د. محمد جبريل العرفي يكتب.. باتيلي هل سيلقى مصرعه كهمرشيلد أو يستقيل كالإبراهيمي أم يبيعنا كليون؟
مر على الأمم المتحدة رجال أصحاب مبادئ ومواقف شجاعة في قول الحق، وتعذر شراؤهم أو ابتزازهم، فتركوا تاريخاً مشرفا من بعدهم، في مقابل أغلبية مرتشية خانعة، وخاصة في حقبة التفرد الأمريكي بالقرار الدولي منذ تفتيت الاتحاد السوفيتي إلى نهوض روسيا الاتحادية.
المبعوثون إلى ليبيا منذ عبداللاه الخطيب إلى الأبلة ستيفاني من الأغلبية الفاسدة التي خالفت الميثاق ونفذت إرادة الدول الغربية التي غزت ليبيا عام 2011.
ساعدت الحرب الأوروبية الثالثة على الاتفاق على تعيين الأفريقي عبدالله باتيلي، الذي توصل إلى خطة أعلنها في إحاطته أمام مجلس الأمن في 2023.2.27م.
الخطة في ظاهرها معقولة، لكن بلقائه قبلها بواشنطن قفز على حقيقة أن من دمر ليبيا لا يمكن أن يكون عاملاً في إعادة بنائها، الإنجليز سيزرعون مفخخات في طريق باتيلي، وأخطر ثلاثة مفخخات هي: تضمين قرار مجلس الأمن لصياغات حمالة أوجه، مثلما حصل بعبارة “القيام بما يجب” التي دست في القرار 1973 وحولت الحظر الجوي إلى غزو لتدمير ليبيا، والثانية تشكيل لجنة من العملاء من منظمات المجتمع المدني صنيعة المخابرات الأجنبية، أو شيوخ شباشب المواضئ الذين يمكن شراؤهم بصريرات نقود أو أكياس علفة أو وظيفة زائلة، وثالثها نهب مدخرات ليبيا بإطلاق يد الدول وموظفي الأمم المتحدة الفاسدين فيما لو أقر بند النفط مقابل الغذاء، علاوة على أن من بالسلطة سيقاتل لبقائه لآخر رمق، سيكتب التاريخ أن باتيلي اختار واحدا من المصائر الثلاثة التالية:
فهل سيلقى باتيلي مصير السياسي السويدي (همرشيلد)؟ الذي اتخذ عام 1956 موقفا كلفه حياته؛ فعلى أثر تأميم قناة السويس وقيام العدوان الثلاثي، للقضاء على خطر مصر على إسرائيل، واستعادة بريطانيا وفرنسا للقناة، قرر همرشيلد دعوة مجلس الأمن للانعقاد لوقف العدوان، وألقى كلمة وجيزة مؤثرة قال فيها: “إن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة هي مرجعه الوحيد فيما يحق له أن يفعله وما لا يفعله، وعلى كل الدول الأعضاء المحافظة على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأمم المتحدة، وإلا فمن حق هذه الدول، كما أن من حق الأمين العام أن يتصرفوا تصرفاً آخر”، وتلك كانت إشارة منه للإقالة أو الاستقالة، فكان القرار باغتياله، بتفجير طائرته ولقي مصرعه في 18/9/1961 فوق الكونغو عندما كان في طريقه إلى زامبيا لمفاوضة تشومبى حول وقف إطلاق نار تنفيذا لقرار مجلس الأمن بأن يشرف الأمين العام على إعادة تنظيم الجيش والمالية وإعادة الأمن والوحدة إلى الكونغو. فقد اغتاله الصهاينة انتقاما لموقفه من العدوان الثلاثي.
أو هل سيتخذ باتيلي قرارا مسببا بالاستقالة كالأخضر الإبراهيمي؟ الذي تم تعيينه في 2012.8.17 مبعوثاً خاصاً لدى سوريا، ولخص موقفه من الأزمة السورية قائلاً “ما يحدث في سوريا مؤامرة خارجية من واجب النظام أن يحاربها ويفشلها، وإن لم يتم ذلك فستتحول سوريا إلى صومال ثانية، مفككة يسود فيها أمراء الحرب، الاستقالة الطريقة الوحيدة للاعتراض على إهمال المجتمع الدولي والإقليمي للوضع في سوريا، أقدم اعتذاري للسوريين لأننا لم نتمكن من مساعدتهم بقدر ما يستحقون وما ينبغي أن نفعل”، وقدم استقالته في 31/5/2014م، أو سيبيعنا مثل ليون؟ الذي تعامل مع الليبيين بعقلية مصارع الثيران فغرس رماحه فيهم بتوريطهم في الصخيرات -التي استند باتيلي على تفعيل المادة 64 منها – ثم نال مكافأته بتعيينه مديرا عاما للأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية، مما أضفى شكوكا على نزاهته وعلى مصداقية الأمم المتحدة.
الأيام القادمة ستكتب صفحة جديدة في تاريخ باتيلي فإما الانحياز إلى الشعب الأفريقي، ويفضح المخطط التآمري على ليبيا فيلقى مصير داج همرشيلد الذي تم اغتياله، وييأس فيستقيل مثل الأخضر الإبراهيمي، أو يمرر مؤامرة الغرب كما فعل ليون.
باتيلي سياسي مخضرم، وننظر إليه كأفريقي تقدمي، صديق تاريخي لليبيا وحريص على عودتها لدورها الأفريقي والدولي، ويحمل حزنا مما حصل لها، وأبدى لنا غضبه من تفريط أهلها فيها، ولهذا لا نتوقع منه أن يختار طريق الرضوخ وخيانة شعب بنى الاتحاد الأفريقي العظيم، فهو ستتقمصه الروح النضالية الأفريقية، ويصدح بالحق ويقاوم المؤامرة مما قد يؤدي إلى اغتياله جسدياً أو معنوياً أو سياسياً، وإن عجز عن تقديم حل إيجابي فلن يرضى باستمرار المؤامرة وسيستقيل.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب