د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الخيار الأخير لإنقاذ المصير: «وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ»
درس من فجر الإسلام
العالم أجمع يمر الآن بمرحلة مفصلية، فتتهاوى إمبراطوريات وتصعد أخرى، وتسقط أيديولوجيات وتزدهر أخرى، نحن الآن على أعتاب نهاية الهيمنة الغربية التي دامت قرابة خمسة قرون، اتسمت بالعبودية والنهب والاستغلال والطبقية والإبادة، فازدهرت شعوب وقارات على حساب أخرى.
اقرأ أيضا: محمد جبريل العرفي يكتب.. المبعوث الأفريقي (ولد لبات) يستنسخ الأسلوب الفاشل لحوارات الأمم المتحدة
رغم أن ما يتسم به النظام الرأسمالي أنه لا ينهار مرة واحدة، نتيجة مرونته لترميم نفسه. ولكن الشروخ التي حصلت في جسده نتيجة انفراد القوة الأمريكية بالعالم بعد انهيار المنظومة السوفيتية أدت إلى تسارع انهيار النظام الإمبريالي، هذا الانهيار يشمل عناصر النظام وقيمه وآلياته.
تتزعم روسيا الآن مواجهة الهيمنة الإمبريالية، فأصبحت رأس حربة يدك غطرسة حلف الناتو بزعامة أمريكا، فبعمليتها الخاصة في أوكرانيا دقت أول إسفين في نعش تفكيك الاتحاد الأوروبي مستخدمة الأسلوب العنيف، والحرب الاقتصادية بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، بالتزامن مع الشتاء حيث الجنرال الأبيض الحليف التاريخي للشعب الروسي.
من ناحية أخرى استأنفت الشعوب الأفريقية عملية التحرر من الهيمنة الفرنسية بدعم من روسيا، مما سيؤدي إلى تقوقع فرنسا داخل أوروبا.
أمام هذه التغيرات المتسارعة الفرصة سانحة أمام الأمة العربية لتصبح قطبا مستقلا ومؤثر في الساحة الدولية، وإلا ستصبح ذيلا تابعا لأحد الأقطاب الأخرى، أو أن تفنى تماما وتذوب من الخريطة الدولية.
أمريكا أوكلت الشأن الليبي لوكلائها تركيا وبريطانيا، الأولى تولت دعم التنظيمات الإسلامية الإرهابية بالسلاح والمرتزقة وبالتدريب والجهد المخابرات واللوجستي، وبريطانيا تعمل على المدى الطويل لتكرار صناعة نظام عميل، من عميلها اللاجئ الإسباني على أرضها، وبالتواطؤ مع زعيم المقاتلة الذي عوضته بالإسترليني، وبدعم من دولة الجزائر التي تحلم بتولي من جذوره جزائرية حكم ليبيا كملك.
التجهيزات على الأرض متسارعة لتنفيذ هذا المخطط، فقد تمددت المقاتلة إلى تخوم سرت، وتم تجميع وتجهيز التنظيمات الإرهابية بما فيها أنصار الشريعة وشورى بنغازي ودرنة ليكونوا رأس حربة للهجوم على الشرق الليبي. في الجنوب يجري تحريك نعرات قبلية وإثنية لخلق ميليشيات تشغل القوات المسلحة وتسبب قلاقل في الجنوب، للهيمنة على منابع النفط.
السؤال العريض: هل نستسلم بينما العدو يشحذ سكاكينه لذبحنا، أم أن الواجب الوطني يحتم التفكير في طرق مبتكرة لمواجهة المخطط؟
بما أن العقبة أمام تنفيذ مخطط العدو هي القوات المسلحة، فعلى القوى الوطنية أن تأخذ زمام المبادرة لقيادة عمل وطني يدعم جهد القوات المسلحة في المواجهة، ويمتن الحاضنة الشعبية لها، ويخلق أداة ضغط سياسي دولي لتحجيم أعدائها.
في أيدينا الآن أقوى سلاح مؤثر على ساحة الصراع الدولي الحالي وهو النفط والغاز، فإن أحسنا استخدام هذا السلاح في الوقت المناسب فسيسهم في تحرير بلادنا، وإن فرطنا في الفرصة السانحة الآن فحتما سنندم مستقبلاً. المفارقة أن سلاح النفط في أيدينا بينما يستفيد من ريعه عدونا سواء في حكومة النهب أو دول الاستعمار القديم.
حيث إن أوروبا مهددة الآن بالجنرال الأبيض، فلنضعها أمام خيارين إما أن ترفع يدها عنا وتتركنا ننتخب السلطة التي تحكمنا بالوسيلة التي تحقق إرادتنا الحرة دون إقصاء أو تهميش أو إرهاب أو خديعة، أو أننا سننضم إلى عدوها ونفتح جبهة جنوبية تضعف مواجهتها للجنرال الأبيض. هذا الموقف هو واجب قيادة القوة الوطنية التي يجب أن تنظم صفوفها وتوحد رؤيتها وتحدد أولوياتها. هذا الإنجاز يحتاج عقولا تخترع حلولا مبتكرة، دون أن تعول على الأجسام القائمة، ودون أن تحرج قيادة القوات المسلحة في موقف سياسي. إذا اضطررنا للتحالف فلنطبق قاعدة (عدو عدوك صديقك)، الغرب خلال قرن كامل استعمر بلادنا ثم غزاها ودمرها، والآن يمنع إعادة بنائها، ويدعم من يسعى للقضاء على ما تبقى منها، إذن الغرب بهذه العقلية الإمبريالية فهو عدو تاريخي، وفي المقابل عدونا هذا عنده عدو يقاتله متمثل في الروس وحلفائهم، وعليه فمن المنطق أن نتحالف مع الروس علنا وصراحة دون تردد أو مواربة وقبل فوات الأوان، ولنا في إرثنا الإسلامي عبرة، حيث استعان المسلمون بأحد القطبين ليتغلبوا على الآخر.
ولا يمكن أن يكون هذا التحالف في معزل عن المحيد العربي، وخصوصا أن العداء استشرى بين السعودية بقيادة الأمير الثائر وبين زعيمة الإمبريالية، الحل المثالي أن يتشكل قطب عربي أفريقي ينتهج الحياد الإيجابي في الحرب الدائرة الآن بين الشرق والغرب.
الخلاصة: على القوة الوطنية أن تنظم صفوفها وتهدد الغرب باستخدام سلاح النفط، والعمل على تشكيل قطب عربي أفريقي، ووضع التحالف مع الشرق بقيادة روسيا خيارا أخيرا لإنقاذ المصير.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب