
إعداد الباحثة/ آلاء أحمد الدالي
تشهد الساحة العالمية-في عصرنا الراهن- العديد من التوترات السياسية بين الدول و تفاقم الصراعات المسلحة، حيث تتجاوز آثارها حدود المناطق المتأثرة بالنزاع؛ لأن الحروب ليست مجرد صراعات بين أطرافها فقط، بل هي أحداث تتشابك فيها المصالح الدولية التي ينتج عنها تحديات جسيمة تهدد الأمن و الاستقرار العالمي. كما تتنوّع الأسباب التي تؤدي إلى هذه النزاعات، و على سبيل المثال و ليس الحصر: القضايا السياسية، أو الاقتصادية، أو الدينية. و في هذا المقال، سنستعرض بعض الصراعات الحالية المتواجدة على الصعيد الدولي، و هم (الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب بين الكوريتين الشمالية و الجنوبية)، كما يشمل المقال جذور هذه الحروب و النتائج المترتبة عليها وصولًا إلى أحدث التطورات فيها. ننتقل بعد ذلك لنتناول هذه الحروب بشيء أكثر تفصيلًا.
أولًا: الحرب الإسرائيلية الفلسطينية
يعتبر الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني أكثر الصراعات المعقدة في التاريخ الحديث؛ لارتباطه بعوامل سياسية و دينية و تاريخية. حيث بدأ عقب انسحاب الولايات المتحدة من فلسطين في الربع الثاني من القرن العشرين و الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل الأمم المتحدة، مستشهدة بوجود روابط تربطهم بالأراضي الفلسطينية، لتصبح الأراضي الفلسطينية مقسمة إلى دولتين: يهودية و فلسطينية. رفض العرب القرار الصادر فنشبت حرب في أواخر أربعينات القرن الماضي أسفرت الحرب عن تهجير مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين وهو ما يعرف بالنكبة. منذ ذلك الحين، تزايدت الصراعات بينهما. وفي ستينيات القرن الماضي، نشبت حرب الأيام الستة، التي نتج عنها استيلاء الكيان الصهيوني على غزة و شبه جزيرة سيناء و الضفة الغربية و القدس الشرقية العربية. علاوة على ذلك، اندلاع فيما يعرف بحرب يوم الغفران و كانت أطرافه: سوريا و مصر ضد الكيان الصهيوني، و انتهت الحرب بأن استطاعت إسرائيل صد جيوش الطرف الآخر. توالت الصراعات بينهما حتى السنة الخامسة من القرن الحالي حيث انسحبت قوات العدو من قطاع غزة و فوز حماس بالانتخابات البرلمانية في السنة التالية، و من ثم اندلاع معارك كبرى بين كليهما حتى بلغت أشدها في عام 2023 عندما اقتحم مسلحو حماس جنوب إسرائيل من غزة، مما أسفر عن مقتل ما يتعدى ألف إسرائيلي و 253 رهينة. فقام الكيان الصهيوني بحملة عسكرية و حصار كامل ردًا على حركة حماس، و نتج عنها عشرات الآلاف من الضحايا منهم نساء و أطفال؛ و كذلك تفاقمت الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة حيث تعرضت البينة التحتية للقصف و سرعان ما تحولت لإبادة جماعية.
أدى النزاع إلى نزوح العديد من المدنيين قابله تحديات كبيرة في تقديم المساعدة للمتضررين. كما تباينت ردود الفعل من دول العالم، فبعضها دعم إسرائيل و أبرزهم البيت الأبيض حيث قام بتأييد الكيان في حقه في الدفاع عن النفس، و البعض الآخر أعرب عن تضامنه مع غزة. على سبيل المثال و ليس الحصر: حركة الحوثيين اليمنية، حيث قامت بشن هجمات متفرقة ضد الكيان الصهيوني؛ تضامنًا مع فلسطين، ثم قامت بتوسيع هجماتها مستهدفة السفن الإسرائيلية و البريطانية و الأمريكية في خليج عدن و البحرين العربي و الأحمر، مما استدعى الدول الثلاث للرد علي الحوثيين في اليمن. كما قامت إيران بعمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي. علاوة على ذلك، إدانة مصر العنف من الطرفين كما لها دور بارز في دعم غزة، بجانب تأييد الدول العربية (مثل: الأردن و قطر) و الدول الإسلامية (مثل: تركيا و إيران) في دعم حقوق الفلسطينيين.
استمرت الأعمال العدوانية ضد القطاع حيث بلغ عدد القتلى أكثر من ٤٧ ألف مواطن بما في ذلك يحيى السنوار والقائد العسكري محمد ضيف ونائب ضيف مروان عيسى “كبار قادة حركة حماس”، فضلًا عن إصابة ما يصل إلى ١١١٥٨٨ جريحًا، بجانب نزوح حوالي 90 فالمائة من سكان القطاع. إن أحدث التطورات في هذه الحرب تمثلت في أنه تم الإعلان رسميًا عن اتفاق وقف إطلاق النار في 15 يناير من العام الحالي بعد الجهود المصرية و الأمريكية و القطرية الواضحة؛ لتحقيق الاستقرار في القطاع. مما ترتب عليه تضمن الاتفاق ثلاثة مراحل. حيث بدأت المرحلة الأولى في السريان في 19 يناير و التي شملت عودة آلاف النازحين إلى الأراضي الفلسطينية مع وقف إطلاق النار و وصول المساعدات الإنسانية و مستلزمات الدفاع المدني للقطاع . بالإضافة إلى السماح للمرضى بالمغادرة؛ لتلقي العلاج . تستمر المرحلة الأولى لمدة 42 يومًا على وقف إطلاق النار مقابل عدم عودة حماس لحكم غزة. كما يرتبط التزام حماس بالاتفاقية بالتزام الكيان الصهيوني لها و عدم نقضه للاتفاق .
ثانيًا: الحرب الروسية الأوكرانية
تمثل الحرب الروسية الأوكرانية أكبر صراع مسلح في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت الحروب الحديثة بينهما في العقد الثاني من القرن الحالي، حيث انتهكت الحدود الأوكرانية المعترف بها دوليًا من خلال دخول روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني واحتلالها، لتتوالى بعدها محطات الحرب في الأعوام التالية. و في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي بلغت الحرب بين الدولتين أشدها؛ بسبب تعزيز أوكرانيا في التقارب و الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي و حلف الناتو؛ مما يمثل خطرًا على الأراضي الروسية خاصةً إذا نشرت قوات لحلف الناتو أو صواريخ دفاعية فيها. فنتج عن هذه الحرب خسائر كثيرة ومقتل ما يتعدى المليون شخصًا. فأحدث ما أصدرته وزارة الدفاع الروسية، بتاريخ ٢٨ يناير ٢٠٢٥، بيانًا ينص على ” إن عدد الخسائر بلغ 330 عسكريًا، و 4 آليات قتالية مدرعة، بينها ناقلتا جند مدرعتان من طراز “إم 113″ أمريكية الصنع، ومحطتين للحرب الإلكترونية، وتم تدمير 4 مدافع ميدانية، ، ومستودعين للذخيرة، و6 سيارات. كما تمكنت روسيا من السيطرة على بلدة دفوريشنايا في مقاطعة خاركيف، شرقي أوكرانيا”. و بذلك ارتقع عدد القتلى الأوكرانيين ليصل إلى أكثر من ١١ ألف مدني و إصابة أكثر من ٢٩ ألفًا منذ بداية الحرب، و ذلك وفقًا لتقدير الأمم المتحدة، كما أوضح الرئيس الأوكراني سابقًا أن عدد القتلى بلغ أكثر من ٣١ ألف جنديًا، و على الرغم من احتفاظ كلا الدولتين بسجلات الخسائر العسكرية باعتبارها أسرار أمنية إلا أن عدد الضحايا وفقًا لمعظم التقديرات مستندة على التقارير الاستخباراتية إلى حد كبير تعدى الآلاف من القتلى و الجرحى من كلا الجانبين.
ثالثًا: الحرب بين كوريا الشمالية والجنوبية
ترجع جذور الحرب بين الكوريتين إلى منتصف القرن الماضي عندما تقاسم كلًا من الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة السيطرة على شبه الجزيرة الكورية بعد أن كانت دولة واحدة تحت الاحتلال الياباني، و من ثم الاتفاق على إدارة مزدوجة، فأصبح السوفييت ذات الأيدولوجية الشيوعية يسيطر على كوريا الشمالية، و سيطرت الولايات المتحدة ذات الأيدولوجية الرأسمالية على كوريا الجنوبية. و نتيجة لاختلاف أيدولوجية الدولتين مع رغبة كل منهما في نشر أفكاره ورفض الاعتراف بالآخر نشب أول عمل عسكري في خمسينيات القرن العشرين عندما تخطى الجنود الشماليين _بدعم من روسيا_ الحد الفاصل مع الجنوب؛ رغبةً في السيطرة على شبه الجزيرة الكورية بالكامل و جعلها دولة شيوعية موحدة. استمرت الحرب لمدة ثلاث سنوات و انتهت باتفاقية وقف إطلاق النار. ثم بعد ذلك، تأرجحت العلاقة بين الكوريتين بين الصراع و السلام حتى أوائل العقد الثالث من القرن الواحد و العشرين عندما تولى يون سوك يول رئاسة كوريا الجنوبية الذي نتج عنه تدهور واضح في العلاقة بينهما. بالإضافة إلى العديد من التهديدات و استعراضات القوة بواسطة كوريا الشمالية. علاوة على ذلك، تجاوزها للحدود البحرية مع الجنوب من خلال قيامها بتوسيع نطاق تجارب الصواريخ. كما كانت كوريا الجنوبية ترد على ذلك منفردة أو مع الولايات المتحدة.
تعتبر النقطة الفارقة في العلاقات بين بيونغ يانغ و سيول في السنة التالية من تجاوزها للحدود، حيث انسحبت بيونغ يانغ من الاتفاق الموقع عام 2018؛ منتهكة نص الاتفاقية الذي تضمن تحديد منطقة ممنوعة الطيران. تلتها انسحاب سيول من الاتفاقية كليًا في منتصف العام الماضي؛ نتيجة إرسال بالونات إلى كوريا الجنوبية تحمل مخلفات بشرية و صناعية بواسطة كوريا الشمالية. و مع عزل الرئيس يون سوك يول في نهاية نفس العام حدثت فوضي سياسية في الجنوب، و على الصعيد الآخر أصبح الشمال أكثر تجهيزًا لإجراءات الردع الحربي للقوات المسلحة. استكمالًا، العلاقة بين موسكو و بيونغ يانغ أصبحت أكثر عمقًا مؤخرًا حيث أرسلت كوريا الشمالية جنود بلغ عددهم نحو ١٢ ألف جنديًّا؛ لدعم روسيا في حربها القائمة ضد أوكرانيا؛ مما أثار قلق سيول بشأن اعتبار ذلك استعراض لقوة بيونغ يانغ أمام الجنوب، و تمهيدًا لحدوث أي استفزاز من قبل الشمال. كما يتجهز الجنوب للرد على أي استفزاز وارد من الشمال. و بذلك، لا تزال العلاقات الكورية منذ أكثر من سبعين عامًا متوترة كما تشهد حالة من عدم الاستقرار حتى الآن.
بناءً على ما سبق ذكره، يُرى أن الأحداث العالمية غير مستقرة كما أنها ذات تأثير عميق في النظام الدولي، حيث أن استمرار الصراعات يؤدى إلى المزيد من الخسائر البشرية و زيادة ظاهرة الهجرة و أعداد اللاجئين ، بجانب استنزاف العديد من الموارد و تفاقم الأزمة الاقتصادية و الإنسانية في العالم. كما يمكن أن تنتشر حالة من الاستقطاب العالمي نتيجة خلق تكتلات جديدة تتبنى مواقف متعارضة؛ مما ينتج عنه تصادم مع الدول الكبرى و تفكك التعاون الدولي. لذلك تبقى الحاجة الملحة للحوار و السلام؛ لتفادي أي كوارث قد تنتج عن تأزم هذه النزاعات.
المــــــراجــع
الحرب بين الكوريتين :
https://rb.gy/eicojh
https://rb.gy/1i6fuq
https://rb.gy/buddqt
https://rb.gy/t0zokx
https://shorturl.at/QUKNC
https://short-link.me/OWWU
https://www.voakorea.com/a/7921339.html
https://shorturl.at/Vm98t
الحرب الإسرائيلية الفلسطينية:
https://www.bbc.com/news/newsbeat-44124396
https://www.siyassa.org.eg/News/21875.aspx
https://short-link.me/OWX9
https://short-link.me/OWWI
https://shorturl.at/CnuHu
https://shorturl.at/tOJk2
https://shorturl.at/Ocusj
الحرب الروسية الأوكرانية :
https://short-link.me/RrgM
https://short-link.me/Rrh3
https://short-link.me/OWWz
https://rb.gy/p6km17