د. محمد جبريل العرفي يكتب.. تأثيرات التغييب والقضية والقدوة على حراك الشباب
الشباب هم الشريحة التي يعول عليها في القيام بأي فعل إيجابي، أو يخشى منها من أي فعل سلبي. ولهذا يركز العدو على شريحة الشباب، ويسعى دائما لإخراجها من المعركة، وإضعاف فاعليتها في الإنتاج وشل قدرتها على المقاومة. عادة ما يتم ذلك بالأساليب الناعمة التي تؤدي إلى تغييب الشباب ومنعهم من معرفة حقيقة الوضع الذي تعيشه بلادهم، أو المستقبل الذي ينتظرهم. التغييب يتم بوسائل عدة كترويج المخدرات، أو تفريغ طاقات الشباب بالألعاب الإلكترونية، أو متابعة مواقع المحتويات التافهة، أو إلهائهم بالإدمان على الاستماع إلى فن هابط، أو التعصب لأندية رياضية. في بلادنا رأينا آلاف الشباب يتظاهرون احتفالا بفوز نادٍ أجنبي، بينما لم تحرك مشاعرهم صرخات استغاثة الليبيات الحرائر جراء جرائم الميليشيات والمرتزقة الأجانب، أو ما يجري في مخيمات فلسطين.
إطلاق طاقة الشباب يحتاج إلى أمرين؛ أولهما حشدهم حول قضية يؤمنون بها ويضحون في سبيلها، القضايا التي تلهب مشاعر الشباب، منها المهم والمصيري، ومنها التافه والوقتي، فتحرير الوطن وتوحيده وإقامة العدالة الاجتماعية وتحقيق السيادة وفرض الهيبة، هذه قضايا ممكن أن يتبناها الشباب ويتوحدوا للتضحية في سبيلها. والعامل المهم الثاني الذي يحفزهم هو وجود قدوة للشباب، الشاب لا يعيش دون قدوة يحتذي بها ويتقمصها ويتمنى أن يصبح مثلها أو أن يصل إلى مستواها، القدوة لا تصنع بل تظهر تلقائياً ويختارها الشاب طوعاً، وهنا تكمن الفروق، فإما أن تكون قدوة الشباب بطلا قوميا يحمل مشروعا وطنيا تحرريا، وقد تكون القدوة رياضيا موهوبا أو فنان مبدع، ولكن الأخطر أن تكون القدوة شيخا ظلاميا تكفيريا، أو زعيما وهميا يتكئ على إرث صرح شارك في هدمه، ويتبنى أجندات مخفية، ويتحالف مع الأعداء التاريخيين للوطن، ويتملقهم ويروج لخطابهم، ويشكل اصطفافات حسب رؤيتهم، ويوظف القبيلة لمصالحه الأنانية. القدوة تصنع بمشروع، فإما أن يكون مشروعا وطنيا تقدميا تحرريا أو مجرد مشروع سلطة.. القدوة الوطنية تعتمد في علاقتها بالشباب على الوضوح والشفافية والنزاهة والمصداقية والتضحية.
من المفيد مراعاة قواعد علم النفس السياسي والاجتماعي التي تحكم السلوك البشري، بعيداً عن العاطفة.
يخطئ من يظن أن الليبيين لا يفقهون السياسة، فهم اكتسبوا خبرة من نقاشهم للقضايا المحلية والعلاقات الخارجية، وخطط التنمية ومشروعات القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومساءلة المسؤول الكبير والصغير، ولهذا أفشل الليبيون المؤامرة ومنعوا الإخوان والتكفيريين من قطف ثمارها، وذلك رغم الإمكانيات المالية والسطوة الميليشياوية، فبمجرد أن ظهر من يقود عملية مواجهة التكفير والإرهاب وانتهاك السيادة، تبلورت قضية تبناها الشباب واتخذوا قدوة، النتيجة التحام جماهيري تمكن من تطهير ثلثي ليبيا من الأشرار.
الشعب مثل البركان قد تجده هادئا، لكنه يثور تحت الأقدام في توقيت غير متوقع، وعندما تتوفر الظروف لثورته، أظن أنه في بعض المناطق توفرت الظروف لانتفاضة جراء الحالة المأساوية التي تعيشها تلك المناطق من عمليات الخطف والاغتيال والابتزاز والسلب والنهب، الجماهير ستفرز قيادة من بينها وتتحول هذه القيادة إلى قدوة يحتذي بها الشباب. الجماهير مثل مقطورة تحتاج إلى قاطرة تقطرها يسارا أو يمينا، حسب وجهة رؤية القيادة، ولهذا على القيادة السياسية الوطنية أن تقود القوة الوطنية للسيطرة على أي حراك شعبي لتأمينه من الاختراق وتحصينه عن الانحراف، وحشده حول مشروع وطن، وليس مشروع سلطة فرد أو قبيلة أو جهة أو حزب سياسي، لأنه لو كان الفعل خالصا لوجه الله فسينقذ ما تبقى من الوطن، وإن كان غير ذلك فتستمر المعاناة وتطول الأزمة.
إضافة ايديولوجية
الجماهيرعادة لا تبقى في السلطة بل توصل افراد اليها ثم ترجع الى مواقعها وتنظر من بعيد فان اساء التصرف تعود مرة اخرى لاقتلاعة وهكذا تستمر هذه الدورة ( غبن – ثورة – اقتلاع – تنصيب ….. غبن – ثورة – اقتلاع – تنصيب …. ) الى ان تقتنع الجماهير – في نهاية المطاف – بالحاجة الى الاحتفاظ بالسلطة لنفسها. الشعوب الان بدأت تقتنع بعيوب الديموقراطية النيابية والاحزاب وبدات تتجه الى الديموقراطية التشاركية كخطوة نحو الديموقراطية المباشرة. ولكن هذا التحول قد يستغرق عقود او قرون، قبل ان تسود الديموقراطية المباشرة وتتقلص الممارسات الاخرى.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب