رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. عبق واجادوجو يحيي روح تحرير الإرادة ونبذ الفرقة

تنادت القيادات السياسية الوطنية من كل أنحاء ليبيا، إلى مدينة سرت الرباط الأمامي، وبلاط الشهداء وصرة الوطن، فاجتمعوا في عبق واجادوجو، تلك القاعة التي كان يجتمع بها الليبيون سنويا لتقرير مصيرهم وإدارة شؤونهم، القاعة التي شهدت ميلاد الاتحاد الأفريقي العظيم في 99.9.9، وشهدت قمة الاتحاد العربي 2010.10.10 وكانت تجهز لقمة الساتو في 2011.11.11. مدينة واجادوجو ذات وقع خاص عند الليبيين فهي عاصمة الدولة الأفريقية التي التأمت بها قمة التحدي الأفريقية، التي كسرت حصارا جائرا فرض ظلما على الشعب الليبي طيلة عقد كامل، بموجب قرارات فرضتها الحكومات الغربية أيام سيطرة القطب الواحد على إرادة المنظمة الأممية.

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. باتيلي هل سيلقى مصرعه كهمرشيلد أو يستقيل كالإبراهيمي أم يبيعنا كليون؟

منتصف هذا الشهر اجتمع الليبيون بمختلف تياراتهم السبتمبرية والفبرارية والمستقلين ومعهم الكرامة؛ القاسم المشترك عند الكثيرين، بما يحمله من توحيد الوطن وتطهيره من الزنادقة واستعادة هيبته وصون سيادته.

اتفقوا حول قضية واحدة هي «استعادة ليبيا وطنا للجميع، آمناً ومستقلاً ومسؤولا والسيادة فيه لشعبه». ونبذهم لعوامل الفرقة بينهم أسقط قاعدة يعمل العدو عليها العدو متمثلة في «فرق تسد»، لأنه لو استمررنا متفرقين ومختلفين فقد نصحو يوما ولا نجد وطنا نعيش فيه.

التحالفات كبحر من الرمال غير ثابت تتغير المواقع وفق اتجاهات الرياح، العالم قبل نصف قرن ليس هو عالم اليوم، ولن يكون عالم بعد نصف قرن من الآن.

قبل نصف قرن هناك من كان يقول إن 99 % من الأوراق في يد أمريكا- وقد يكون محقاً وقتها- حيث تم تفكيك الإمبراطورية السوفيتية وتفردت أمريكا بالعالم. لكن الآن الوضع مختلف، فالشمس الأمريكية آخذة في الأفول في مقابل تشكل عالم متعدد الأقطاب. النفوذ الأمريكي بدأ يتقلص نتيجة انتهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، وبدأ دومينو الانهيار باعتماد التبادل التجاري بين الاقتصاديات الكبرى بالعملات المحلية، وتقلص تأثير الإرهاب العسكري، فها هي دولة من العالم الثالث مثل إيران، أو مقاومة فلسطينية محاصرة، أصبحت تقارع دولا نووية. كما ظهرت في أمريكا دعوات إخلاء القواعد الأمريكية في الخارج. ودعوات للانفصال. بريطانيا تسعى لملء الفراغ الذي سيتركه انكماش النفوذ الأمريكي، ولهذا نشاهد عملية التسارع في إحكام السيطرة على ليبيا في مواجهة الأقطاب الأخرى.

الحصيف والوطني ومن يحرص على كرامة شعبة وسلامة أرضه هو من يغير تحالفاته وفق الأوضاع التي تحقق مصالح بلاده.
النقلة الذكية والمفاجئة هي التي قام بها الأمير الثائر بتطبيع العلاقة مع إيران، والتي كانت من ثمار الثورة الثقافية التي يقودها، فتأجيج العداء بين أبناء الدين الواحد يصب في مصلحة العدو الذي ينتهج قاعدة (فرق تسد) بإيوائه للقنوات التي تبث سموم الفرقة بين المسلمين، رغم أنه لا اختلاف بين السنة والشيعة في قواعد العقيدة، فالاختلاف ينحصر في نقطتين هامشيتين هما من أحق بالخلافة أبو بكر أم علي؟ هذا موضوع من التاريخ لن تجدي المحاججة والتلاسن والاختلاف أو الاتفاق حوله، أما الفقرة المختلف عليها في خطبة الوداع بين كلمة (عترتي وسنتي) فالثورة الثقافية كفيلة باستعادة الوجه الساطع للإسلام بعيدا عن تراث الصراع على السلطة.

لا منجاة لليبيا والأمة العربية عموما إلا بنبذ الفرقة والاعتماد على الذات، وتشكيل قطب عربي يتحالف مع الأقطاب الشرقية بعيداً عن أقطاب حقبة الاستعمار والعبودية والاستغلال والنهب. فلنحطم قاعدة العدو «فرق تسد» في ليبيا، يجب تناسى الماضي وتركه إرثاً للتاريخ وغل يد الأجنبي عن التدخل السلبي في ليبيا، وتنظيم القوى الوطنية وتجذير وعيها، فلننس أحقادنا ونمد أيدينا لشركائنا في الوطن لإنقاذ ما تبقى منه، أما نشر خطاب الكراهية وتغذية الحقد وتأجيج الثأر فسيقضي علينا جميعا. وعلى القوة الوطنية السعي للمحافظة على الأركان الثلاثة للدولة، المتمثلة في القضاء والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي استهدفها العدو بالهدم منذ بداية هذه الألفية.

وفي إطار هذه الجهود أجرت قيادات القوة السياسية الليبية حواراً على مدى ثلاثة أيام تناول قراءة في المشهد الحالي للأزمة الليبية، والثوابت الوطنية والمبادئ الحاكمة للميثاق الوطني، وملامح خارطة الطريق الوطنية لحل الأزمة، وآلية العمل والمتابعة، صيغت هذه المحاور في رؤية شاملة، وصدر عن الملتقى بيان سياسي تعبيرا عن موقف القيادات السياسية الوطنية واضطلاعها بدورها في إخراج الوطن من النفق وإنقاذ ما تبقى منه. إن ما تم إنجازه عمل وطني رائع، سينعكس على جغرافية الوطن السياسية، ويضع القوى الوطنية على خارطة الطريق نحو فرض نفسها معاملا مهما في الصراع السياسي على خارطة الوطن.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى