رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب..  الغموض والأهمية قدمان تسير بهما الإشاعة

قبل ظهور الإعلام الإلكتروني وانتشار الفضائيات كانت الإشاعة محدودة الانتشار، وعادة ما تطفئها المرجعية السياسية أو الاجتماعية، لكن ماكينة النفاذية الواسعة إلى الجماهير، غيبت دور المرجعية أو حدت منه، باستثناء المرجعية الدينية، التي يعتبر مريدوها كلام الشيخ مقدسا، مهما كان ضربا من الخيال أو متعارضا مع نصوص القرآن الكريم.

في الستينيات كانت وسائل الاتصال مع الجماهير محدودة جداً، إما من خلال الصحافة الورقية أو الإذاعات المسموعة أو الخطابات الجماهيرية في الساحات، ثم تطور قليلا بدخول الإذاعات المسموعة، فأصبحت الإذاعة أداة حكم، فمن يستولي على الإذاعة يستولي على الحكم. قال القائد في العيد السادس: «إن الأغبياء هم الذين يقادون من الإذاعة» الآن ممكن القول «إن الأغبياء هم الذين يقادون من الفيس».

وسائل التواصل الاجتماعي غيبت دور المرجعية، فكل من يختفي وراء لوحة مفاتيح باسم حقيقي أو مستعار يتمكن من النشر والتعليق والمعارضة والموافقة والشتم والتمجيد، بغض النظر عن تأهيله أو خبرته أو سنه، ودون أن يفصح عن أهدافه الحقيقية، وكثيرا ما يتم انتحال صفات أو أسماء وهمية للترويج لفكرة أو زرع فتنة.

كما أن الانشغال بهموم الحياة لم يترك للناس وقتاً للاطلاع والبحث، مما أنتج المواقف اعتماداً على معلومات سيارة، ومقتضبات قصيرة، وزاد في المشكلة تلوث المعلومات، أي غرق المعلومات الصحيحة والصادقة وسط كم من المعلومات التافهة والكاذبة والغرضية.

للأسف ضعفت حصانة الناس ضد الإشاعة، إما لغياب المرجعية أو لأسباب نفسية، فالناس عادة تحب أن تسمع ما تحب، وتنجذب إلى ما تتمنى، كما أن الحقد الدفين يحرك العقل الباطن للبشر لشيطنة أي عمل لمن يكرهون مهما كان ذلك العمل إيجابيا وصحيحا وبناءً، وفي المقابل الحب الأعمى يزين الأعمال مهما كانت خاطئة ومضرة، في الحالتين تحدث عملية تغييب للعقل وتسود العاطفة، بعد 2011 صدمنا بمواقف شخصيات عامة يتبنون أفكارا غير منطقية، ويدافعون عن وجهات نظر خاطئة.

انتشار الإشاعة يسير على قدمين هما الغموض والأهمية. أي الناس تتبع أي شيء غامض لإشباع غريزة حب الاستطلاع. القدم الأخرى التي تسير عليها الإشاعة هي الأهمية فالناس تتبع المعلومات التي تهمها، وتؤثر في شؤون حياتها.

بما أن عهد المرجعية قد ولى فلم تكن خطابات الزعيم من الشرفات كافية لحشد الجماهير أو التأثير فيها، كما أن الإعلام المرئي والمسموع بدأ يفقد أهميته وتأثيره، مما أعطى الصدارة للإعلام الشعبي، الإعلام الإلكتروني، الذي مكن كل مواطن أن يقتني إذاعة وصحيفة ومكتبة في جهاز صغير يحمله في كفه يتنقل به حيثما يشاء.

القصف التمهيدي لمواقع العدو يبدأ بالقصف الإعلامي قبل القصف بالمدافع والطائرات، وعادة ما يهدف القصف التمهيدي تفكيك الحاضنة الاجتماعية للجيوش، والنيل من معنويات المقاتلين، وخاصة في المجتمعات القبلية، التي فيها الولاء لأبناء القبيلة أكبر من الولاء للوطن، مما يحدث اصطفافا قبليا أو جهويا عبثيا انتحاريا، عام 2011 فقد الكثيرون توازنهم بفعل القصف الإعلامي، فاتخذوا مواقف خاطئة، كثير منهم الآن نادم عليها، بإثارة المشاعر بمقاطع مرئية مفبركة أو منقولة من مدن أخرى أو دول أخرى، أو بتصريحات محرفة أو وثائق مزورة، هذا الأسلوب استخدم الأسبوع الماضي من قبل أعدائنا، ومواجهة هذا الوضع يتطلب إجراءات علمية وعملية، تبدأ بتحصين الشعب ضد أساليب أعدائه.

أول خطوة هي تحديد الهدف النهائي للعدو، الذي بدوره يسهل تفسير الخطوات التي يتخذها والوسائل التي يستخدمها.
في الحالة الليبية الهدف النهائي للعدو هو سيطرة جماعة الإخوان والمقاتلة على الدولة الليبية، وهؤلاء مقتنعون أن ما يمنعهم من تحقيق هذا الهدف هو وجود قوات مسلحة عقيدتها وطنية وأجهزة أمنية احترافية، ولهذا يشيطنون قيادتها، ويجففون منابع تمويلها، ويسعون لتفكيك حاضنتها، ويعرقلون الانضمام إليها.

الخطوة الثانية تحصين الوسط الاجتماعي بتحقيق السبق لإيصال الحقيقة للناس، لأن الإشاعة مثل الحريق إذا تم التحوط له قبل اشتعاله أو إخماده وهو صغير سيكون الجهد أسهل والنتيجة أفضل.

يجب أن نعترف أن الوسائل والأساليب المستخدمة لمواجهة هذا الوضع قاصرة وبدائية، وليست في مستوى قوة وشراسة العدو في مجال الحرب الإعلامية.

كما أن العقلية السوفيتية في ممارسة قوة الغموض هي أسلوب عفى عليه الزمن، إن استمرار التحكم في الأرض يتطلب التحكم في قلوب سكانها، بخلق وعي جماهيري ديناميكي يتفاعل بسرعة مع الأحداث ويطور آلياته وفق المستجدات، يجب التفكير في تأسيس أداة إعلامية إلكترونية فعالة، تدار بقيادة من نخبة محط احترام وقادرة على التحريك والتأثير، أما الاعتماد على الجهلاء والسطحيين والمنافقين والنفعيين والمحقدين فلا يفيد، كما يجب فرز شركاء المصير، أي المؤمنين بأن مصيرهم مرتبط بنجاح أو فشل هذا المشروع. أي الابتعاد عمن يجيد القفز بين الحبال، ممن لا يرتبط مصيريا مع المشروع الوطني.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى