الرئيسيةرأي

د. هاني الجمل يكتب: إيران وسياسة التراجع

هل أضعفت إسرائيل منظومة الدفاع الإيرانية؟

في ظل حالة الترقب الدولي حول الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني في مطلع أكتوبر 2024، كان هناك سجال واسع حول شكل وحدود الرد الإسرائيلي، خصوصًا أن الضربة الإيرانية كانت الأولى من نوعها في استهداف قلب تل أبيب بصواريخ باليستية، سواء حققت هدفها أم أنها حفظت ماء الوجه الإيراني في اغتيال السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” على أرضها، خلال تنصيب الرئيس الإيراني، أو أنها رد قاسٍ على اغتيال السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان.

إيران وسياسة التراجع

من ثم ترقب المجتمع الدولي الرد الإسرائيلي، وقد سادت حالة من الشد والجذب بين نتنياهو وبايدن على أهداف الضربة ومواقعها، هذه الحالة أظهرت نوعًا من اختلاف الرؤية بين الطرفين على الرغم من دعم أمريكا المطلق لإسرائيل، سواء بالتنسيق الاستخباراتي أو الدعم العسكري، أو الضغط على إيران من أجل تخفيف وطأة الضربة الإيرانية، وهذا ما شهدته أروقة التشاورات الثنائية، وذلك بسبب المخاوف الأمريكية من اتساع دائرة الصراع في الشرق الأوسط بطريقة تضر مصالحها ومخططاتها الإقليمية، وهو ما استغله نتنياهو في الحصول على نوعيات متطورة من الأسلحة الأمريكية، فضلًا عن منظومة الدفاع “ثاد” التي تم نشرها على الأراضي الإسرائيلية، لمجابهة أي تهديدات إيرانية مباشرة أو عبر محور المقاومة، فضلًا عن تفويت الفرصة على إيران من الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي طبقًا للباب الثامن للمعاهدة الذي يعطي الحق للدول الأعضاء في الانسحاب حال تعرضها لخطر داهم، وهذا ما قدمته إيران خلال الفترة الماضية.

الرد الإسرائيلي منزوع الدسم أم محدد الهدف

من يراقب التصريحات والبيانات التي خرجت من إسرائيل وإيران حول الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، يدرك أن أهداف إسرائيل كانت محددة باستهداف المنظومة الدفاعية الإيرانية، لكشف سماء طهران لمدة طويلة، كأنه جرس إنذار عن المقبل من الضربات في حال فكرت إيران باستهداف إسرائيل مرة أخرى، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي أن 3 موجات من الهجمات باستخدام طائرات حربية ضربت مصانع صواريخ ومواقع أخرى بالقرب من طهران، وفي غرب إيران، تلك المباني التي تقع على بعد نحو 320 مترًا من منشأة كانت تشارك فيما تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والمخابرات الأمريكية، إنه برنامج شامل لتطوير الأسلحة النووية أوقفته إيران في عام 2003.

وهذا ما أشارت إليه إسرائيل بأنها استهدفت مباني تحتوي على خلاطات للوقود الصلب، وهذه الخلاطات الصناعية يصعب تصنيعها وتخضع لضوابط التصدير، فقد استوردت إيران العديد منها على مر السنين بتكلفة باهظة، ومن المرجح أن تجد صعوبة في استبدالها.

وتتمركز هذه الأهداف في مجمع “بندر الإمام الخميني للبتروكيماويات” في محافظة خوزستان، والميناء الاقتصادي الرئيسي “بندر الإمام الخميني” المجاور له، ومصفاة “عبادان” النفطية، فضلًا عن تعرض 3 قواعد رئيسية لتصنيع الصواريخ، وهي “فلق” و”شيد غديري” و”عبد الفتح” التابعة للحرس الثوري الإيراني للهجوم أيضًا، كما تم استهداف موقعيْ “بارشين” و”باراند” العسكريين بطائرات مسيّرة، وهو ما قد يعيق قدرة إيران على تصنيع الصواريخ، هذا بجانب أن هجمات إسرائيل دمرت 4 أنظمة دفاع جوي من طراز “إس – 300” كانت إيران قد حصلت عليها من روسيا.

مخاوف إيرانية من تداعيات الهجمات الإسرائيلية على مواقع حيوية “بلا دفاع”

ذكرت مصادر إيرانية مطلعة أن تدمير إسرائيل لأنظمة الدفاع الجوي الإيراني بضربتها التي شنتها على 3 مراحل، أثار قلقًا عميقًا من أن تصبح المواقع الحيوية لمراكز الطاقة والاقتصاد عرضة لهجمات مستقبلية حال استمرت الضربات المتبادلة بين الخصمين، فقد تعمدت إسرائيل إرسال رسالة واضحة بأنه قد تكون لذلك عواقب اقتصادية خطيرة للغاية على إيران، وهي بحاجة إلى التصرف بحكمة وعدم الاستمرار في التوترات، وقد يبدو هذا بمثابة مقدمة محتملة لضربة أكثر فاعلية ضد البنية التحتية الإيرانية، وحتى المواقع النووية، لا يملك الإيرانيون القدرة على استبدال هذه الأنظمة في الوقت المناسب، مما يجعل البلاد أكثر عرضة للخطر مستقبلًا، خصوصًا في ظل انشغال روسيا في الحرب الروسية – الأوكرانية، وتنامي أزمة الصين مع تايوان، وضغط أمريكا عليهما، باعتبارهما محور الشر العالمي الجديد بجانب كوريا الشمالية.

سعي أمريكي للتهدئة مع تحركات للدفاع عن إسرائيل

تفاقمت مخاوف انجرار إيران والولايات المتحدة إلى حرب إقليمية مع تكثيف إسرائيل لهجماتها على “حزب الله”، وهو ما شمل ضربات جوية على بيروت وعملية برية في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى الحرب المستمرة منذ عام ونيف في قطاع غزة.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال جولته الحادية عشرة في الشرق الأوسط، من أجل التوسط في اتفاق، إن الرد الإسرائيلي ينبغي ألا يؤدي إلى تصعيد أكبر.

ورغم سعي الولايات المتحدة لإقناع إسرائيل بشن ضربات محسوبة على إيران لتجنب التصعيد، فإنها تحركت أيضًا لطمأنة أقرب حلفائها في الشرق الأوسط، بأنها ستساعد في الدفاع عنها إذا قررت طهران شن هجوم مضاد، وشمل ذلك قرار بايدن بنقل أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية “ثاد” إلى إسرائيل، إلى جانب نحو 100 جندي أمريكي لتشغيلها.

إيران وسياسة التراجع

وخلاصة ما حدث، نلاحظ أن هجوم إسرائيل على إيران كان استراتيجيًا لتدمير الردع الإيراني، فإسرائيل دمرت نظام الدفاع الجوي ثم البرنامج الصاروخي، مع الحفاظ على وجود النظام الإيراني على الأقل مرحليًا، وإيران لم تمتلك سلاح ردع نوويًا على الأقل في المستقبل المنظور، وهو ما يجعل الردع الصاروخي الإيراني يواجه مشاكل مستقبلًا، ولن تكون قادرة على تطويره، خصوصًا أن الردع الإيراني المتمثل في ميليشيات تابعة لها في عدة دول خارج الخدمة تقريبًا.

المقبل لإيران سيكون التسوية السياسية والاستراتيجية للحفاظ على سلامة الدولة وبرنامجها النووي، وهذه هي سياسة إيران المتوقعة، فهي دائمًا تنتهج سياسة التراجع في حال تعرضت لضغوط قد تفشل مخططها الصفوي في المنطقة وبرنامجها النووي، وهو ما حدا بالمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية إلى تدشين حساب على موقع “X” (تويتر سابقًا)، باللغة العبرية من أجل مغازلة اليهود وكسب أرضية جديدة في الداخل الإسرائيلي.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى