلال هذه الفترة كان نجم إخوان راشد الغنوشي قد سطع، واحتلوا المرتبة الأولى في الانتخابات النيابية التي جرت حينها.

وصول إخوان راشد الغنوشي إلى السلطة في تونس وسيطرتهم على معظم الأجهزة المؤثرة في الدولة، كما يقول خبراء ومتتبعون ومحللون سياسيون، سهل على حركة النهضة عملية التواصل مع جهات مشبوهة خارج تونس بهدف تسفير جهاديين تونسيين للقتال في ليبيا وسوريا والالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي في العراق، التنظيم الذي ستكتمل دورته عندما ستمتزج فكرته مع الواقع في دولة الخلافة التي أعلن عنها في يونيو/ حزيران من العام 2014، وهي التي ستمنحه كل “الشرعية” في القاموس الإرهابي العالمي، ما هيأ له كل الأجواء لممارسة فعل الاستقطاب على مستوى أكبر هذه المرة، حيث تم فتح الباب على مصراعيه أمام المتطرفين للالتحاق بدولتهم المزعومة للقيام بـ”الجهاد” ضد ما يسمونهم بـ”أعداء الله”.

ويعتبر التونسيون أحد أكبر الملتحقين بهذا التنظيم الإرهابي، وفي هذا الصدد، أوردت صحيفة “البيريوديكو” الكاتالونية الخميس 10 مارس/ آذار 2016، بناء على وثائق حصلت عليها الشبكة البريطانية (سكاي نيوز)، أن التونسيين باتوا يحتلون المرتبة الثانية بخصوص الملتحقين الجدد بداعش، مضيفة إن الوثائق تتضمن بيانات حول تجنيد التنظيم لأعضاء جدد في صفوفه يتجاوز عددهم 1200 داعشي، من بينهم 495 من السعودية، و275 من تونس، و140 من المغرب، و101 من مصر، و35 من فرنسا، و18 من ألمانيا، و16 من المملكة المتحدة، و4 من أمريكا، في حين أن الـ 126 الآخرين يتحدرون من دول مثل بلجيكا ولبنان وأستراليا وهولندا وروسيا وأفغانستان.

وعن ذلك يقول المحلل السياسي التونسي المقيم في باريس، نزار الجليدي، إن وصول حركة النهضة، إلى سدة الحكم في 2012، تزامن مع اندلاع القتال المسلح في سوريا وليبيا وتفجره من جديد في العراق، مؤكدا أن “حكومة النهضة سهلت تمرير السلاح إلى الجماعات المقاتلة في ليبيا، عبر الأراضي التونسية”.

ووفقا لحديث الجليدي، فقد تحولت الحدود التونسية وقتها إلى “ممر آمن لجحافل المقاتلين من وإلى ليبيا”، ومنها تم نقل هؤلاء عبر رحلات منظمة إلى تركيا ثم سوريا، مشددا على أن “القضية أساءت كثيرا لصورة تونس في الخارج”، متهما “حركة النهضة باستعمال سلطتها السياسية في عمليات التسفير”، وتسهيل عملية استخراج جوازات سفر حتى للقصر دون علم عائلاتهم، وكذلك في السيطرة على البنك المركزي وطمس التحويلات المالية المشبوهة.

ووفقا للمحلل السياسي التونسي، فإن عدد المقاتلين التونسيين الذين التحقوا ببؤر النزاع يقدر بأكثر من 15 ألف مقاتل، رغم أن الأرقام الرسمية تشير لحوالي ثلاثة آلاف وهو “عدد غير صحيح مقارنة بأرقام المنظمات الدولية”.

بدوره حمل الناشط الحقوقي والمحلل السياسي التونسي، عبد المجيد العدواني حركة النهضة مسؤولية تسفير الجهاديين التونسيين على اعتبار أنها كانت حينها على رأس السلطة في تونس، وقال لوسائل الإعلام إن حركة النهضة “تتخبط وترقص رقصتها الأخيرة بعد أن ظهرت جرائمها”، وأوضح أن “قضايا التخابر ضد أمن الدولة حكمها الإعدام ناهيك عن التورط في الاغتيالات وشبكات تسفير الإرهابيين وقتل أفراد الأمن والعسكريين”، داعيا “القضاة الشرفاء إلى النظر في هذه الوثائق، والقبض على الغنوشي ومساعديه ومحاسبتهم على ما اقترفوه في حق الشعب التونسي”، مشيرا إلى أن هناك “شبكة من القضاة متورطة في دعم حركة النهضة وإخفاء جرائمها، ولابد من محاكمتهم لتطهير البلاد ووضعها على الطريق الصحيحة”.

حركة النهضة تنفي

حركة النهضة التونسية نفت كل هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، واعتبرت أنها تأتي في سياق استئصال وتصفية لخصم سياسي، مؤكدة أنه لم يكن هناك “جهد موجه ومنظم قامت به السلطات السياسية لتدبير سفر هؤلاء في ذلك الوقت”.

وفي هذا الإطار يقول المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي في تصريح لوسائل الإعلام، إن الاتهامات الموجهة إلى الغنوشي والعريض “بلا أسانيد قانونية”، وجاءت لتحقيق “أهداف سياسية”، مؤكدا أن الأسئلة لم تكن على “علاقة مباشرة” بتفاصيل قضية “تسفير الجهاديين”، بل كانت عن “تحركات الغنوشي وعلاقاته بشخصيات عامة”، ولم تتم الإشارة “بشكل مباشر” لأي علاقة تربط الغنوشي بقضية “التسفير”، لكن السلطة سعت إلى “تدشين حملة إعلامية” ضد النهضة لتشويه سمعة الحركة وقياداتها، وفقا لتصريح المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة التونسية.

وما يشفع لحركة النهضة التونسية هو التصريح الذي سبق لرئيس الحكومة التونسية أمين عام حركة النهضة الإسلامية، حمادي الجبالي أن أدلى به في يونيو/ حزيران من العام 2012 لـ”فرانس برس” حول هذا الموضوع، أكد من خلاله أن حكومته “غير مسؤولة” عن ذهاب شبان تونسيين للقتال في سوريا، وقال إن سفر تونسيين إلى الخارج من أجل القتال “ليس جديدا، فالشباب التونسي تحول إلى كل مكان (للقتال) كالعراق وأفغانستان والصومال، نحن لا نبعثهم، بل يذهبون (من تلقاء أنفسهم) رغما عنك وعني، وهذا (الأمر) لا يتعلق بالشباب التونسي وحده”، مشيرا إلى أن انتقال الشباب التونسي لدول أخرى خاصة العراق، جاء قبل عام 2011، وسبق تولي حركة النهضة للسلطة في البلاد.

أزمة سياسية

غير أن الأدلة التي توجد بحوزة السلطات القضائية التونسية تورط بالفعل كل مكونات حركة النهضة التونسية ذات المرجعية الإسلامية، وتتهمها بالاعتداء على أمن الدولة وتسفير الجهاديين التونسيين، وغسل الأموال وما إلى ذلك.

وهي القضية التي تفجرت على إثرها أزمة سياسية حادة أدت منذ 25 يوليوز/ تموز 2021 إلى فرض الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.

كما أصدر رئيس الدولة أمرا رئاسيا نشر في جريدة الرائد (الرسمية)، يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مهامهم، على خلفية اتهامات وجهت لهم من بينها “تغيير مسار قضايا” و”تعطيل تحقيقات” في ملفات إرهاب وارتكاب “فساد مالي وأخلاقي”.

وفيما احتجت قوى سياسية تونسية على هذه الإجراءات معتبرة أنها تمثل “انقلابا على دستور البلاد”، اعتبرت قوى سياسية أخرى أنها عبارة عن “تصحيح لمسار ثورة 2011″، أما الرئيس التونسي قيس سعيد الذي بدأ مشواره الرئاسي خلال العام 2019 لمدة تستمر خمسة أعوام، فيرى أن إجراءاته تعتبر “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.

وبين هذا الطرف وذاك يستمر الجدل والتراشق بالكلمات والإدلاء بالتصريحات والتصريحات المضادة، وتتفاقم هوة الخلاف وتتفاقم معها حدة هذه الأزمة السياسية، التي أدخلت البلاد والعباد في نفق مظلم.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى