جمال المحلاوي يكتب.. سياسة ترامب في الشرق الأوسط: جرأة القرارات وتداعياتها
في عالم السياسة، حيث تتشابك المصالح وتتصارع الأجندات، برزت سياسة الرئيس الأمريكي السابق *دونالد ترامب* تجاه الشرق الأوسط كفصلٍ مثير للجدل في تاريخ العلاقات الدولية. حملت قراراته بصمة الجرأة، واتسمت بإعادة رسم خريطة التحالفات والصراعات في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا. في هذا المقال، نستعرض أبرز محطات سياسة ترامب في الشرق الأوسط، مع نظرة استشرافية لما قد تحمله الفترة الرئاسية الجديدة.
-القدس وصفقة القرن: تحولات جذرية في القضية الفلسطينية
في خطوةٍ غير مسبوقة، أعلن ترامب في ديسمبر 2017 اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. هذا القرار، الذي جاء كصاعقةٍ هزت المنطقة، أثار غضب الفلسطينيين وانتقادات دولية واسعة، حيث اعتُبر خروجًا صارخًا عن الإجماع الدولي بشأن وضع القدس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي يناير 2020، كشف ترامب عن خطته للسلام، التي أُطلق عليها “صفقة القرن”. هذه الخطة، التي تضمنت إبقاء القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وفرض قيودٍ على السيادة الفلسطينية، قوبلت برفضٍ قاطع من القيادة الفلسطينية، التي رأت فيها انحيازًا كاملًا لإسرائيل.
غير أن ترامب نجح في تحقيق إنجازات دبلوماسية أخرى، حيث شهدت فترته توقيع عدة اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب. هذه الاتفاقيات، التي جاءت بوساطة أمريكية، غيرت ديناميكيات العلاقات الإقليمية.
*المواجهة مع إيران: من الانسحاب النووي إلى حافة الهاوية*
في مايو 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران. هذا القرار، الذي وُصف بالزلزال السياسي، أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة، حيث ردت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى وتصعيد أنشطتها العسكرية.
وتصاعدت المواجهة إلى ذروتها في يناير 2020، عندما أمر ترامب باغتيال الجنرال الإيراني *قاسم سليماني في بغداد بضربة جوية. هذه الخطوة، التي أثارت موجة غضبٍ عارمة في إيران والعراق، دفعت المنطقة إلى حافة المواجهة العسكرية المباشرة، وكشفت عن مدى هشاشة الأوضاع في الشرق الأوسط.
*دعم الحلفاء الخليجيين: السعودية في قلب الاستراتيجية*
دعم ترامب السعودية بقوة، خاصة في حرب اليمن، حيث وافق على صفقات أسلحة ضخمة للمملكة. كما وقف إلى جانب الرياض خلال أزمة خاشقجي (2018)، رغم الانتقادات الدولية التي طالبت بتحقيق مستقل في الحادثة.
إضافة إلى ذلك، واصل ترامب دعم التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وأعلن هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، رغم الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من سوريا. هذه الخطوة، التي أثارت انتقاداتٍ واسعة، كشفت عن رغبة ترامب في تقليل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، مع التركيز على شعار “أمريكا أولاً”.
*الانسحاب من الصراعات: تقليص الوجود العسكري*
في أكتوبر 2019، أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، مما أتاح لتركيا شن عملية عسكرية ضد الأكراد. هذا القرار، الذي وُصف بالتخلي عن حليفٍ استراتيجي، أثار انتقاداتٍ داخلية ودولية، وكشف عن رؤية ترامب لإعادة تشكيل الدور الأمريكي في المنطقة.
كما هدد ترامب بفرض عقوبات على العراق إذا طالبت بانسحاب القوات الأمريكية من أراضيها، خاصة بعد اغتيال سليماني. هذه التهديدات، التي جاءت في سياق تصاعد التوترات مع إيران، أظهرت مدى تعقيد العلاقات الأمريكية العراقية في ظل سياسة ترامب.
*توتر العلاقات مع تركيا: حليفٌ يتحول إلى خصم*
شهدت العلاقات الأمريكية التركية توترًا كبيرًا خلال فترة ترامب، خاصة بسبب دعم واشنطن للأكراد في سوريا، وشراء تركيا لأنظمة دفاع جوي روسية (S-400). هذه الخلافات أدت إلى فرض عقوبات على أنقرة، مما زاد من حدة التوتر بين الحليفين التقليديين.
*استشراف الفترة الرئاسية الجديدة: ما الذي يمكن توقعه؟*
في الفترة الرئاسية الجديدة وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن تستمر سياساته في الشرق الأوسط بنفس النهج القائم على تعزيز المصالح الأمريكية المباشرة، ومواجهة إيران، ودعم إسرائيل والحلفاء الخليجيين.
من المرجح أن يشهد الملف الإيراني تصعيدًا جديدًا، خاصة مع احتمال انهيار مفاوضات الاتفاق النووي بشكل نهائي. كما قد تشهد العلاقات مع تركيا مزيدًا من التوتر إذا استمرت أنقرة في تعزيز علاقاتها مع روسيا.
في المقابل، قد تشهد المنطقة مزيدًا من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، خاصة مع وقف الحرب في غزة.
*الخلاصة: جرأة القرارات وتداعياتها*
سياسة ترامب في الشرق الأوسط كانت مزيجًا من الجرأة والجدل، حيث أدت قراراته إلى تغييرات كبيرة في ديناميكيات المنطقة، لكنها أيضًا زادت من حدة التوترات في بعض الأحيان. في حال عودته إلى السلطة، من المتوقع أن تستمر هذه السياسات، مع تركيز أكبر على تعزيز النفوذ الأمريكي ومواجهة التحديات الإقليمية.
في النهاية، تبقى سياسة ترامب في الشرق الأوسط فصلًا مثيرًا للجدل في تاريخ العلاقات الدولية، حيث الجرأة في القرارات تتناسب طرديًا مع حجم التحديات والتداعيات. ويحق للمؤرخين بعد ذلك تسمية تلك الفترة بالحقبة الترامبية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب