حصاد فلسطين في 2023.. «الحرب الكاشفة».. تفضح ازدواجية المعايير وأخلاق العالم المزيَّفة
القدس- ثائر نوفل أبوعطيوي
على الرغم من حجم الدمار الذي خلَّفه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة الفلسطيني، بعد العدوان الذي بدأ من السابع من أكتوبر الماضي، إلا أنَّ الحرب كما يسميها كثيرٌ من المراقبين والمحللين، كانت كاشفةً لزيف المعايير الإنسانية التي يتشدق بها المجتمع الدولي، وقادة الدول الغربية، على اعتبار أنهم يمثلون قيم الحضارة الإنسانية في العصر الحديث، كما أثبتت الحرب التي يشهدها القطاع للمرة الأولى منذ عقودٍ، أنَّ المنظمات الدولية عاجزةٌ أمام الرغبات الأمريكية التي تدافع عن مصالحها وحلفائها، حتى لو كانوا مجرمي حرب، كما هو الحال مع قادة الاحتلال، الذين تحميهم الولايات المتحدة وحلفائها من أي تعرضٍ دولي للمحاكمة أو غيرها من أساليب الملاحقة الدولية، بعد جرائمهم في غزة.
فشل المجتمع الدولي
ويرى كثيرون أنَّ الحرب على غزة أظهرت كثيراً من مكامن الضعف لدى منظماتٍ وتجمعات إقليمية، فشلت في تبني سياساتٍ تضغط باتجاه وقف الحرب، في مقدمتها مجلس الأمن والأمم المتحدة، فعلى الرغم من تصويت الأمم المتحدة بالإجماع على قرارٍ بوقف إطلاق النار، إلا أن الطائرات الصهيونية لا تزال تدك منازل الفلسطينيين العُزَّل فوق رؤوسهم، ولا زال جنود الاحتلال يدمرون كل ما تراه أعينهم في غزة، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً.
- اقرأ أيضا:فلسطين في أسبوع.. مصادر تتحدث عن هدنة جديدة ومجلس الأمن يجهز مشروع قرار لدخول المساعدات لغزة
وفي وقتٍ سابق أعلن الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش)، إنه مصدومٌ من مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين في ضربةٍ على مستشفى في غزة، لتحل الصدمة عند غوتيريش مكان “القلق” الذي كان يبديه الأمين العام السابق (بان كي مون) إزاء الانتهاكات والمجازر التي تقع في كثيرٍ من مناطق العالم، ليثبت من جديد عجز المنظمة الأممية عن التعاطى مع مشكلات العالم.
الشجب والإدانة أمام شريعة الغاب
وفي عالمٍ يتراجع فيه تطبيق القانون الدولي لصالح شريعة الغاب، اكتفت المنظمات الدولية بكل ما تملكه من أدواتٍ، بالشجب والإدانة وأحياناً المطالبة، لتثبت المطالب القديمة الجديدة التي ترمي إلى ضرورة خلق تنظيمٍ عالمي جديد قادر على قيادة العالم للسلام، وأنَّ الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة لم يعد لهم دورٌ يذكر في حل مشكلات العالم، بل تحولوا لأحد أسباب إطلالة الصراع، بسبب الازدواجية التي تتعامل بها المنظمات الدولية مع حلفاء الغرب، وخصوصاً الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يلتزم بأي قرارٍ صادر عن المنظمات الدولية منذ بدء احتلال الأراضي العربية عام 1948 وحتى الآن.
الرفض الأمريكي مزيفٌ وداعم للإبادة
وفي المقابل تتغني الولايات المتحدة الأمريكية بأنها حامي الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، لكنها يبدو أنها تحمى حقوق الإنسان الأبيض، الذي يعيش في الجانب الشمالي من الكرة الأرضية فقط، لكن من يعيشون في النصف الجنوبي فلا حقوق لهم في قاموس الديموقراطية الأمريكية، فرغم الإدانات الواسعة التي أعلنها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، لم يستطع الجانب الأمريكي الضغط على الاحتلال لوقف الحرب، ولا حتى لدخول المساعدات اللازمة لأهالي غزة المحاصرين.
جرائم لا تسقط بالتقادم
ليس هذا فحسب؛ بل إن القوات الإسرائيلية اقتحمت المستشفيات ودهست الجرحى بالآليات العسكرية في مستشفى كمال عدوان، ومن قبلها فصلت الأجهزة عن الأطفال الخدج في مستشفيات الشفاء والرنتيسي، وهاجمت القطاع الصحي في غزة دون أن يهتز جفن عين قادة العالم، بل سمحوا للاحتلال أن يخفي جرائمه ويسكت الشهادات المروعة القادمة من القطاع، عبر استهداف الصحفيين والمراسلين في مناطق الصراع، بالإضافة إلى قطع شبكات الإنترنت، وحرمان الأهالي من الكهرباء والوقود.
ويرى مراقبون أن فشل الأمم المتحدة في المجال الإنساني، وعدم القدرة على تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، يُضاف إلى فشلٍ سياسي مزمن منذ 75 عاماً، وفي هذا الإطار، تتحمل المسؤولية الدول الكبرى في المقام الأول، وما يُسمى (المجتمع الدولي) في المقام الثاني، لأن ترك هذه المنطقة لشأنها وللمتطرفين الذين قوضوا السلام، ولعدم التعامل بنفس المقاييس بين طرفي النزاع.
نظامٌ عالمي جديد لن يأتي قريباً
وبين التساؤلات الكثيرة التي طرحتها التطورات المحيطة بغزة، ما يتعلق بمواقف روسيا والصين، وهما البلدان اللذان أعلنا بشكلٍ واضحٍ ومباشر عن معارضة سياسة العقوبات الجماعية، وطالبا بوقف الحرب. إلا أن هذه المواقف لم تترجم بتحركاتٍ سياسية نشطة تعكس ثقل وحجم تأثير البلدين العملاقين. وبالتالي، فإن السؤال الأكثر ترديداً لدى خبراء في روسيا والصين، دار عن سبب إخفاق البلدين اللذين طالما تكلما عن دفع التحرك نحو ترسيخ ملامح نظامٍ عالمي جديد، وغدا هذا المسار جزءاً أساسياً من عقيدتيهما في مجال السياسة الخارجية في السنوات الأخيرة.
وبالفعل، كتب معلقٌ روسي أخيراً: «هل توجد ظروفٌ دولية أفضل من هذه التي يشهدها العالم حالياً لتكريس فكرة الانتقال إلى نظامٍ دولي جديد، عبر تحركاتٍ جدية تضع بدائل للهيمنة على القرار الدولي من جانب الغرب؟».
خبراء في موسكو يتوقعون، في أي حال، أن يتضمن الوضع الإقليمي الذي أسست له حرب غزة – مهما كانت نتيجتها الميدانية – من بين أمورٍ عدة، عودةً أنشط للولايات المتحدة إلى المنطقة، لا استمراراً لانحسار دور واشنطن وتأثيرها كما اعتقد البعض. وهذا، من دون أن يعني ذلك، تقليص الحضور الروسي أو الصيني المتزايد أيضاً في المنطقة.
لكن يبدو أنَّ هذا التصور لن يحدث قريباً، بسبب عجز القوى المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عن فرض قواعد جديدة على اللعبة العالمية، وهو ما يوحى بأن الحديث عن نظامٍ عالمي جديد لا يزال أمنيةً لن تتحقق في الوقت القريب، بل ربما تحتاج لمواجهاتٍ أكبر اتساعاً من هذه الحرب، تنخرط فيها دولٌ إقليمية كبرى حتى يمكن فرض شروطٍ جديدة تقود العالم نحو سلامٍ حقيقي، وليس سلاماً للغرب وحلفائه، وموتاً لكل من يخالفهم.
محاولات إقرار هدنةٍ دائمة في غزة
ورغم فشل تمديد الهدنة السابقة، والتي استمرت لعدة أيام مقابل الإفراج عن عددٍ من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، إلا أن هناك مساعي حديثة لإقرار هدنةٍ دائمة، حيث نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين مصريين القول إن إسرائيل وحركة حماس منفتحتان على تجديد وقف إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين، لكن لا تزال هناك خلافات حول كيفية تنفيذه.
وأضاف المصدران لرويترز “حماس تصرُّ على وقف إطلاق النار بشكلٍ كامل، ووقف الطيران في قطاع غزة كشرطٍ رئيسي للقبول بالتفاوض… بالإضافة إلى تراجع القوات الإسرائيلية لبعض الخطوط على الأرض في قطاع غزة”.
وقالا: “حماس أبدت موافقةً على استكمال هدنة تسليم الرهائن بقائمةٍ تحددها حماس ولا يفرضها عليها أحد”.
وأضافا: “اضطُرت إسرائيل إلى الموافقة على قائمة الرهائن من المدنيين تحددها حماس، ولكن إسرائيل طلبت جدولاً زمنيا وقائمة الرهائن… توافق إسرائيل في المفاوضات على مطلب وقف إطلاق النار ولكنها ترفض التراجع”.
وتواجه الحكومة الإسرائيلية دعواتٍ لوقف إطلاق النار من بعض أقرب حلفائها الأوروبيين، ومن محتجين في الداخل، بعد سلسلةٍ من عمليات إطلاق النار، بما في ذلك ثلاث رهائن لوَّحوا بعلمٍ أبيض، مما زاد من المخاوف المتزايدة بشأن سلوكها في الحرب المستمرة منذ عشرة أسابيع في غزة.
وقد تواجه إسرائيل أيضًا ضغوطًا لتقليص العمليات القتالية الكبرى، عندما يزور وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) المنطقة، حيث أعربت واشنطن عن استيائها المتزايد من سقوط ضحايا من المدنيين، حتى أثناء تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي الحيوي.
كما طالبت وزيرة الخارجية الفرنسية (كاثرين كولونا) بـ “هدنة فورية” تهدف إلى الإفراج عن المزيد من الرهائن، وإدخال كمياتٍ أكبر من المساعدات إلى غزة، والتحرك نحو “بداية حلّ سياسي”.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في وقتٍ سابق إن أحد موظفيها قُتل في غارةٍ إسرائيلية على منزلٍ في رفح. وأدانت الوزارة الغارة التي قالت إنها قتلت عدة مدنيين، وطالبت بتوضيحٍ من السلطات الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، دعا وزيرا خارجية المملكة المتحدة وألمانيا إلى وقفٍ “مستدام” لإطلاق النار، قائلين: “لقد قُتل عددٌ كبير جدًا من المدنيين”.
وفي الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس إلى السلام، قائلاً إن “المدنيين العُزَّل يتعرضون للقصف وإطلاق النار، وقد حدث هذا حتى داخل مجمع أبرشية العائلة المقدسة، حيث لا يوجد إرهابيون، بل عائلاتٌ وأطفال ومرضى من ذوي الإعاقة، وراهبات”. جاءت تصريحاته بعد أن قالت البطريركية اللاتينية في القدس إن امرأتين مسيحيتين في مجمع كنيسة في غزة قُتلتا بنيران قناصٍ إسرائيلي.
ومن جهته أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 4 من جنوده، خلال المعارك في قطاع غزة، وارتفاع عدد قتلاه إلى 458 قتيلاً منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هغاري، أن جندياً آخر، في حالةٍ حرجة، بعد إصابته خلال القتال.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن قتلى الجيش المعلن عنهم من وحدات “ماجلان” ودوفدفان” و”يهلوم”.
وبذلك يرتفع عدد قتلى الجيش الإسرائيلي منذ بدء العملية البرية في غزة إلى 126 قتيلاً.
ونفذت القوات الإسرائيلية هجماتٍ دامية في أنحاء قطاع غزة، استهدفت خلالها مخيماً للاجئين في الشمال، ومستشفى في الجنوب، بالإضافة إلى مقتل فتاةٍ كانت قد بُترت إحدى ساقيها في قصفٍ سابق، وفقاً لما ذكره مسؤولون فلسطينيون وشهود.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة لرويترز، إن الغارات الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة أدت إلى مقتل 90 فلسطينياً الأحد.
ودخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مرحلةً خطيرة بعدم مرور أكثر من 75 يوماً، حتى كتابة هذه السطور، في ظل استمرار القصف والاشتباكات من شمالي القطاع إلى جنوبه، الذي يشهد للمرة الأولى منذ بدء الحرب اشتباكات، وذلك مع سقوط مئات الفلسطينيين بين قتيلٍ وجريح من جراء نيران الجيش الإسرائيلي.
وأسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عن مقتل أكثر من 19 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 52 ألف آخرين، 70% منهم من النساء والأطفال، في حصيلةٍ غير نهائية.
وفي الضفة الغربية المحتلة، ارتفع عدد القتلى برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مداهماته لمدن وقرى ومخيمات الضفة إلى 505 قتيل، بينهم 111 طفلاً، وذلك منذ بداية العام الجاري، في حين ارتفع عدد القتلى منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى 297 قتيلاً، بينهم 70 طفلاً، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب