د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. أي دور لفرنسا في القارة السمراء؟

الحديث عن القارة الإفريقية في الإعلام بصفة عامة وفي الإعلام الغربي بصفة خاصة عادة ما يأتي في سياق الحديث عن الفقر والجوع والأوبئة، وهو حديث يخيل لسامعه كما لو أن هذه القارة خالية من الطاقات والثروات ومن الموارد المعدنية والطبيعية، في حين أن الأمر غير ذلك.

• اقرأ أيضا: في إفريقيا شعوب تواجه أشباح الجوع والجفاف

فحسب عدد من العلماء والخبراء في المجال، فإن القارة السمراء تعتبر من أغنى القارات الخمس، إذ تتوفر لوحدها على 33 بالمائة من مجمل الموارد الموجودة على الكرة الأرضية، فهي قارة غنية بالمعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والبلاتين المستخدم في المجوهرات والتطبيقات الصناعية (تستحوذ القارة على نحو ربع إنتاج العالم من الذهب والأحجار الكريمة العالية القيمة مثل الألماس)، وغنية أيضا بالبيتروكيماويات، واليورانيوم، وغابات الأخشاب الصلبة والفواكه الاستوائية وغيرها.

شاب إفريقي

مناسبة الكتابة حول هذا الموضوع تعود إلى انتشار واسع لفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه شاب إفريقي وهو يركب الميترو بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ويدعو بصوت عال الفرنسيين إلى احترام الأفارقة والكف عن إهانتهم، ويستعرض أمام جمهور الركاب مزايا وأهمية القارة السمراء على مستوى العالم وما تتوفر عليه من موارد طبيعية وطاقية ومعدنية وحيوانية، وكيف أن هذه الموارد تتعرض بدورها للنهب والسرقة من طرف السلطات الفرنسية، وقال موجها كلامه لكل الفرنسيين “إن إفريقيا هي التي تطعم فرنسا، وهذه هي الحقيقة التي أود أوضحها لكم، وإذا لم تصدقوني اسألوا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك”.

وأكد الشاب الإفريقي أن هذا الرئيس قال في تصريح صحفي سابق “إن كل أورو يدخل إلى جيوب الفرنسيين 60 بالمائة منه يأتي من إفريقيا”، ثم صاح قائلا “لا يوجد في فرنسا نفط ولا غاز، ولا يوجد اليورانيوم، إنها تحصل على كل ذلك من القارة الإفريقية ومع ذلك فإن شركاتها المتعددة الجنسية توجد في كل مكان، وتقتات من جيوب الفقراء والضعفاء والمساكين”، وأوضح في الحديث نفسه أن الأورانيوم النيجيري وحده يضيء كل مصباح من أصل ثلاثة مصابيح في فرنسا، بينما الشعب النيجيري لا يتوفر 80 بالمائة منه على الإنارة الكهربائية”، واستطرد متسائلا في سياق أخر لماذا تمنع فرنسا سكان الجزء الجنوبي من مالي من الوصول إلى الجزء الشمالي حيث مدينة كيدال، وقال “إن رئيس دولة مالي هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”، داعيا في ذات الحديث الشباب الإفريقي إلى التحلي بالصبر والعزيمة حتى التحرر من هذا الظلام.

لقد أضحى اليوم لدى محطات الطاقة النووية الفرنسية طلب على اليورانيوم الأجنبي يصل إلى ما بين 1000و1200 طن، وهي كمية تتغير من عام إلى عام، وتقوم شركتا “أريفا” و”ويستنغهاوس” الفرنسيتين بتوفير حوالي 8000 طن من اليورانيوم الطبيعي كل عام من خارج فرنسا، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي مقارنة بالأجنبي، ولهذا الغرض تم إنشاء الشركة العامة للمواد النووية، شركة “أريفا” للطاقة النووية، في عملية تمت على مرحلتين امتدتا بين عامي 1983 و2001، ودمجتها بالمؤسسات العامة الأخرى.

الكنز الإفريقي

ظلت فرنسا ولمدة عقود من الزمن، وتحديدا منذ اكتشافها ذلك الكنز الإفريقي، تعتبر مستعمراتها في هذه القارة جزء لا يتجزأ من ترابها، ولذلك عقدت العزم وبتنسيق مع حلفائها على إحكام سيطرتها ليس فقط على هذه المستعمرات ولكن على كل دول إفريقيا، وخاصة تلك الغنية بالموارد النفطية والغازية والمعدنية وغيرها، فقسمت وجزأت طوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي تلك الدول بمنطق مصلحي نفعي محض وبسطت كل نفوذها عليها، وحددت الفرنك الفرنسي عملة مستخدمة في المناطق التي كانت تخضع لسيطرتها الاستعمارية في إفريقيا، وخلال الحرب العالمية الثانية، فعلت باريس تداول هذه العملة من خلال طبع أوراقها النقدية بواسطة الصندوق المركزي لفرنسا الحرة، الذي كان موجودا آنذاك بالجزائر عام 1943.

وخلال العام 1945، وقعت باريس على اتفاقية “بريتون وودز” التي تم توقيعها عام 1945، وبموجبها تم تثبيت العديد من العملات الأجنبية وتداولها مقابل الدولار، ومن بينها الفرنك الفرنسي، وهكذا، حافظت فرنسا على هيمنتها على الموارد الطبيعية لإفريقيا، وسهلت أنشطتها التجارية أيضا، وما يزال هذا الفرنك الذي استخدم في 21 دولة خلال سنوات اعتماده، متداولا حاليا في 14 دولة، حتى بات أمر الخروج من الجماعة المالية الإفريقية، رغبة ملحة لدى معظم الدول في المنطقة إلا أنها كانت دوما تصطدم بالمارد الفرنسي.

وهذا هو ما يفسر التدخل المحكم والسريع لفرنسا وحلفائها في كل من أوروبا وأمريكا لصد كل محاولة انقلاب عسكرية تقع في هذه البلدان، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند محاولة الانقلاب العسكري بمالي يوم 22 مارس/آذار 2012، أعلن الانقلابيون عن حل جميع المؤسسات وتعليق العمل بالدستور واعتزامهم التخلي عن استخدام الفرنك الفرنسي، ليجدوا أنفسهم وبعد فترة وجيزة أمام ترسانة عسكرية لا قبل لهم بها تقودها السلطات الفرنسية، ونفس الشيء حدث في انقلابي 2020 و2021، اللذين قادهما العسكري الشاب العقيد أسيمي غويتا.

وقبل هاذين الانقلابين، تم إحباط وفي ظرف قياسي، ما أسماه الإعلام الفرنسي حينها بمؤامرة لإسقاط الحكومة الحالية، دبرها ضباط عسكريون منفيون، مشيرا إلى أنه تمت مصادرة وثائق تحدد خطة للإطاحة بالرئيس الحسن واتارا وإنشاء سلطة انتقالية، وعلى هذا المنوال كانت فرنسا تدبر أمر الانقلابات في باقي البلدان الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية، بهدف إحكام السيطرة وبسط النفوذ وبالتالي استغلال الكنز الإفريقي.

مستقبل العالم

وبناء على كل تلكم المعطيات، فإن تمة مجموعة من علامات الاستفهام تطرح نفسها بنفسها أهمها كيف السبيل لتستفيد البلدان الإفريقية من مواردها الطبيعية الغنية؟

وجوابا على هذا السؤال، يقول باحثون وخبراء في المجال أن الفساد وغياب الحكم الرشيد وسوء الإدارة واستمرار التبعية الاقتصادية من أبرز الأسباب التي تحول دون استفادة إفريقيا من مواردها الطبيعية الغنية، مشيرين إلى أنه وعلى الرغم من أن تلك الموارد تشكل نحو 33 بالمائة من مجمل الموارد المتوافرة في العالم إلا أن أزيد من 45 بالمائة من سكان القارة السمراء يعيشون دون مستوى الفقر.

ويرى آخرون أن استفادة القارة السمراء من تفوقها الواضح من حيث توفرها على مصادر مهمة من الموارد الطبيعية، مرتبط بإحداث موازنة استثمارية جديدة تقوم على تحقيق الأولويات الأساسية التي تقود إلى عائدات تنعكس بشكل مباشر على التنمية البشرية، ومرتبط كذلك بتحقيق ديمقراطية حقيقية تعطي المؤسسات حرية وضع وتنفيذ السياسات المتعلقة بإدارة تلك الموارد وتوجيهها نحو التنمية الشاملة.

كما يرون أنه مرتبط أيضا بإحداث تحول كبير في السياسات التعليمية من خلال الاهتمام بالتدريب المهني وإدخال التكنولوجيا بشكل مكثف في برامج التعليم من أجل الاستفادة من الأعداد الضخمة من الشباب في ترويض الموارد الطبيعية وتحقيق الفائدة الاقتصادية القصوى منها، بدلا من ترك أكثر من 60 بالمائة من شباب القارة إما يتجهون نحو الهجرة خارج بلدانهم أو يعملون في مجالات هامشية وغير مهيكلة.

إن تفعيل مثل هذه التغييرات الجوهرية في القارة السمراء بتمكينها من الاستفادة من مواردها الطبيعية، من شأنه أن يحولها إلى قوة اقتصادية عالمية، ومنطقة جذب لمختلف الاستثمارات الاقليمية والدولية، وهو ما يعني أن إفريقيا هي بحق مستقبل لكل أجيال القارات الخمس.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب