د. حمادة شعبان يكتب.. دلالات الكلمة الأخيرة للمتحدث الرسمي لداعش الإرهابي
أصدر تنظيم داعش الإرهابي الخميس 4 يناير كلمة صوتية لمتحدثه الإعلامي “أبو حذيفة الأنصاري” تحمل عنوان “واقتلوهم حيث ثقفتموهم”، تناول فيها عديد من النقاط من أهمها القضية الفلسطينية. وهناك دلالات عديدة لهذه الكلمة نجملها على النحو الآتي:
أولًا: هذه ليست هي المرة الأولى التي ينشر التنظيم فيها مقطعًا يحمل عنوان “واقتلوهم حيث تقفتموهم”، إنما سبقتها كلمة أخرى، للمتحدث “أبو الحسن المهاجر” الذي قُتل في سوريا عام 2019م، بعد أيام من مقتل “أبو بكر البغدادي”. وحينها دعا “المهاجر” إلى استهداف تركيا ومصالحها وسفاراتها في أي مكان في العالم.
ثانيًا: تحدث “الأنصاري” في كلمته عن “القضية الفلسطينية”، وكان واضحًا جدًا من أول دقيقة في المقطع أنه يلمح ويمهد السبيل للحديث عن هذه القضية. فبدأ بمقدمة طويلة أكد فيها على عدة أمور، من أهمها التوحيد والجهاد، مؤكدًا على أن التوحيد هو الغاية والجهاد هو السبيل إلى التوحيد، ومن ثم ليس كل قتالٍ يمكن أن يكون جهادًا، مشيرًا إلى أن الناس في هذا الأمر انقسموا إلى عدة فرق وحركات وأحزاب، بعضها أراد توحيدًا بغير جهاد، وهو بهذا يقصد من يمارسون عباداتهم ويطلبون العلم في أوطانهم دون علاقة بالسياسة أو حمل السلاح، وبعضها أراد قتالًا بغير توحيد يقصد بهذا كل من يقاتل خارج إطار التنظيم، ومن بينهم المقاومة الفلسطينية، منوهًا إلى أن التنظيم هو الفرقة الناجية القليلة التي انتهجت منهج الجهاد والتوحيد معًا. وهذا الأمر واضح بجلاء ليس في هذا المقطع فقط، إنما في خطابات التنظيم الأخرى في صحيفته الأسبوعية، وكذلك خطاب أتباعه على مواقع التواصل الاجتماعي.
ثالثًا: دعا المتحدث لقتلى فلسطين من المسلمين المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، ولم يتطرق إلى المقاومين، وهذا كان ملفتًا للنظر في المقدمة، وظهر بعد ذلك أنه متعمدًا، حيث ذكر أن التوحيد كان غائبًا عن خطابات قادة الفصائل الفلسطينية، وتصريحاتهم التي أكدوا فيها أن غاياتهم هي تحرير التراب والوطن، وهذا بعد عن الشريعة على حد وصف المتحدث.
رابعًا: أكد المتحدث أن التنظيم ينظر إلى ما يحدث للمسلمين في غزة باعتباره جزءًا مما يحدث للمسلمين من جراحات كثيرة في سائر بلاد المسلمين. وهنا نقطة مهمة وخطيرة للغاية، وهي أن التنظيم لم ينس نهجه العالمي، وهو لا يفرق بين المسلمين في غزة وفلسطين والمسلمين في سائر الدول العربية، وبالتالي لا يفرق بين الحكومات العربية والحكومة الصهيونية. وأكد ذلك في أكثر من عبارة مثل أنه لا فرق بين أرض تحكم بدستور صهيوني وأخرى تحكم بدستور فلسطيني، وهذا يترتب عليه أنهم من الممكن أن ينفذوا عمليات ضد غزة أو فلسطين مثل أي دولة عربية نفذوا فيها عمليات، ومن بينها غزة نفسها.
خامسًا: التنظيم يعرف مدى أهمية القضية الفلسطينية عند العالمين العربي والإسلامي، ويتابع تعاطف الشعوب مع الشعب الفلسطيني، وانتظارهم خطابات الفلسطينين الخاصة بالحرب وتحليلاتها، ويتابع التنظيم أيضًا سياسة المقاطعة الاقتصادية لكافة المنتجات التي تساند دولها الكيان الصهيوني، ومن ثم لا يستطيع أن يدخل في موضوع تشويه المقاومة الفلسطينية بصورة مباشرة، وإنما كان لابد من مقدمة طويلة، يخاطب فيها مشاعر الناس، ويتحدث عن العبادة التي هي الهدف من وجود البشر، إعمالًا لقوله تعالى “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، ثم يتطرق إلى الحديث عن التوحيد والجهاد، ثم يعرب عن حزنهم لقتلى فلسطين من المسلمين، ويدعو لهم، وهذا كله تمهيد، هدفه دغدغة مشاعر المتلقي، وجره رويدا رويدا، وجعله يثق بما سيقول، حيث يجمعه بالمتحدث التعاطف مع القضية الفلسطينية والألم للقتلى الأبرياء. بعد ذلك يدخل المتحدث في الموضوع الأساسي، وهو تشويه نضال الشعب الفلسطيني، وإظهار أن غاية المدافعين الفلسطينين في القتال ليس التوحيد، وإنما قتال جاهلي وقومي وعلماني، وتعاون مع من يطمعون في بلاد المسلمين على حد وصف المتحدث في المقطع. ثم يخرج من هذا كله بنتيجة وهي أن المعركة هي معركة مع حلفاء الكيان الصهيوني أكثر من كونها معركة مع الكيان نفسه، ومن ثم وجب قِتال حلفاء الكيان، الذي يمثل تمهيدًا للمعركة الفاصلة مع الكيان نفسه، محددًا موعد هذه المعركة الفاصلة وهو بعد القضاء على جميع حلفاء الكيان، ليس من الغرب بل ومن العرب أيضًا، مؤكدًا أن هذه هي خريطة الحرب التي تسعى دولتهم المزعومة لها، في مشهد غريب يتعارض مع المنطق ويتغافل عن آلاف القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين من بيوتهم، ويصور أنه من أجل نصرة فلسطين لابد من قتال العالم كله شرقًا وغربًا، وهذا لن يحل القضية الفلسطينية ولن يرد المظالم التي يتعرضون لها الفلسطينيون، بل سيكون مجرد تمهيد الطريق لذلك.
سادسًا: بعد أن وصف المتحدث الحل للقضية الفلسطينية بدأ خطاب التحريض، الذي غالبًا ما يُنهي به خطاباته، والذي يسعى من خلاله إلى تحويل المتلقي من رافض لوضع إلى متمرد عليه، أو من شخص عادي إلى شخصٍ حركي، حيث يحرض المتحدث على تنفيذ عمليات إرهابية في أمريكا وأوروبا، على طريقة التنظيم المعروفة من دهسٍ وطعن وغيرها مما يسمى بـ “عمليات الذئاب المنفردة”، التي أصبحت سلاح التنظيم الوحيد لتنفيذ عمليات في الغرب، دون أن ينسى المتحدث منهج تنظيمه وطريقته والاستراتيجية الإعلامية التي يتبعها وتصب في صالحه وتثبت للغرب بصفة خاصة أنه ما زال موجودًا وقادر على الوصول لدوله، حيث يؤكد المتحدث أن من سينفذ عملياتٍ يضع في نيته أنه هو سلاح دولتهم المزعومة، وكأنه يقول لهم “نفذوا عمليات لا ترهق المحلليين والخبراء في معرفة أن القائم بها هو تابع لنا”.
وهذا ليس جديدًا عن استراتيجية هذا التنظيم الإعلامية، في كافة خطاباته التي يعارض فيها دائمًا إجماع الأمة والشعوب والفطرة الإنسانية التي فُطر الناس عليها. إنه خطاب براجماتي بامتياز، لا يراعي عرفًا، ولا يطبق دينًا، ولا يحزن على شعبٍ يُباد.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب