دراساتسياسية

ميادة شكري تكتب.. تحول المشهد السياسي العالمي نحو حتمية وجود صوت إفريقي دائم في مجلس الأمن

بات من الضروري بشكل عاجل إصلاح مجلس الأمن الدولي، وتوسيع مقاعده وإعطاء الدول الأفريقية تمثيلا أكبر، نظرا لدورها المحوري في العديد من القضايا المطروحة على جدول أعمال المجلس، فتركيبته الحالية، التي تعكس توازن القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، لم تعد تتناسب مع الواقع الحالي، كما إن إصرار الدول الدائمة على استخدام حق النقض(الفيتو)، وتورطها في العديد من الصراعات العالمية، يضعف من قدرة المجلس على وظيفته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين.

لذا مثلت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأخيرة (أغسطس 2024)، حول ضرورة إصلاح مجلس الأمن ليشمل تمثيلا عادلا لأفريقيا؛ تتويجا لجهود طويلة الأمد بذلتها الدول الأفريقية في سياق تاريخي معقد، حيث عانت القارة الأفريقية من الاستعمار والتهميش في النظام الدولي([1])، وظلت مسألة توسيع مجلس الأمن وتضمين ممثلين دائمين عن القارة الأفريقية قضية محورية، وبرغم مرور عقود على تأسيس منظمة الأمم المتحدة ، لا تزال القارة التي تضم أكثر من مليار نسمة وثلث أعضاء الأمم المتحدة تفتقر إلى تمثيل عادل في أهم هيئة لصنع القرار في العالم، حيث  يعود هذا الطموح الأفريقي إلى أسباب وجيهة، إذ يسعى الأفارقة إلى ضمان تمثيل مصالحهم في القرارات الدولية التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم، وتعزيز دورهم في حفظ السلام والأمن الدوليين، وتحقيق التوازن في التمثيل الجغرافي داخل مجلس الأمن.

وسنحاول في هذه المقالة التركيز على أهمية زيادة تمثيل القارة الأفريقية في مجلس الأمن من خلال المحاور التالية:

أولا: مجلس الامن والية توزيع المقاعد الدائمة والغير دائمة.

ثانيا: أهمية التمثيل الافريقي العادل في مجلس الامن الدولي.

ثالثا: التنافس الافريقي على المقاعد الدائمة لمجلس الأمن الدولي.

رابعا: مقعد افريقيا الدائم  في مجلس الامن الجديد

 

أولا: مجلس الامن والية توزيع المقاعد الدائمة والغير دائمة.

يتكون مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة من خمسة عشرا عضواً، حيث يتم تقسيم الأعضاء إلى خمس أعضاء دائمين، وهم القوى العظمى التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، (الصين، فرنسا، روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً)، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية)، كما منحوا وحدهم حق النقض (الفيتو) وهو ما يمنح أي من هذه الدول الخمس منفردة،  حق  الاعتراض على أي من  قرارات مجلس الامن  وجعله قرار غير ملزم، كما يضم المجلس عشر أعضاء غير دائمين، يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة سنتين، تبعا للتقسيم الجغرافي للدول  لضمان تمثيل متنوع، فيما يمثل  الأعضاء الدائمون القوى التي شكلت العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، ودورهم في تأسيس منظمة الأمم المتحدة، أما الأعضاء غير الدائمين فهم يمثلون تنوع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة ويضمنون مشاركة أوسع في اتخاذ القرارات، حيث يتمتع مجلس الأمن بسلطة اتخاذ  قرارات ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكذلك سلطة تنفيذية في  فرض عقوبات، أو نشر قوات حفظ السلام، أو حتى التدخل العسكري في بعض الحالات.([2])

أما عن الألية الحالية لتوزيع المقاعد الافريقية داخل مجلس الامن، تحافظ الدول الافريقية على نمط دوران لمقاعدها تبعا لأقاليمها الفرعية الخمس (شمال أفريقيا، جنوب أفريقيا، شرق أفريقيا، غرب أفريقيا، ووسط أفريقيا)، حيث يتم دائما تخصيص ثلاثة مقاعد غير دائمة لأفريقيا.([3])

صوت أفريقي مجلس الأمن

ثانيا: أهمية التمثيل الافريقي العادل في مجلس الامن الدولي

بالرغم من تأثر القارة الافريقية بشكل مجحف بالصراعات العالمية، وتخصيص أكثر من 50% من اجتماعات مجلس الأمن و70% ([4])من قراراته للقضايا الأفريقية، إلا إن أفريقيا لاتزال ممثلة تمثيلا ناقصا بشكل صارخ في مجلس الأمن، ما دفع الجهود الإفريقية بالسعي نحو الطموح الافريقي لاستحقاق مقعدا دائماً على طاولة مجلس الامن، ليعكس هذا التمثيل الناقص ظلما تاريخيا وجب حتمية تصحيحه من خلال إصلاح المجلس وتوسيع مقاعدة.

ما دفع الاتحاد الأفريقي بجهود حثيثة  منذ عام 2005 إلى تبني موقفا موحدا بين الدول الافريقية عرف باسم إجماع إيزولويني، يهدف إلى تمثيل أفريقيا بشكل كامل في كافة أجهزة صنع القرار في الأمم المتحدة، وخاصة في مجلس الأمن، والذي أعلن فيه الاتحاد الأفريقي صراحة بغياب التمثيل القوي لأفريقيا تاريخيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقدرة القارة على التأثير والتأثر بالأحداث المطروحة على الساحة العالمية، فيما نادى الاتحاد الإفريقي وقتها إلى، ضرورة التمثيل الكامل في أجهزة صنع القرار في الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما طمح الاتحاد الأفريقي إلى أن يكون له صوت قوي في تشكيل السلام والأمن الدوليين، والذي يعني تفصيلا، منح افريقيا مقعدان دائمان يتمتعان بجميع الامتيازات، بما في ذلك حق النقض، وهذا يعني المساواة مع الأعضاء الدائمين الآخرين، فضلا عن منح افريقيا خمسة مقاعد غير دائمة العضوية، وهو ما من شأنه أن يزيد من نفوذ أفريقيا الإجمالي في المجلس، وبرغم معارضة الاتحاد الأفريقي لنظام الفيتو من حيث المبدأ، إلا أنه طالب أيضا بضمه إلى عضوية جميع الأعضاء الدائمين إذا ظل قائماً، فيما  يرى البعض أن هذا من قبيل الإنصاف كما أكد إجماع إيزولويني على ضرورة وضع معايير واضحة وشفافة لاختيار الممثلين الأفريقيين في مجلس الأمن، وذلك لضمان تمثيل عادل وكفؤ لجميع الدول الأفريقية، ويهدف الاتحاد الأفريقي من خلال هذه المعايير إلى تعزيز دور القارة في مجلس الأمن وضمان أن يكون صوتها مسموعًا في صنع القرارات الدولية.

إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم ناجح في إطلاق هذه المفاوضات، وقد يعزى ذلك إلى أن القوى الدائمة خاصة الصين وروسيا والولايات المتحدة، لم تكن راغبة بشكل عام وقتها في توسيع عدد مقاعد مجلس الامن الدولي، كما أن التنافس داخل المناطق أدى إلى تنافس الطامحين المتنافسين على مقاعد المجلس الدائمة ضد بعضهم البعض، فضلا عن المتنافسين الرئيسيين ضد خصومهم التاريخيين.

ثالثا: التنافس الافريقي على المقاعد الدائمة لمجلس الأمن الدولي.

رغم التوافق الظاهري على وحدة القارة، إلا أن التنافس على المقاعد الدائمة في مجلس الأمن كشف عن انقسامات عميقة بين الدول الأفريقية، فبينما تُعتبر مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا المرشحين الأوفر حظًا ([5])، إلا أن الهوية المزدوجة لمصر والتنافس الإقليمي بين الدول الأفريقية الكبرى، مثل كينيا والجزائر وإثيوبيا والسنغال، يضعف موقف القارة في المفاوضات الدولية، ورغم أهمية مبدأ الوحدة الأفريقية، إلا أن التحديات الداخلية تهدد بتقويض قدرة الاتحاد الأفريقي على تحقيق تمثيل عادل لأفريقيا في مجلس الأمن.

وبينما يسعى الاتحاد الأفريقي إلى تحقيق تمثيل عادل لأفريقيا في مجلس الأمن، تواجه القارة تحديات داخلية تعيق تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى التنافس بين الدول الأفريقية الكبرى على المقاعد الدائمة، بالإضافة إلى الهوية المزدوجة لبعض الدول (عربية وافريقية)، والذي يضعف موقف القارة في المفاوضات.

لذا يرى أن مبدأ الوحدة الأفريقية يظل حجر الزاوية في سياستها الخارجي برغم من أن التنافس على المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، سوف يكشف عن تحديات داخلية تهدد هذا المبدأ، فمثلا بينما تتمتع مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا بدعم كبير، إلا أن الدول الإقليمية الأخرى تطمح إلى تمثيل القارة في هذا المحفل الدولي، ولتحقيق تمثيل عادل لأفريقيا في مجلس الأمن، يتعين على الاتحاد الأفريقي تعزيز التضامن بين الدول الأعضاء والتوصل إلى توافق حول المرشحين الذين سيحملون لواء القارة في مجلس الامن الدولي.

رابعا: مقعد افريقيا في مجلس الامن الجديد

في سياق الوضع الراهن وإعادة تنظيم القوة العالمية الحالية، والتي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، تلوح في الأفق فرصة تاريخية محتملة لإعادة تقيم معاير المؤسسات العالمية، لاسيما إصلاح مجلس الامن الدولي، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة لتصريح مفاده “أنه لا يمكن قبول افتقار مجلس الأمن إلى صوت دائم لقارة أفريقيا” ([6]) والتأكيد على مكانة القارة الافريقية على الساحة العالمية وكونها كجزء لا يتجزأ من الأمن العالمي، والتشديد على أن عدم استقرار القارة من شانه التأثير سلبا على العالم أجمع، برغم التحديات المتعددة التي تواجه الدول الأفريقية، مثل الديون الخارجية، ونقص التمويل، والتغيرات المناخية، والصراعات المسلحة، ما يعكس ذلك اعترافا متزايدا بدور أفريقيا الفاعل في الشؤون الدولية.

وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول أهمية التمثيل العادل لإفريقيا في مجلس الامن، جاءت في اعقاب رئاسة دولة سيراليون، لمجلس الأمن أغسطس ([7])2024، حيث سنحت الفرصة لممثل افريقيا، جوليوس مادا بيو رئيس دولة سيراليون، لتشديد على ضرورة إصلاح المجلس ووصف الوضع بانه أصبح قضية لا تقبل الجدل، والتاكيد على مطالبة أفريقيا بمقعدين دائمين في مجلس الأمن ومقعدين غير دائمين إضافيين، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للمقاعد غير الدائمة للقارة خمسة مقاعد، على أن يقوم الاتحاد الأفريقي باختيار الأعضاء الدائمين الأفارقة.

وأشار إلى أن أفريقيا تطالب بإلغاء حق النقض (الفيتو)، مضيفا أنه إذا كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ترغب في الاحتفاظ بحق النقض، فلابد من توسيع نطاقه ليشمل جميع الأعضاء الدائمين الجدد كمسألة عدالة، مؤكدا على أن التمثيل الفعال لأفريقيا في مجلس الأمن أمر ضروري لعدة أسباب بما في ذلك شرعية المجلس، وتعزيز المساواة والعدالة، ومواكبة الحقائق العالمية والجيوسياسية الحالية، وصيانة السلم والأمن الدوليين بشكل فعال.

لذا يعكس هذا التصريح وجود إجماع أفريقي حول ضرورة إصلاح مجلس الأمن، ورؤية واضحة للإصلاح المطلوب، بما في ذلك الأرقام المحددة للمقاعد، وتمسك افريقيا بحقها في تمثيل عادل في مجلس الأمن، ورفض أي حلول وسطية، وهو ما يشير إلى وعي افريقي يخرج من رحم مظالم التهميش التاريخي، متحديا للنظام الدولي القائم، ومبشرا بنظام دولي جديد ربما ستنقلب فيه موازين القوى العالمية.

إن زيادة تمثيل القارة الأفريقية في مجلس الأمن من شأنه أن يعزز شرعية القرارات الدولية، ويقوي التعاون الدولي، ويُساهم في معالجة التحديات العالمية بشكل أكثر فعالية. ومع ذلك، فإن هذا التوسيع يتطلب إصلاحًا شاملاً لآليات عمل المجلس، بما يضمن الحفاظ على قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب.

ختام، إن توسيع مجلس الأمن وتضمين ممثلين دائمين عن القارة الأفريقية هو ضرورة تاريخية وإصلاح لا مفر منه، فالقارة الأفريقية بصفتها قوة صاعدة وفاعلة على الساحة الدولية، تستحق أن يكون لها صوت مسموع في أهم هيئة لصنع القرار في العالم، وعلى المجتمع الدولي أن يتحلى بالإرادة السياسية اللازمة لتجاوز الخلافات القائمة، والتوصل إلى توافق في الآراء حول كيفية إصلاح مجلس الأمن، بما يضمن تمثيلا عادلا وشفافا لجميع الدول الأعضاء.

 

[1] https://news.un.org/ar/story/2024/08/1133376

[2] https://main.un.org/securitycouncil/ar/content/what-security-council

[3] https://www.securitycouncilreport.org/atf/cf/%7B65BFCF9B-6D27-4E9C-8CD3-CF6E4FF96FF9%7D/unsc_elections_2024.pdf

[4] https://www.researchgate.net/profile/Matias-Spektor/publication/371951167_UN_Security_Council_Reform_What_the_World_Thinks/links/649dcbcdb9ed6874a5e70634/UN-Security-Council-Reform-What-the-World-Thinks.pdf

[5] https://www.researchgate.net/profile/Matias-Spektor/publication/371951167_UN_Security_Council_Reform_What_the_World_Thinks/links/649dcbcdb9ed6874a5e70634/UN-Security-Council-Reform-What-the-World-Thinks.pdf

[6] https://news.un.org/ar/story/2024/08/1133376

[7] https://news.un.org/ar/story/2024/08/1133376

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى