تقوي مجدي تكتب ..تناقض واضح في تعامل الإدارة الأمريكية مع قضية غزة
الكاتبة باحث ثالث في وحدة الدراسات السياسية لمركز العرب
خلال تصريحات الرئيس الأمريكي “بايدن” في الكونجرس قبل أيام خلال خطابه الاتحاد السنوي، حين تحدث وهو في غاية الانزعاج، وكانت كلماته تقطر حزناً وكمداً على ضحايا الحرب في غزة من الفلسطينيين، هذه الحرب التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى الأبرياء من الرجال، والنساء، والأطفال، إضافة إلى هدم منازلهم؛ حيث أصبحوا يعيشون في مخيمات داخل وطنهم بلا ماء، ولا غذاء أو حتى دواء، كان خطابه بالغة الإنسانية والتعاطف مع مأساة الفلسطينيين ممن ذهبوا ضحية الحماقات الإسرائيلية، حيث تعهد بالمساعدات الإنسانية لصالح أهالي غزة “فقد أفلح من صدق”!
من المؤكد أن دموع التماسيح الأمريكية التي تنهمر، لم تنهمر في اللحظات الحرجة التي واكبت اندلاع الحرب، فقد مرت الآن قرابة الشهور الخمسة على واحدة من أشد الحروب دموية خلال الآونة الأخيرة، والتي قتل فيها الآلاف من المدنيين وغالبيتهم من الأطفال والنساء بلا إنسانية ولا قانون يحكمهم، أما من تبقى من سكان القطاع فقد وقعوا فريسة للجوع والعطش، وخلال تلك الشهور عانوا أشد المعاناة من تهجير قسري وتخاذل دولي وإزهاق للأرواح وتدمير للممتلكات، ورُغم كل ذلك لم تتحرك الولايات المتحدة ساكناً، ولم تفكر حتى في التحرك بجدية لإيقاف هذه الحرب الشنيعة التي تسببت فيها مجازر إسرائيل، متناسية أن السلاح والذخيرة اللذين تستخدمها إسرائيل في قتل الفلسطينيين مسجل عليهما “صنع في أمريكا”.
ما ظهر لنا من تصريحات الرئيس الأمريكي -الذي يقاتل الآن من أجل الفوز بفترة رئاسية ثانية- هو مدى تناقض تصريحاته مع أفعاله، وتعمد ادعائه بما يناقض سلوكياته، ونذكر مدى الحزن الذي سيطر على البيت الأبيض عندما تعرضت إحدى القواعد الأمريكية للقصف من قبل بعض المليشيات المسلحة قبل شهرين تقريباً، وقد قتل ثلاثة جنود أمريكيين وأصيب 35 آخرون، لقد كان يوماً حزيناً في حياة بايدن السياسية، الذي اهتم بقتلى ومصابي بلده متجاهلاً الكارثة الإنسانية المروعة في غزة، وكأن دماء الأمريكيين فقط هي التي تستحق الرثاء والبكاء، أما أرواح ودماء الفلسطينيين فلا ثمن لها.
غير أن “الرئيس الأمريكي” ذكر في خطابه بالكونجرس مؤخراً أن القتلى في غزة عددهم بالآلاف، وحتى لو كان عدد القتلى أقل من ذلك أو أكثر فهل هذا مسوغ لترك يد إسرائيل لتستمر في حصد أرواح الفلسطينيين بلا حساب؟ يعلم بايدن ربما أكثر من غيره أن سقوط قتيل مدني واحد كضحية للحرب هو أمر مؤلم للغاية، فهي أرواح بريئة لم تقترف إثماً، ولم ترتكب جريمة، فكم عدد الضحايا الذين تنتظرهم الولايات المتحدة لتتحرك بشكل إيجابي لإيقاف جرائم الحرب الإسرائيلية؟
لا شك أن التناقض الأمريكي الذي تنتهجه الولايات المتحدة أساء لها كثيراً أمام العالم برمته، فإن كان البيت الأبيض يبغض السلوكيات الإسرائيلية فلمَ يوفر لها الدعم السياسي في مجلس الأمن إذن؟ ولمَ تصر الولايات المتحدة على إجهاض أي قرارات دولية تدين الممارسات الإسرائيلية، ومنذ أيام قليلة صوت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان احتراماً للشهر الفضيل، أما بقية المشاريع المماثلة المتعلقة بغزة فيتم رفضها حتى بدون تفكير، على الرغم من تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير جداً في غزة على نحو ينذر بحدوث العديد من الكوارث.
في غزة لم ينج أحد، فمن قتل تشردت أسرته وتهدمت منازلهم، وتيتمت أطفالهم، ومن بقي فهو يصارع الجوع والعطش، ونقص الدواء والرعاية بسبب الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض على القطاع، إلى متى سيتحمل الفلسطينيون كل ذلك حتى تتم التسويات السياسية ويتم فتح المعابر أو بناء الموانئ التي تقترحها الولايات المتحدة، وكيف تتأسف الولايات المتحدة؛ أو تبدي التعاطف تجاه الأبرياء الذين يتم قتلهم في الوقت الذي تمنح للحكومة الإسرائيلية لتستمر في سياسات وممارسات القصف والقتل والحصار والتجويع للشعب الفلسطيني الأعزل.
بلا شك أن دموع السياسيين في الإدارة الأمريكية ليست سوى دموع لاستعطاف الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، ولاستعطاف الكثير من الأمريكيين لسياسة البيت الأبيض بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل، ويوم بعد يوم يزداد عدد الأمريكيين الرافضين لسياسة بلدهم الداعمة لسياسة إسرائيل الظالمة، وكلما مرت الأيام كلما ازداد التعاطف مع الفلسطينيين وكُره سياسة الانحياز الأعمى للجانب الإسرائيلي، وحتى لا تفقد الإدارة الأمريكية الحالية أهميتها الانتخابية الداعمة، مضطرة للتظاهر بالتباكي والتعاطف مع الفلسطينيين وتأييد موقفهم، فهذه الدموع ليست حقيقية، إنما مجرد دموع تفرضها الانتخابات الرئاسية القادمة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب