إعداد/ دكتور- أحمد البدوي سالم (عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر
وزميل كلية الدفاع الوطني، الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية)
إن حروب المعلومات والحروب السيبرانية تشكل تطورًا ومظهرًا من مظاهر الحروب الحديثة، وحسب ماريا روزاريا تاديو Mariarosaria Taddeo فإن مصطلح “حرب المعلومات” أصبح يستخدم بالفعل في بعض الأدبيات للإشارة إلى استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المخصصة لاختراق البنية التحتية للمعلومات الخاصة بالخصم من أجل تعطيلها أو الحصول على البيانات والمعلومات ذات الصلة حول موارد الخصم واستراتيجياته العسكرية وما إلى ذلك.
والحروب السيبرانية عرفها Carr, J. 2010. Inside cyber warfare بأنها: “مصطلح شامل” يشير إلى الاستخدام العدواني لتقنيات الكمبيوتر المتقدمة بطريقة مصممة عمدًا لإلحاق ضرر كبير بالمصالح الأساسية لمجتمع سياسي.
والحرب السيبرانية، عرفها كارل فون كلاوزفيتز، بأنها: أعمال قوة لإجبار العدو على تنفيذ إرادة المرء من خلال وسائل إلكترونية أو افتراضية باستخدام كود خبيث.
إن فكرة مساهمة أجهزة الكمبيوتر في الحرب أو في توليها هي فكرة قديمة قدم أجهزة الكمبيوتر نفسها وفي العقد الماضي، انتشر استخدام الحرب السيبرانية على نطاق واسع، وتشمل بعض الأمثلة المعروفة للهجمات السيبرانية في الشؤون العالمية: الهجمات على إستونيا (2007)، ودودة ستوكسنت التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني (2010)، واختراق اللجنة الوطنية الديمقراطية (2015-2016).
وقد أُشير في الأدبيات السيبرانية والأمن السيبراني إلى أن الفضاء السيبراني يعتبر “البعد الخامس للحرب”، بعد الأرض والماء والهواء والفضاء. ومع ذلك، يحيط بالحرب السيبرانية قدر كبير من الارتباك أو “الضبابية”، سواء فيما يتصل بواقعها الحالي أو إمكاناتها المستقبلية. كما اختلف حول مقدار الضرر الذي قد تحدثه الهجمات السيبرانية في الواقع؟ وهل من المناسب تشبيه الهجمات السيبرانية المعتمدة على الكمبيوتر بالعنف المادي؟ وهل تعمل “الحرب المعلوماتية”، كما تُعرف الحرب السيبرانية، على تغيير طبيعة الصراع السياسي المعاصر؟
ويشير الدكتور “لوك بيريز” في مقالة له بعنوان: Just War Theory and Cyberwar
“أن تزايد وتيرة وتعقيد الهجمات الإلكترونية كأدوات للحرب والجيوسياسية أدى إلى دفع كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان تقليد الحرب العادلة كافياً لمهمة وضع المبادئ التوجيهية الأخلاقية للاستخدام السليم للحرب الإلكترونية والاستجابة لها”.
والواقع أن كل تقدم تكنولوجي جديد يهدد بتقويض تفكيرنا الأخلاقي، ويدعو إلى إساءة استخدام الأخلاق وإهمالها في السياسة. وأن الحرب الإلكترونية ليست مختلفة عن ذلك، ومن بين العديد من المستجدات التي تتسم بها، فإن قدرتها على التوسع صعوداً وهبوطاً على طول سلسلة التصعيد تبدو فريدة من نوعها: فالهجمات الإلكترونية يمكن أن تتراوح بين الجهود الصغيرة والتكتيكية الدقيقة للتجسس من جانب الجهات الفاعلة غير الحكومية، إلى “الضربات الأولى” الاستراتيجية واسعة النطاق التي تسبق أو تصاحب الاستخدامات العسكرية الأخرى.
ويرى بريان أوريند وكلارك أن الحرب السيبرانية، بشكل عام، يمكن أن تتخذ أحد ثلاثة أشكال:
1- التجسس: أي استخدام الإنترنت، وما إلى ذلك، لجمع المعلومات التي اتخذت الدولة خطوات لحمايتها كمسألة تتعلق بالأمن القومي، مثل المعلومات السرية أو السرية أو المصنفة.
2- نشر المعلومات المضللة، من خلال نفس الوسائل، بطريقة تضر بالمصالح الأمنية للبلد المستهدف.
3- التخريب (أي استخدام هذه الوسائل لإحداث عدم عمل أو تدمير أنظمة مختلفة تشكل جزءًا لا يتجزأ من المصالح الأساسية للمجتمع السياسي. وتشمل الأنظمة التي يتم ذكرها غالبًا: الكهرباء والطاقة؛ وتوزيع المياه والوقود؛ والأجزاء المحوسبة من مرافق التصنيع؛ وأنظمة النقل، مثل الطيران أو السكك الحديدية؛ والخدمات المصرفية وسوق الأوراق المالية؛ وحتى الإنترنت نفسه، أو على الأقل المواقع الإلكترونية الأكثر استخدامًا (مثل Google أو Facebook)، ومقدمي خدمات الإنترنت، وأنظمة التشغيل الأساسية.
ومن الادبيات التي ركزت على دراسة الحرب السيبرانية وتأثيرها على الامن القومي كتاب: “الحرب السيبرانية: التهديد القادم للأمن القومي وما الذي ينبغي عمله حيال ذلك” (2011)، لريتشارد كلارك، المنسق الوطني الأميركي السابق للأمن وحماية البنية الأساسية ومكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة في عهد إدارتي كلينتون وبوش، وروبرت ناكي، المدير الأميركي السابق لسياسة الأمن السيبراني في مجلس الأمن القومي.
ومن الناحية الوصفية توجد ثلاث نظريات لتوصيف الحرب السيبرانية هي المتشككة، التي لا تؤمن يوجود حروب سيبرانية، ويمثلها “هوارد شميت”، والذي أعلن أنه: “لا وجود لشيء اسمه الحرب السيبرانية”، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك.
لقد أصبحت الحروب المعلوماتية حروبًا حقيقية لها عواقب وخيمة للغاية بما في ذلك خسارة الأرواح. (وإن كانت هذه العواقب الأكثر خطورة تبدو نادرة واستثنائية أكثر منها عادية ومتوقعة، كما هي الحال مع الحرب التقليدية). ومن ناحية أخرى، يبدو أن المشككين في الحرب السيبرانية محقين في إصرارهم على أنه من المهم عدم المبالغة في الخوف المبالغ فيه بشأن احتمالية الوقوع وإذا كان البنتاغون ينفق مائة مليون دولار أميركي كل ستة أشهر على الدفاع السيبراني، ويستنتج منه أن قدراً كبيراً من هذا الإنفاق من المرجح أن يحقق اهتماماً مشروعاً، ويرجح أيضاً اهتماماً مشكوكاً فيه.
النظرية الثانية: وهي النظرية الواقعية
والتي تقوم على أن الحرب السيبرانية موجودة بالفعل، وانها حقيقة واقعة؛ لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا ينبغي لنا أن نفعل حيالها؟
إن الاستجابة الواضحة لهذه المسألة تتلخص في محاولة تنظيمها بالقانون. وفي الوقت الحاضر، لا يوجد أي قانون دولي على الإطلاق فيما يتصل بالحرب المعلوماتية يحقق اخلاقيات الحرب السيبرانية أو يعد مانعا لها.
النظرية الثالثة: نظرية الحرب العادلة:
وبحسب بريان أوريند فإن نظرية الحرب العادلة تقع بين الرؤيتين المتطرفتين للواقعية والسلمية. فمثلها كمثل السلمية (وعلى النقيض من الواقعية)، تعتقد نظرية الحرب العادلة أن تطبيق الأخلاق والقيم الأخلاقية على قضايا العلاقات الدولية أمر منطقي. ولكن على النقيض من السلمية (وعلى النقيض من الواقعية)، تعتقد نظرية الحرب العادلة أنه قد تكون هناك حالات يكون فيها اللجوء إلى الحرب مبررا، ولو باعتبارها الخيار “الأقل سوءا”. وعلى هذا فإذا كانت السلمية تقول “لا شيء يجوز” فيما يتصل بأخلاقيات الحرب، وكانت الواقعية تقول “كل شيء يجوز”، فإن نظرية الحرب العادلة ترى أن “بعض الأشياء يجوز أحياناً”.
ورغم أن الحرب قد تكون مسموحة من الناحية الأخلاقية، فإن نظرية الحرب العادلة تنظر إلى الحرب نظرة غامضة وخطيرة، وتصر على أنها محفوفة بالمخاطر وتفتقر إلى ضبط النفس بحيث لا تسمح بـ “كل شيء يجوز”. وتسعى نظرية الحرب العادلة إلى الاستعاضة عن هذا التساهل الواقعي بمجموعة من القواعد المعقولة لكبح جماح وتوجيه أولئك الذين يعتبرون الحرب أداة لحل بعض مشاكل السياسة الخارجية الخطيرة.
وكان لنهج الحرب العادلة تأثير عميق على القوانين الدولية للصراع المسلح، على سبيل المثال كما هو منصوص عليه في اتفاقيتي لاهاي وجنيف ، وكذلك في ميثاق الأمم المتحدة والقرارات المختلفة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومازالت الدراسات المستحدثة في أخلاقيات الأمن السيبراني و حرب المعلومات تبحث في النظريات الثلاث: الواقعية؛ ونظرية الحرب العادلة؛ والسلمية، لكبح جماح الحروب السيرانية وتداعياتها ليس على الأمن اقومي فحسب بل على الأمن العالمي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب