طارق عبدالرحيم عبدالعظيم يكتب.. دردشة قانونية من الجاني؟
الكاتب محامي مصري بالنقض.. خاص منصة العرب الرقمية
المستريح أم المستريحة؟
في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يمر بها العالم بأسره، وفي ظل عادات وأعراف درج عليها المجتمع المصري، يخشى أفراد المجتمع ادخار أموالهم بالمصارف والبنوك أو استثمار أموالهم بطريق شرعي قانوني، فيقومون بادخار ممتلكاتهم (تحت البلاطة).
ليظهر لنا على السطح بين الحين والآخر من يدعى بالمستريح، فمن هو ذلك المستريح؟ هو شخص يجيد اللعب على مشاعر الأشخاص وأوجاعهم وآلامهم، ليتحصل من هذا وذلك، بل يتحصل من هؤلاء المستريحين له على مدخراتهم وثرواتهم وما تحت بلاطتهم، فبكد وعرق وسنين طوال جمع ضحايا هؤلاء النصابين أموالهم، وفي لحظات فقدوها، فمن هنا الجاني؟ فرغبة من مواطنين بسطاء جمعوا مدخراتهم بعناء في زيادة دخلهم لمقاومة غلاء المعيشة وتحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي يتوجهون لهؤلاء النصابين طمعاً في ربح يتجاوز كثيرا فوائد البنوك والاستثمار المشروع فيكونون فريسة لهؤلاء النصابين، وبالنظر إلى هذه الواقعة التي استفحلت وزادت عن حدها لنجد الدولة في أقل من شهر مطالبة بالقبض على أكثر من 10 نصابين (مستريحين) في ثماني محافظات، بل الأكثر من ذلك أن الدولة مطالبة بإعادة أموال المنصوب عليهم من نصابيهم، ما يزيد على الدولة العبء الاقتصادي في ظل أزمة طاحنة يتم فيها جميع أموال الشعب لاستثمارها بطرق غير مشروعة، وإن كانت تجارة حلالا مخالفة للقانون ليجمع هؤلاء العشرة ما يقل عن المليار جنيه بقليل، وبالبحث عن الشق القانوني نجد أن تلك الواقعة مؤثمة بنصوص المادة 336 من قانون العقوبات بأن وصفتها النيابة نصب.
أما وإن كان توصيف النيابة للجرم بأنه توظيف للأموال فإن الواقعة تكون مؤثمة بنص المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 بشأن توظيف الأموال، فما الفارق بين التوصيفين وعقوبتهما؟
إن المادة 336 من قانون العقوبات تعاقب على النصب على أشخاص تربطهم علاقة أو صلة ما بالمتهم بالنصاب وهي جنحة ولا تتجاوز عقوبتها 3 سنوات.
أما المادة 21 من القانون 146 لسنة 1988 والخاص بشأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال واستثمارها فقد جاء في المادة 21 منه (أن كل من تلقى أموالاً على خلاف أحكام ذلك القانون أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 100.000 ولا تزيد على مثلي ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها، ويحكم على الجاني برد الأموال المستحقة لأصحابها أثناء التحقيق، وللمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى، ويعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى في ذات المادة كل من خالف المادة 217 من ذات القانون).
ومن خلال النظر إلى مادتي العقوبات سالفتي الذكر يتضح للقارئ الفارق الكبير بين توصفي العقوبتين وعقوبتهما والاختلاف في المادة 21 من القانون 46 لسنة 1988 والذي جعل العقوبة السجن وليس الحبس وإلزام الجاني (المستريح) برد المبالغ المتحصلة، واشترط أن يكون جمع تلك الأموال من المواطنين دون تمييز، أي من الجميع دون اشتراط علاقة أو سابق معرفة بين الجاني وضحاياه.
إن هذه الظاهرة ليست بالجديدة على المجتمع المصري بل استفحالها الذي طفا على المجتمع في الفترة الأخيرة والتي جمعت المليارات من أبناء الشعب المصري بطريق غير قانوني من أناس جشعين لم يعرفوا يوماً رحمة ولا شفقة، وإن كانوا يريدون العمل فقد نظم القانون ذلك ولم يتركهم سدى للقاصي والداني يتلاعب باقتصاد دولة عريقة كمصر، فقد جعل المشرع لمن أراد العمل بجد واجتهاد سبلا عديدة فهناك الشركات المساهمة لتمكن كل من أراد الاستثمار الحقيقي من جمع الأموال من المواطنين بالطريق الذي رسمه القانون، كما كانت الشركات ذات المسئولية المحدودة حيث يكون أحد مستثمريها أجنبيا، فقد حذرت الدولة مراراً وأذاع الإعلام مراراً وقائع مماثلة لهؤلاء المستريحين، ولكن خوف الضحايا من دفع ثمة أموال مستحقة للدولة يجعلهم يهرولون خلف تلك الفئة الضالة (المستريحين).
فكن حذراً صديقي القارئ
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب