عماد اليماني يكتب.. التوازن في سياسة مصر الخارجية: ركيزة الاستقرار ودعامة الحضور الإقليمي

لطالما اتسمت السياسة الخارجية المصرية بالتوازن والاعتدال، وهي سمة راسخة في العقيدة الدبلوماسية المصرية منذ عقود، تعززت أكثر في السنوات الأخيرة مع تعقّد المشهدين الإقليمي والدولي. وقد أصبحت هذه السمة اليوم ضرورة لا غنى عنها في عالم يزداد استقطابًا وتنافسًا بين القوى الكبرى، وتتكاثر فيه بؤر النزاع والاضطراب. وفي هذا السياق، تمثل سياسة التوازن خيارًا استراتيجيًا يهدف إلى حماية المصالح الوطنية، وتعزيز الاستقرار الداخلي، وترسيخ مكانة مصر كفاعل محوري في الإقليم.
اقرأ أيضا: مصر في أسبوع.. “مدينة مستقبل مصر الصناعية”.. خطوة واعدة في حلم بناء اقتصاد متنوع ومستدام
ثوابت السياسة الخارجية المصرية
تقوم السياسة الخارجية المصرية على عدة ثوابت راسخة، من أبرزها: احترام سيادة الدول، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، دعم الحلول السلمية للنزاعات، والعمل على تحقيق الأمن الجماعي العربي والإفريقي. وترتبط هذه الثوابت بإيمان راسخ بأهمية الحفاظ على الأمن الإقليمي والانسجام الدولي كأرضية لازدهار الشعوب وتنميتها.
وقد عكست مواقف مصر في عدد من القضايا الكبرى التزامًا بهذه المبادئ، سواء في القضية الفلسطينية، أو الأزمات في ليبيا وسوريا والسودان، أو في النزاعات الحدودية في شرق إفريقيا. في كل هذه الملفات، تسعى مصر إلى الدفع نحو الحوار، ونبذ الصراعات المسلحة، وتغليب لغة الدبلوماسية على منطق القوة.
توازن العلاقات بين القوى الدولية
أحد أبرز تجليات التوازن في السياسة الخارجية المصرية يتمثل في قدرتها على الحفاظ على علاقات قوية ومتوازنة مع مختلف القوى الدولية المتنافسة. فمصر اليوم تمتلك شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة، في ظل تحالفات أمنية وتعاون عسكري طويل الأمد، كما تربطها علاقات اقتصادية وسياسية متنامية مع روسيا والصين، ضمن رؤية شاملة للتعددية في العلاقات الدولية.
ولم تغفل القاهرة أهمية التكامل مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ملفات الاستثمار والطاقة ومكافحة الهجرة غير النظامية. وتدير مصر هذا التنوع في العلاقات من منطلق استقلالية القرار الوطني، دون الانخراط في محاور متضادة أو تحالفات مغلقة.
الدور الإقليمي والتوازن بين الأدوار
على الصعيد الإقليمي، تسعى مصر إلى استعادة موقعها الطبيعي كدولة مركزية في محيطها العربي والإفريقي والمتوسطي. ويتجلى هذا في التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقودها القاهرة في قضايا حيوية، مثل مفاوضات سد النهضة، أو دعم الاستقرار في السودان وليبيا، أو جهود المصالحة الفلسطينية.
وقد برزت مصر كقوة وسيطة مقبولة لدى جميع الأطراف، مستفيدة من توازنها السياسي، وابتعادها عن الاصطفافات الحادة. ولعل دورها في التهدئة بين الفصائل الفلسطينية في غزة، أو دعمها لحوار الفرقاء الليبيين، يعكس هذا التوازن النشط الذي لا يقف عند الحياد، بل يميل نحو الفاعلية والبناء.
التحديات المستقبلية والحفاظ على التوازن
رغم ما حققته مصر من نجاحات في ترسيخ نهج التوازن، إلا أن هذا المسار يواجه تحديات كبيرة. من بينها تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، والضغوط المرتبطة بملفات الاقتصاد والطاقة، والتغيرات في أولويات بعض الحلفاء الإقليميين والدوليين. كما يشكل الملف المائي، وتحديدًا أزمة سد النهضة، اختبارًا حقيقيًا لقدرة مصر على الجمع بين الحزم والدبلوماسية.
وفي مواجهة هذه التحديات، تواصل مصر تطوير أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما يضمن قدرتها على المناورة الذكية، وتحقيق المكاسب الاستراتيجية دون التفريط بالثوابت.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب