هل عادت ساحة الأمويين إلى السوريين ؟ أم قدمت دمشق المنطقة العربية على طبق من فضة لإسرائيل؟
رؤية وتحليل الباحث / هاني الجمل
سؤال خالط ذهني بعد الأحداث التي شهدتها سوريا إبان عام 2011 ضمن ثورات الربيع العربي والتي أخدت تشكل واقعًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا جديدًا في المنطقة العربية استطاعت بعض الدول الوقوف امامه وافشاله كمخطط خارجي لدعم الدولة اليهودية علي حساب الدول العربية إلا أن سوريا التي لم تسقط في عام 2011 بدعم إيران وروسيا لم تلتقط الخيط من اجل بناء نظام سياسي ينهي حالة الاستقطاب السياسي والاثني الذى كرسه نظام الأسد بولايته الاب والابن علي السواء ولم يعر المعارضة السورية اى اهتمام لمطالبهم المشروعة في إنتاج نظام سياسي جديد يقوم علي مخرجات القرار الأممي 2254 في دعم الحوار ” السورى _السورى ” سواء كان نظام رئاسي أو برلماني أو كونفدرالي كما أرادت بعض التيارات السياسية الداخلية كالأكراد وظل طيلة هذه السنوات يصم أذنيه عن واقع مرير سوف يؤل به إلي الزوال غير مأسوفًا عليه بل انه اهتم فقط بركائز نظامه. وجغرافيه السياسية دون النظر في تواجد قوى ارهابية وإقليمية ودولية تعبث بأمن وإستقرار سوريا.
الدور الروسي – الإيراني في سوريا
صارت إيران هي الخاسر الأكبر فقد انفرط محورها الإقليمي المقاوم في مواجهة الكيان الصهيوني وانهارت فكرة ” وحدة الساحات ” التي صدرتها للمنطقة وذلك لحماية برنامجها النووى والسيرة علي العواصم العربية ولم يعد أمامها سوى التقوقع على الذات لحماية نظامها الديني الذي يحكم قبضته القمعية على بلد لا يتوافق الكثير من مكوناته مع الطبيعة الدينية للنظام وربما تكون إيران مرشحة لتوترات سياسية وحتى عرقية في المنطقتين الكردية والعربية على الأقل في الفترة القادمة إن لم تنسجم من السياسة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب والذى وضعها في مربع ساخن بجانب الصين خلال برنامجه الانتخابي
هذا ليس بمعزل عن تراجع الدور الروسي والذى انهك في الحرب الروسية الاوكرانية وعدم استمرار دعمها للنظام السورى الا فى وجود تفاهمات مع الادارة الاميركية بتغير بشار الاسد مع احتفاظ روسيا بقواعدها العسكرية ضمن تفاهمات مع الادارة الامريكية الجديدة بقيادة ترامب من اجل انهاء الازمة الاوكرانية لصالح روسيا
كما سيتم اقتلاع روسيا نهائيا من الجغرافيا السورية سلما أو حربا إذا سقط الساحل السوري، بما يجسد خسارة استراتيجية لها بعد سقوط أهم حليف لها في المنطقة كنتيجة مباشرة لخطيئتها الاستراتيجية بالتفاهم مع تركيا قبل أربعة أعوام، والذي تم بناء عليه إبقاء إدلب مستودعا لكل الإرهابيين والتنظيمات المسلحة وإيقاف استعادتها للدولة السورية. وستتغير معادلات العلاقات الروسية-التركية لصالح الأخيرة التي أصبحت في موقف أقوى كثيرا بعد سيطرة أتباعها على الدولة السورية. ومن المفهوم أن قدرة روسيا على دعم نظام الأسد تآكلت كثيرا في الأحداث الأخيرة، بسبب انشغالها بحربها ضد حلف الأطلنطي “الناتو” في أوكرانيا، لكن تكلفة خسارتها الاستراتيجية في سورية سوف تكون أكبر كثيرا من أي تكاليف كانت ستتكبدها لدعم الدولة ومنع سقوطها.
تركيا الكاسب الاكبر في معادلة السقوط السورى
استطاعت تركيا من خلال التحرك علي عدة محاور من تحقيق المكسب السياسي والاقتصادى الكبير في هذه المعادلة سواء بإزاحة بشار الاسد من سدة الحكم بعد رفضه شرعنة التواجد التركي في المناطق الشمالية والعمل علي ضمان ولاء الفصائل المعارضة السورية للنظام التركي الذى مولها ودعمها بالسلاح فضلًا عن احراج روسيا وتقزيم دورها في سوريا و التخلص بشكل كبير من النفوذ الإيراني في سوريا وضمان الدعم الامريكي لتركيا وحلف الناتو في نجاح هذه العملية النوعية والتغير الهادىء كما وصفه اردوغان عما يحدث في سوريا واصبحت تركيا علي مسافة بيدق من شرعنة وجودها في الشمال السورى وضمان عدم التمدد الكردى في مناطق نفوذها هذا بجانب. تحاشيه للتمدد الاسرائيلي علي ارضيه طبقا للميثاق الملي الذى تنتهجه سوريا للعديد من المدن العربية
لماذا نجحت جبهة تحرير الشام في تنفيذ مخططها ؟
هناك تغير ايديولوجي كبير في هذه التنظيمات الارهابية حيث انقلب أبو محمد الجولاني زعيم الهيئة على أفكاره وانسلخ من داعش ثم القاعدة وقدم نفسه كزعيم حرب محلي وتخلص من كبار معاونيه من تنظيم القاعدة مثل أحمد سلامة مبروك و شكّل الجولاني حكومة إنقاذ في الأماكن التي يسيطر عليها والتي يطلقون عليه (الأماكن المحررة) وتحديداً في إدلب وأجبر الفصائل على الاندماج في الهيئة أو حل نفسها وتسليم سلاحها ومن كان منهم لا يسلم سلاحه او ينضم للهيئة يقاتله وتحولت هيئة تحرير الشام لنسخة طبق الأصل من حركة طالبان الأفغانية وقدمت نفسها للعالم بهذا الشكل وتحاورت مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً ولها صلات مباشرة بتركيا.
وفي طريق سيطرتها على حلب ولأول مرة لم تختلف مع الفصائل الأخرى بل جعلتهم يقاتلون تحت رئاستها في خطة موحدة كما رفضت معاقبة المجتمع المحلي الذي كان يعاني من الفصائل الإيرانية وحزب الله لذا فقد رحبوا بوجودها هي والفصائل المتحالفة معها.
دور إسرائيل المحورى فيما يحدث في سوريا
حقق الكيان الصهيوني الذي ساهم في إسقاط النظام مكسبا استراتيجيا هائلا بانفراط محور المقاومة المواجه له لينفرد بحزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة وقد بادر ذلك الكيان لاختراق السياج العازل الذي يفصله عن منطقة سيادة الدولة السورية وقام فعلا باحتلال المنطقة العازلة التي تفصله عن الجيش السوري المنهار لتحسين تموضعه في الجولان السوري مع حفر خنادق عازلة وسوف يعزز سيطرته على الجولان الذي ضمه بصورة غير معترف بها دوليا خاصة وأن دروز الجولان الذين رفضوا الهوية الإسرائيلية
فبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي متورط بشكل مباشر في هذا التغير ليس لانه فضح مشاركته هذه بإتهام الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “يلعب بالنار” بدعمه لحزب الله ورفضه كل الضغوط والتهديدات الامريكية والإسرائيلية لمنع مرور شحنات الصواريخ والمعدات العسكرية الإيرانية الحديثة الى حزب الله ولعل الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على المعابر على الحدود اللبنانية السورية والسيطرة عليها لتدميرها احد الأمثلة الرئيسية في هذا المخطط.
في حين ان توابع هذه التغيرات السورية سوف تنعكس بشكل كبير علي المنطقة سواء بتغير بعض الأنظمة السياسية او الانصياع للرغبات الأميركية الاسرائيلية في إنهاء القضية الفلسطينية ولكن بشروط وتموضوعات جديدة للجانب الاسرائيلي في المنطقة وتوسيع الجغرافية السياسية لها دون الدخول في مزيد من الحروب
الختام
ما يجري حاليا في سورية هو إعادة للسيناريو الذي طبقته الولايات المتحدة الامريكية في العراق ابتداء من عام 1991 أي فرض حصار تجويعي خانق يتلوه غزو واحتلالا عسكريا بعد 12 عاما يؤدي الى تغيير النظام ويمكن القول إن بقاء الدولة السورية الموحدة ومساندتها في المعركة ضد قطعان الإرهابيين هو مصلحة استراتيجية لكل من مصر والعراق والسعودية وروسيا فضلا عن إيران فأي سيناريو آخر سوف يكون كارثة ضد هذه الدول ولمصلحة ثالوث الشر الأمريكي-الصهيوني- التركي.
وربما تكون إحدى الإيجابيات للتطورات الأخيرة هي عودة اللاجئين السوريين المرجحة إلى وطنهم وإنهاء المآسي الإنسانية لتبعثرهم في دول المنطقة وفي مختلف أركان الأرض لكن النظام الديني الذي سيتشكل من المجموعات المتطرفة دينيا التي سيطرت على الحكم في سورية سيكون في انتظارهم بقواعد مجهولة لكنها بحكم الطبيعة الدينية ربما تكون أبعد ما يكون عن الحريات السياسية والشخصية التي ينشدونها إلا إذا أجرت تلك المجموعات تغييرات جوهرية في منهجها لتأهيل نفسها للقبول الإقليمي والدولي ورفع صفة الإرهاب عن القوة الرئيسية فيها.