تعددت النظريات والتصورات في مجال تنمية التفكير التربوي الأخلاقي، وتكمن أهمية دراسة تطور التفكير الأخلاقي في تحديد صواب أو خطأ السلوك الصادر عن الفرد أو الجماعة، بل إن المرتكزات الأساس في فهم كيفية تسيير وتدبير شؤون الدولة وتحقيق أمنها واستقرارها وهو ما يصطلح عليه بالحكامة القيادية يرجع إلى مدى استيعاب كوادرها وأطرها بأهم الموجهات للنظريات الفكرية التربوية في جانب تنمية التفكير التربوي الأخلاقي، وعملنا سينصب على المزج بين النظريات الفكرية التربوية الأخلاقية، لإحداث التكامل المعرفي من خلال عمل منهجي يقضي بتقسيم التفكير التربوي الأخلاقي إلى مستويين؛ أحدهما ذاتي والآخر موضوعي؛ ففي جانب تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الذاتي سندمج بين نظرية الحل الابتكاري للمشكلات “هنري ألتشر”، ونظرية الذات في الإرشاد التربوي “كارل روجرز”، وعلى مستوى تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الموضوعي، بين نظرية النمو الخلقي “لورنس كولبيرج”، ونظرية النمو النفسي الاجتماعي لأريكسون مع عالم النفس التطوري “إريك أريكسون”.
تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الذاتي:
ينطلق التفكير التربوي الأخلاقي الذاتي من تكوين وتأهيل الذات نفسيا للتعامل مع المشكلات بقصد معالجتها، ووضع الحلول المناسبة لها، وتعد نظرية الحل الابتكاري للمشكلات ذات صلة بهذا الجانب، فهي إحدى النظريات الاجتماعية الهامة التي أشارت إلى أهمية تطوير الفكر الإنساني وضرورة إعمال وتوظيف التفكير الإبداعي لإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات المختلفة. فقد نشأت النظرية في عهد الاتحاد السوفيتي قبل تفكيكه، وتحديداً في عام 1946 على يد المهندس والعالم الروسي “هنري ألتشر”.
تتجلى أهمية نظرية الحل الابتكاري للمشكلات في تركيزها على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلة دون الالتفات للأساليب التقليدية، فضلاً عن تعزيز الدافعية الذاتية لدى الأفراد، وقد لجأت العديد من الشركات العالمية مثل: (شركة تويوتا وفورد) إلى تطبيق مبادئ نظرية الحلول الابتكارية داخل منظماتها وذلك للارتقاء بالموظفين وبمستواهم الفكري. وقد وضع هنري ألتشر نظريته بعد مراجعة أكثر من مائتي ألف براءة اختراع، ومن ثم قام بوضع 40 مبدأ عاما للوصول لحلول مبتكرة للمشكلات، ولعل من أبرزها:
1- مبدأ العمل المضاد: وهي إستراتيجية فعالة لطرح حل جذري للمشكلات مع تفادي أية آثار جانبية سلبية.
2- مبدأ العمل التمهيدي: وهي إستراتيجية لحل المشكلات بطريقة استباقية لضمان تفادي الأخطاء قبل وقوعها.
3- مبدأ التغذية الراجعة: وهي إستراتيجية لحل المشكلات تضمن تقديم التغذية الراجعة حول المشكلة لضمان الإلمام التام بكامل أبعادها.
وحتى يكتمل التصور العلاجي لكيفية تعامل الذات مع المشاكل جاءت نظرية الذات في الإرشاد التربوي التي وضعها روجرز، وهي إحدى أهم النظريات في مجال علم النفس، والتي ركزت على تطوير الشخصية الإنسانية والتأكيد على المفهوم القائل إن أغلب الأفراد قادرون على مواجهة مشكلاتهم عن طريق تطوير شخصياتهم والانفتاح على الخبرات المختلفة.
نشأت نظرية الذات في الإرشاد التربوي عام 1949 على يد عالم النفس والسيكولوجيات الأمريكي “كارل روجرز” ويشير المفهوم الأساسي للنظرية إلى الاهتمام بالنفس واحترام الذات فضلاً عن التركيز على القدرات الشخصية لكل فرد وإمكانية تطويرها لحل جميع المشكلات التي تواجهه.
تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الموضوعي:
قصدنا بالموضوعي دراسة الحالات السلوكية وإمكانية معالجتها لتبلغ النضج الأخلاقي وتعتبر نظرية النمو الخلقي هي إحدى أهم النظريات في مجال علم النفس السلوكي التي تناولت مفهوم تطور الأخلاق لدى الطفل، حيث أشارت النظرية إلى دور الإدراك في تطوير النمو الأخلاقي في مراحل النمو المبكرة، كما أشارت النظرية إلى دور التجربة والخبرات في النمو الأخلاقي في مراحل النمو المتقدمة.
ونشأت نظرية النمو الخلقي في عام 1958 على يد العالم الأمريكي “لورنس كولبيرج”، الذي أشار إلى دور الإدراك في تطوير النمو الأخلاقي في مراحل النمو المبكرة، كما أشار إلى دور التجربة والخبرات في النمو الأخلاقي في مراحل النمو المتقدمة.
تتجلى أهمية نظرية النمو الأخلاقي باعتبارها من أهم النظريات التي ناقشت النمو الأخلاقي جنباً إلى جنب مع نظرية بياجيه، كما أشار كولبيرج إلى أن النمو الخلقي يعتمد على المعايير الشخصية للفرد، وبالتالي يمكن تعزيز النمو الخلقي لدى الفرد عن طريق تعزيز المعايير الأخلاقية لدى الفرد. وقد قسمت نظرية النمو الخلقي لكولبيرج مستويات النمو الخلقي إلى ثلاثة مستويات رئيسية:
1- المستوى ما قبل التقليدي: يتمثل التطور في هذه المرحلة في صورة مبسطة، حيث يعتبر المستوى ما قبل التقليدي هو المستوى الذي يختبره الإنسان في مرحلة الطفولة، ويميل الطفل في تلك المرحلة إلى تطوير استراتيجيات فكرية معينة، مثل إطاعة تعاليم الوالدين وتجنب العقاب.
2- المستوى التقليدي: وهو المستوى الذي يختبره الطفل في مرحلة متوسطة من حياته، حيث يتعمد الطفل المحافظة على توقعات الأسرة والمجتمع، مثل أن يحاول الاجتهاد في الدراسة لتحسين مستواه التعليمي.
3- المستوى ما بعد التقليدي: وهي مرحلة متطورة من النضج الفكري والأخلاقي على حد سواء، حيث يطور الإنسان في هذه المرحلة معتقدات خاصة وأفكارا معينة ويحاول الدفاع عنها.
تلا هذا المنظور التصوري في رصد درجات تنمية التفكير التربوي الأخلاقي أن تبلورت نظرية النمو النفسي الاجتماعي لأريكسون، وهي إحدى أهم النظريات في مجال علم نفس النمو التي تناولت التنمية النفسية الإنسانية، ونشأت نظرية النمو النفسي الاجتماعي لأريكسون عام 1965 على يد عالم النفس التطوري “إريك أريكسون” والذي حمل ثلاث جنسيات مختلفة “الدنماركية – الألمانية – الأمريكية”، وقد اتبع أريكسون نهج فرويد التطوري، إلا أنه ركز على الجانب الاجتماعي والثقافي للتطور بدلاً من الجانب البيولوجي، وأشار أريكسون إلى أن عملية النمو النفسي الاجتماعي تتأثر بعدة عوامل، كان من ضمنها الأحداث الاجتماعية والثقافية التي يتعرض لها الفرد خلال حياته.
فعملية النمو النفسي الاجتماعي تتمثل في ثماني مراحل مختلفة يمر بها الفرد خلال حياته منذ ولادته وحتى موته، وفي كل مرحلة عليه أن يتجاوز أزمة أو أزمات توجد في كل مرحلة من المراحل التنموية التي قد يصل إليها الفرد بعد أن ينجح في جميع المراحل السابقة، حيث إن مر الفرد بجميع المراحل بشكل إيجابي فإنه يكون قد طور بالفعل قدراً كبيراً من الاستقلالية والاجتماعية وتحقيق الذات والابتعاد عن اليأس.
وعليه يمكن القول إن مستوى التكامل المعرفي بجانب تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الذاتي يظهر جليا بين نظرية الحل الابتكاري للمشكلات “هنري ألتشر” ونظرية الذات في الإرشاد التربوي “كارل روجرز”، فالأولى نظرية الحل الابتكاري للمشكلات تركز على إيجاد الحلول انطلاقا من تعزيز الدافعية الذاتية لدى الأفراد، والثانية نظرية الذات في الإرشاد التربوي تقوم على احترام الذات والتوظيف الأمثل للقدرات الشخصية لكل فرد مع إمكانية تطويرها لحل جميع المشكلات التي تواجهه. وفي جانب تنمية التفكير التربوي الأخلاقي الموضوعي، فنظرية النمو الأخلاقي مع “لورنس كولبيرج” تعتمد على المعايير الشخصية للفرد وطريقة تعزيزها، أما نظرية النمو النفسي الاجتماعي “لإريك أريكسون” فقامت على الجانب الاجتماعي والثقافي للتطور، فإذا كان قياس درجة تطور التفكير التربوي مع “لورنس كولبيرج” يعتمد على مستوى التقليد أو محاكاة السلوك إيجابا أو سلبا، فإن “إريك أريكسون” عهد إلى خاصية تجاوز الأزمة في كل مرحلة عمرية لبلوغ النضج والاكتمال، وفي هذا تكامل معرفي ومنهجي بين التصورات والنظريات الهدف منه الإحاطة الشاملة ووضوح الرؤية.