أحمد شيخو يكتب.. سوريا بين الإرادات الإقليمية والفتن بين تكويناتها الاجتماعية
ما زالت معاناة الشعب السوري يتفاقم ويكبر منذ ١٢ سنة، وخاصة مع عدم وجود نتائج ملموسة لتفاعل المنظومة العربية مؤخراً نظراً بعوامل عديدة منها وجود إرادات إقليمية تحتل وتتدخل في سوريا، وليس من صالحهم وجود دور عربي فاعل ومؤثر ومتوازن ومدرك للحقيقة السورية وعلى مسافة واحدة من كل الأطراف الوطنية السورية.
كما أن هذه الإرادات الإقليمية ورعاتهم الدوليين، أصبحت تتحكم في المشهد السوري الأمني والسياسي والاقتصادي إلى حد كبير وبأبعاده الدولية عبر علاقاتهم ووجدهم ضمن مسار آستانا الذي خدم الأجندات الإقليمية والدولية بشكل كبير على حساب مصالح ووحدة وسيادة سوريا وشعبها.
ولو نظرنا إلى المشهد السوري المعقد في الأشهر والأسابيع الأخيرة لا بد من أن نلاحظ ونشير إلى عدد من النقاط:
- التصريحات والمواقف التركية، الصادرة من دولة الاحتلال التركية التي تحتل (10%) من مساحة سوريا في شمالها الغربي والشرقي، هذه التصريحات التي تؤكد بلا شك أننا أمام حالة تكرار لقبرص سورية أو دويلة للإخوان المسلمين الإرهابيين وجبهة النصرة ومعهم جملة الفصائل الإرهابية التي قامت أمريكا مؤخراً بفرض عقوبات على أبرزهم كالعمشات والحمزات وأحرار الشرقية وغيرهم، إضافة إلى سعي تركيا المستمر لتغيير ديموغرافية مناطق الاحتلال وبناء المستوطنات للجماعات المتشددة الموالية لتركيا بأموال قادمة من جمعيات الإخوان حول العالم ومن بعض الدول العربية القريبة للسلطات التركية أيدولوجياً مع الآسف.
- الإصرار الإيراني والروسي على أخذ السلطة السورية وقرارها السيادي في دمشق رهينة وتابعة لهم ولأجندتهم الاستراتيجية، تحت حجة أنه لولا تدخل إيران عام ٢٠١٣مع القوات التابعة لها وكذلك طلبها من الروس عام 2015 التدخل لما استطاعت السلطة في دمشق البقاء حتى الآن، والمؤكد أن سلطة دمشق وخاصة بعد بدئها توسيع سيطرتها من (18%) وقت دخول الروس مع الإيرانيين إلى(60%) الحالية، فإنها ليست وحدها القوى الفعلية الحاكمة في مساحة 40% التي تم إخراج المسلحين منها، بل حتى أنه ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية في دمشق يتقاسمها النفوذ الإيراني والروسي.
- تم أخذ سوريا وشعبها وأرضها ساحة لتصفية الحسابات وصراعات الهيمنة الإقليمية والعالمية بين القوى المختلفة، بين روسيا وأمريكا من ناحية وبين إيران وإسرائيل من ناحية أخرى وأيضاً بين أمريكا وإيران وغيرهم، وكأنه على الشعب السوري أن يتحمل تبعات كل الأزمات العالمية وتناقضاتها على أرضه، كما هي العراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن وغيرهم.
- محاولة قوى مختلفة استبدادية وقمعية وإرهابية وإقليمية احتلالية، تجمعها العداء لأي مشروع استقرار في سوريا أو أي مشروع وطني سوري ديمقراطي، كمشروع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، الذي حارب إرهاب داعش وانتصر عليها وقاوم الاحتلال التركي ومازال، بمحاولة بث الفتنة والفرقة بين أبناء المكونات السورية المتماسكة والمتعاونة، ومحاولة الدفع بحالة الفوضى والتوتر والاقتتال إلى أعلى مستوياتها وتوظيف ذلك لأهداف سلطوية وهيمنة، وكذلك استغلال أية مطالب مجتمعية أو شعبية محقة في غير موضعها واتجاهها، كما حصل في فتنة دير الزور الأخيرة والتي حسمها قوات سوريا الديمقراطية بتعاون وتكاتف العشائر والتكوينات العربية والكردية حول قوات سوريا الديمقراطية ومشروعها الوطني الديمقراطي.
مراقف الجامعة العربية الأخيرة بناءة ومفيدة ولكنها يمكن أن تكون أكثر فعالية:
في الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية على مستوى الوزراء مع اليابان، وفي البيان الختامي، أكدت الدول العربية على وحدة سوريا وسيادتها، وعلى أهمية محاربة الإرهاب، وضرورة الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرار ٢٢٥٤ الخاص بالتسوية السياسية وعلى أهمية التفاعل العربي مع سوريا عبر لجنة التواصل العربية.
في المجمل نعتقد أن هذه المواقف العربية جيدة وبناءة ومفيدة، ولكن يمكن أن تكون المنظومة العربية أكثر فعالية وواقعية ومصداقية في المستقبل السوري، إذا كان هناك قراءة أكثر دقة وتفصيلية لواقع الأزمة السورية وحالتها الراهنة والتحديات الموجودة، فالاحتلال التركي وممارسات التتريك ودويلة الإخوان ومستوطنات التغيير الدموغرافي ودعم الإرهاب وتأمين مناطق آمنة للإرهابيين تحت الاحتلال التركي، تشكل أهم العقبات والتحديات أمام أية تسوية سياسية في سوريا، ولقد أشارت الجامعة العربية لمحاربة الإرهاب في سوريا، ولكن نحن السوريون وكذلك كل العالم وحتى الجامعة العربية تعلم أن ثلاثة مما يسمى خلفاء الدواعش كانوا في حماية الجيش والاستخبارات التركية والمرتزقة التابعة لهم في مناطق احتلالها، وكذلك فإن الجامعة العربية أكدت على وحدة سوريا وسيادتها، ولكن تركيا هي التي تحاول فرض التتريك وتقسيم سوريا ومحاولات تهيئة الأرضية والظروف والشروط للضم، ويتواجد أكثر من ١٢٥ قاعدة وموقعاً تركياً محصناً فيه آكثر من ٣٠ ألف عسكري تركي. أما الحل السياسي والقرار الدولي ٢٢٥٤ فإن تركيا وروسيا هم من فصلوا اللجنة الدستورية وأوقفوا عملها بعد الحرب والأزمة الأوكرانية، واستبعدوا إحدى أهم القوى والمكونات السياسية والعسكرية على الأرض في سوريا وهي قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وفي الغالب لو حاولنا أن نطبق قرارات ومواقف الجامعة على السلوك التركي في سوريا، فإننا أمام أكبر تحدٍ لموقف الجامعة في سوريا وهو الاحتلال التركي ومواقف السلطات التركية التي ترفض الانسحاب وتدعم الإرهاب وتعمل على تقسيم سوريا، إضافة للتدخل الإيراني والرغبة الروسية في جعل سوريا إحدى مقاطعاتها وجمهورياتها، حتى لو كانت بالتوافق والتقسيم مع إسرائيل أو أمريكا أو أية قوى تضمن مصالحها ووجود قواعدها في سوريا.
الإعلام المضلل للإخوان الإرهابيين
ولكن من جانب آخر، لو نظرنا لحالة الإعلام الذي يتناول الشأن السوري وحمالات التشويه والتضليل والقذف والسب التي استهدفت قوات سوريا الديمقراطية والمكون الكردي وعلاقته الأخوية التاريخية مع المكون العربي وبنيتها العشائرية، في الأيام الأخيرة، سنجد مع الآسف كمية ضخمة من الأكاذيب والمعلومات المفبركة وحملات التشويه وخطاب الكراهية والعنف والفتنة، وخاصة تلك القنوات والوسائل الإعلامية التابعة والممولة من حركات الإخوان الإرهابية وراعيتهم تركيا وقطر الذين يمارسون الحرب الخاصة عبر الأدوات الإعلامية ومراكز البحث الخلبية وشراء الأقلام والنفوس الضعيفة الرخيصة ووسائل التواصل الاجتماعية، وكذلك سنجد ليس بأقل منها في الوسائل المحسوبة على إيران وحكومة دمشق الذين يعلمون قسوة الحالة التي وضعوا الشعب السوري فيه، ولكنهم يفضلون القفز فوق الوقائع والسيطرة على مقاليد الحكم والجغرافية السورية المهم لهم مهما كانت، ويستمرون في كذبهم ونفاقهم بأنهم هزموا المؤامرة الكونية عليهم، مع العلم الليرة السورية وصلت لأكبر انهيار في تاريخ سوريا قبل أيام، ووصلت الدرجة أن بعض السوريين يبيعون أبناءهم وأعضاءهم حتى يتمكنوا من العيش في مناطق حكومة دمشق وإيران وروسيا مع تحول جنوب سوريا لمصنع للمخدرات والكبتاغون الذي يصدر حتى بالطائرات الإيرانية المسيرة عبر الحدود الأردنية إلى الدولة الخليجية.
طرد المحتل التركي هو المدخل الصحيح لوحدة وسيادة سوريا
أمام هذا المشهد المعقد، نعتقد أن التحول الديمقراطي والتسوية السياسية في سوريا والاستمرار في محاربة الإرهاب ومقاومة الاحتلال التركية وإخراجها ورفض التدخلات الأخرى، والبقاء على مسافة وحدة من القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا ذات التعدد التكويني العرقي والديني والمذهبي والمناطقي المختلف، هو المدخل الصحيح للحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، أما تكرار المواقف والبيانات المعروفة لا توثر بشيء رغم أهميتها وتقديرها، واستمرار الأزمة السورية لأكثر من عقد دليل على ذلك، ولعل الاحتجاجات والمظاهرات الحاصلة في السويداء مؤخراً، تؤكد للجميع أن سوريا القديمة المركزية ذهبت بلا رجعة، وأن نظام حزب البعث وقمعه لا يستطيع أن يكون الجواب لأهل السويداء الشرفاء الذين قالوا كلمتهم بضرورة تطبيق القرار الدولي 2254 الخاص بالحل في سوريا وخلاص الشعب السوري من المعاناة القاسية في داخل سوريا وخارجها.
لا يمكن أن تنجح محاولات خلق الفتن وتصدير الأزمات من غرب الفرات لشرقها ومن السويداء لدير الزور ومنبج، ولا يمكن أن تخدع النصرة والقاعدة وداعش وكذلك ما يسمى مليشيات الدفاع الوطني أنهم يدافعون عن الهياكل المجتمعية العربية القبلية والعشائرية، في هجماتهم واعتداءاتهم على القرى والمدنيين والأطفال والنساء والمؤسسات الخدمية كما حصل في شرق دير الزور ويحصل في شمال وغرب منبج وفي منطقة الشهباء.
وعلية، نجد أن سوريا أمام تحديات داخلية وخارجية كبيرة لوحدتها وسيادتها ولوجود الوطن والدولة السورية بالأساس، ومن أخطر هذه التحديات والمخاصر هو الاستراتيجية والتكتيكات التركية المستمرة، للانقضاض على سوريا وشعبها وبالتعاون مع إيران وربما روسيا وأمريكا، وحينها لا تنفع كل الاجتماعات والبيانات والمواقف الشكلية التي نراها حالياً.
التفاعل المدرك للخارطة السورية والوحدة الديمقراطية العربية الكردية ضمانة لحل الأزمة السورية وحفاظ وحدتها
نعتقد أن التفاعل الواجب والضروري مع الأزمة السورية، يجب أن يكون متوازناً ومدركاً للخارطة السياسية والأمنية والاجتماعية بعد ١٢ سنة، وكذلك لخارطة توزع القوى الديمقراطية والتكوينات الاجتماعية الوطنية التي تهمها التلاقي مع الدول والشعوب العربية لحل الأزمة السورية، الذي يبدأ بطرد المحتل التركي ووقف التدخل الإيراني، وجمع مختلف القوى السورية على طاولة عربية كردية عنوانها وحدة سوريا وسيادتها ووجودها ضمن المنظومة العربية وجامعتها فعلياً بشعبها وزخمها الكبير وليس فقط ببقايا سلطة دمشق، وأن لا نسمح بأن تصبح سوريا ولاية عثمانية أو أوستان فارسي، وهذا ممكن بالتحالف والوحدة الكردية العربية الديمقراطية السورية ومثاله هو قوات سوريا الديمقراطية ومنظومة الإدارة الذاتية التي تجمع كل التكوينات السورية وكل وفق خصوصيته وإرادته ضمن هوية الوطن والشعب السوري الواحد ضمن جمهورية ديمقراطية وهي الجمهورية السورية الديمقراطية، التي نراها الحل الأفضل والأمثل لأزمة سوريا وفق القرار الدولي ٢٢٥٤.