رأيمجلة العرب

جمال المحلاوي يكتب.. مخطط تقسيم سوريا ومغادرة بشار الأسد للبلاد

يعد الوضع السوري بالنسبة لإسرائيل ذا خصوصية عالية، حيث ترتبط سوريا مع دول وحركات تعد في حالة حرب مع إسرائيل ولم توقع معاهدة سلام معها، كما تمتلك كميات كبيرة من الصواريخ والأسلحة الكيماوية التي تشكل خطرا على إسرائيل، ونجد أن الحرب الأهلية في سوريا قد استخدم فيها النظام السوري جميع أنواع الأسلحة التي في حوزته تجاه المدنيين والجماعات المسلحة، ومع ذلك التزمت إسرائيل الصمت والترقب تجاه إضعاف النظام السوري، دون إبداء أي موقف واضح من بقائه في السلطة أو إسقاطه، الأمر الذي جعل موقف تل أبيب تجاه الأحداث في سوريا ضبابيا ومعقدا.

صوماليلاند.. أصل الحكاية

اقرأ أيضا: السعودية في أسبوع.. المملكة تعين سفيرا جديدا في سوريا والرياض تطلق شركة لتعزيز الاستثمار في الفضاء

وقد رأت الإدارة الإسرائيلية في الصراع السوري فرصة حقيقية لكي تعيد تشكيل النظام الإقليمي وإضعاف محور المقاومة، وذلك من خلال تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية وعرقية وإبقاء النظام الحالي بنتائج كارثية بتلك الحرب، وقد تغاضت واشنطن وتل أبيب عن تدفق آلاف المقاتلين الأجانب لها لدعم طرفي النزاع في سوريا، وأن منع سقوط نظام الأسد هدفه خلق واقع عسكري متوازن وإطالة أمد الأزمة وإكساب الصراع طبيعة مذهبيه وخلق وضع استراتيجي يرضي إسرائيل، وقد وضعت إسرائيل خطوطا حمراء منذ بداية الأزمة؛ تمثلت في منع طهران وموسكو من نقل أسلحة متطورة للنظام السوري وحزب الله، الأمر الذي يعيق حرية الحركة الإسرائيلية في توجيه الضربات الجوية بالعمق السوري، ومنع إيران من تأمين ممر بري يصلها بالبحر المتوسط أو التمركز في حدود إسرائيل الشمالية، ومع اقتراب تلك الخطوط الحمراء من التآكل قام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بالتواصل مع طرفي الصراع للعمل على إدارة الأزمة وتغذيتها بإضعاف العدو السوري.
وقد انقسم الموقف الرسمي والشعبي الإسرائيلي تجاه نظام الأسد إلى اتجاهين؛ الاتجاه الأول مؤيد لسقوط نظام الأسد الذي حتما يؤدي إلى تفكيك محور المقاومة المعادي لإسرائيل وإعادة رسم خريطة جديدة للنظام الإقليمي لمصلحتها، أما الثاني فيرى بقاء نظام الأسد خوفا من وصول نظام إسلامي إلى الحكم أو حتى نظام ديمقراطي في سوريا والذي من الممكن أن يعزز مكانتها أمام إسرائيل، ولا تنسى إسرائيل أن نظام الأسد الأب والابن عملا على تجميد الجبهة السورية لأكثر من 40 عاما.
ويرى المحللون العسكريون أنه من الممكن أيضا زيادة النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وسيكون بديلا عن الفراغ الذي قد يتركه نظام الأسد إذا سقط، وهو الشيء الأخطر لدى إسرائيل، وأنه من الطبيعي والأفضل تحويل سوريا لكيانات متناحرة، الأمر الذي يحقق لإسرائيل مزايا طويلة الأمد، ولذلك تقوم إسرائيل بدعم إنشاء كيان كردي في سوريا، الأمر الذي يقطع على إيران استكمال مشاريعها الدينية والاقتصادية، كما أنه يسهم في تهديد الأمن القومي التركي وإضعاف مكانتها لدى الولايات المتحدة، وأن إشغال سوريا بمشكلاتها الداخلية يمكن إسرائيل من تحقيق السيطرة الفعلية والقانونية على الجولان المحتل، وقد كان النظام السوري من قبل داعما لحزب العمال الكردستاني في حربه ضد تركيا وتصارع أيضا خارج حدود سوريا في لبنان وفلسطين والعراق، إلا أن سوريا تحولت إلى ملعب لصراعات العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، ونتيجة ذلك الفراغ برز النفوذ الإيراني التركي، كما أصبحت إسرائيل تتعامل مع الملعب السوري كأنه منطقه نفوذ تستهدفها وقت ما تشاء دون أي اعتبار للوجود الروسي دون أي رد من نظام الأسد وتستهدف إسرائيل مواقع تابعة للتنظيمات الإيرانية في سوريا.
وهنا يؤكد المختصون بالشأن السوري وجود توافق ضمني بين موسكو واشنطن وتل أبيب حول مسألة تحجيم الدور الإيراني في سوريا.

*دور حزب الله الوكيل الإيراني
استطاع حزب الله رفع شعبيته إقليميا عام 2004 في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل، وكذلك عام 2006 استطاع تحقيق انتصار معنوي بفرض شروطه، ومنذ الانتفاضة في سوريا انخرط الحزب في الحرب الأهلية السورية ضد الجماعات السنية عانى على أثرها من مؤشرات ضعف وخسائر متعددة، منها تراجع تأييد الحزب على المستويات الشعبية الداخلية العربية والإسلامية وتغير النظر له كمقاوم للاحتلال إلى صف العدو، وكذلك التعرض لأزمات مادية ضخمة، وترجع مصادر تمويله نتيجة العقوبات الغربية والأمريكية. وبقيام أحداث غزة أو الحرب في غزة، حانت الفرصة لتحسين صورته، أظهر موقف حزب الله الوكيل الإيراني دعم الفصائل الفلسطينية في غزة بالإسناد وتوجيه ضربات ضد الشمال الإسرائيلي وإجبار الآلاف من سكان إسرائيل على ترك المستوطنات الشمالية والرحيل.

*إيران اللاعب الإقليمي
عند التدخل الإيراني في سوريا ارتكبت الميليشيات الشيعية مجازر وأعمالا وحشية ضد الأغلبية السنية، الأمر الذي أثر في تغيير أفكار شرائح من الرأي العام العربي، باعتبار إيران بمذهبها الديني وبنظامها السياسي العدو الأول للعرب بدلا من إسرائيل، وأن البرنامج النووي الإيراني يمثل أيضا تهديدا للعرب، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على إسرائيل من ناحيتين؛ أولا سعي إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية والعدول عن فكرة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإنهاء القضية الفلسطينية، مستغلة الفراغ الذين نشأ في العالم العربي نتيجة الأزمة السورية، وإحداث ما يسمى الربيع العربي، وقد برز ذلك في اتفاق السلام وتطبيع العلاقات المبرم عام 2020 بين الإمارات وإسرائيل، استغلالا للتخوف من إيران واحتمال انسحاب الولايات المتحدة من الخليج، وتركها لقمة سائغة لإيران.

ويرى بعض المحللين أن أحد أسباب التقارب بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية هو أيضا لتعزيز الجبهة المضادة لتركيا ودورها المتزايد في سوريا والمنطقة العربية، وتظهر إسرائيل لسنوات أنها الدولة الديمقراطية السلمية الوحيدة في منطقة تعج بالديكتاتوريات، محاولة منها لتحسين صورتها إقليميا ودوليا، ولكن سقط ذلك الوجه بعد أحداث غزة، الأمر الذي استغلته إيران للتأثير على مجريات الأمور، والذي دعا إسرائيل لاجتياح الجنوب اللبناني، ثم توصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي حققت إسرائيل من خلاله هدفا لتحييد حزب الله وإيران ولو مؤقتا ورحيل حزب الله إلى شمال الليطاني وإخراجه من دائرة التأثير، وبمعنى آخر إخراج إيران من المشهد، وعلى الجبهة السورية نجد أن هناك متغيرا تم تحقيقه، وهو إشغال إيران وحزب الله بالجبهة السورية الداخلية لتحقيق هدفين؛ وهما الأول هو إضعاف أكثر لسوريا، ثانيا تقويض حزب الله وإيران فيها، الأمر الذي يؤمن الجبهة الشمالية من الحدود السورية فيما يعود على إسرائيل بتأمين سكان الشمال الإسرائيلي بشكل كامل.

وبعد ذلك العرض نستنتج أن الأحداث الأخيرة في سوريا اشترك فيها لاعبون يتمثلون في فاعلين من الدول وفاعلين من غير الدول، منهم تابعون لدول، فنجد تركيا تدعم الجماعات السنية للتخلص من صداع الأكراد. إيران والحفاظ على مكتسباتها بوجود ممر لها إلى البحر المتوسط عبر سوريا. روسيا وجودها الكبير في قاعده طرطوس، الولايات المتحدة الأمريكية وقواتها داخل سوريا، وأخيرا حركة هيئة تحرير بلاد الشام أبو محمد الجولاني، الذي عاد ليكون مصدر نقاشات وجدل داخل سوريا وخارجها، والذي يقود جماعة متمردة في شمال غرب سوريا، ويسيطر على مناطق شاسعة في محافظة إدلب وحلب وأجزاء من اللاذقية ثم حماة والآن حمص، في محاولة حثيثة للوصول إلى دمشق، لتكون ليلة كليلة سقوط بغداد منذ أكثر من عشرين عاما ويعيد إلى ذاكرتي صورة خريطة حدود الدم (تقسيم المقسم) والتي روج لها رالف بيترز لإعادة صياغة شرق أوسط جديد.
أما أبو محمد الجولاني متعدد الانتماءات بداية من القاعدة حتى داعش، ثم بلباسه الجديد كسياسي يذيع للعالم أن كفاحه داخلي لتحقيق التحرر الوطني وليس من أولويات الجبهة التحرك خارجيا ضد أي مصالح أوروبية وأمريكية، والتساؤل هنا: لماذا الآن؟ وللإجابة عن ذلك التساؤل لا بد من نظرة للخريطة لما تحويه من أحداث؛ أولا خسارة إيران وحزب الله في لبنان، الأمر الذي أصبح فرصة للتخلص منهما في سوريا ثانيا تركيا التي تريد أن تملأ الفراغ الذي يحدثه الانكسار الإيراني.

ونستنتج من ذلك كله أن المستفيد الأكثر من أحداث سوريا هو إسرائيل. وحتى لو سقط نظام الأسد تستطيع إسرائيل القضاء على تلك الجماعات المتمردة باستخدام كل ما تملك من قوة عسكرية وتكنولوجية واستخباراتية كما فعلت مع حزب الله في لبنان وكما تفعل الآن في غزة، وذلك لتحقيق خطوة من خطوات الحلم التوسعي الإسرائيلي بالوصول إلى نهر الفرات وتكوين الجبهة اليمنى من الخريطة المزعومة. وإليكم دلائل تتكشف وتثبت بالدليل القاطع حيث يظهر في تصريح لقائد في تنظيم سوري مسلح لصحيفة عبرية: سنسعى إلى السلام الكامل مع إسرائيل وممتنون لها.

نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن قائد عسكري في تنظيم ما يسمى “الجيش السوري الحر”، أنهم سيسعون إلى السلام الكامل مع إسرائيل إذا نجح مخططهم بـ”الإطاحة” بحكم الرئيس بشار الأسد.
وأوضح القائد في التنظيم السوري المسلح لصحيفة عبرية: سنسعى إلى السلام الكامل مع إسرائيل وممتنون له.
وأوضحت “تايمز أوف إسرائيل” أنها تحدثت في هذا الأسبوع، مع قائد عسكري متمرد من “الجيش السوري الحر”، مشيرة إلى أنه “اكتسب اهتماما دوليا عند اندلاع الأزمة السورية في 2011، من خلال السيطرة على مناطق كبيرة في شمال سوريا، بما في ذلك أجزاء من حلب”.

ولفتت إلى أنه في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى التنظيم على أنه “قوة المعارضة الأساسية ضد الرئيس الأسد، وبدأ في تلقي الأسلحة والمساعدات من دول غربية وعربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولكن بمرور الوقت، أصبحت تركيا الداعم الرئيسي له”، حسب الصحيفة.
ووافق هذا القائد في الجماعة المسلحة، وهو في أوائل الستينيات من عمره، على إجراء مقابلة عبر الهاتف بشرط عدم الكشف عن هويته، وتحدث عن أهداف الحملة الجارية، ورؤيته لمستقبل سوريا والعلاقات مع إسرائيل، والدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة اليهودية، في رأيه، بدعم المتمردين، وفق “تايمز أوف إسرائيل”.

وقال: “نحن منفتحون على الصداقة مع الجميع في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. ليس لدينا أعداء غير نظام الأسد وحزب الله وإيران.. ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيرا. والآن نحن نعتني بالباقي”، على حد زعمه.
ولدى سؤاله: “إذا حقق المسلحون هدفهم المتمثل في الإطاحة بحكم الأسد، كيف تتخيل العلاقات المستقبلية بين سوريا وإسرائيل؟”، فرد القائد فيما يسمى “الجيش السوري الحر”: “سنسعى إلى السلام الكامل مع إسرائيل، وسنعيش جنبا إلى جنب كجيران. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، لم ندل بأي تعليقات انتقادية ضد إسرائيل، على عكس حزب الله الذي صرح بأن هدفه تحرير القدس ومرتفعات الجولان (التي استولت عليها إسرائيل من سوريا خلال حرب الأيام الستة في عام 1967 وضمتها).. تركيزنا الوحيد هو على التخلص من الأسد والميليشيات الإيرانية”، على حد وصفه.

واستطرد: “نأمل أن نتعايش في وئام ونحول هذه المنطقة وننقلها من حالة الحرب إلى حالة التقدم الاقتصادي، ربما بمساعدة إسرائيلية وأمريكية لإعادة الإعمار. سنسلك مسارا مختلفا عن إيران وحزب الله”.
ولم يعلق على ما إذا كان على اتصال بأي مسؤولين إسرائيليين، لكنه أوضح قائلا: “سأقول فقط إننا ممتنون لإسرائيل على ضرباتها ضد حزب الله والبنية التحتية الإيرانية في سوريا، ونأمل أن تزرع إسرائيل وردة في الحديقة السورية بعد سقوط الأسد وأن تدعم الشعب السوري لصالح المنطقة”، على حد زعمه.
وردا على سؤال: “هل تعتقد أن إسرائيل يجب أن تقدم الدعم المادي للمتمردين؟”، قال القائد العسكري في “الجيش السوري الحر” للصحيفة الإسرائيلية: “لدينا ما يكفي من المقاتلين على الأرض.. ما نحتاجه من إسرائيل هو موقف سياسي واضح ضد نظام الأسد (أي دعم المتمردين). نحن بحاجة إلى إشارة سياسية لبناء الثقة مع الشعب السوري”، على حد تعبيره.
وتابع زاعما: “لا ينبغي لإسرائيل أن تجلس وتراقب، وتعتقد أن هذا لن يؤثر عليها. ترسل إيران الآن مقاتلين من العراق لدعم الأسد.. سنواجه أي خصم بكل قدراتنا، لكن يجب على الإسرائيليين أن يحذروا من أن هذه القوات لا تأتي إلينا فقط، بل إنها تأتي إليكم أيضا”.
وأردف: “ينبغي لإسرائيل أن تفكر في ضرب القوات المدعومة من إيران أينما تراها. نحن نحاول منعهم على الطرق ونصب كمائن لهم، لكن ينبغي لإسرائيل أيضًا أن تتحرك من الجو”.

وفي أواخر نوفمبر الماضي، شن تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي وعدد من التشكيلات المنضوية تحت ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة، هجوما واسع النطاق من شمال إدلب باتجاه حلب وحماة.

وفي 30 نوفمبر، أصبحت حلب تحت سيطرة الإرهابيين، وفي 5 ديسمبر غادرت القوات السورية حماة التي استولى عليها المسلحون أيضا، حفاظا على أرواح المدنيين من أهالي مدينة حماة وعدم زجهم في المعارك داخل المدن.

السيناريوهات الخمسة المتوقعة في المشهد السوري المقبل

السيناريو الأول…
قيام جمهورية سوريا الديمقراطية من خلال تحالف أحزاب المعارضة بمختلف فصائلها وأيديولوجياتها.

السيناريو الثاني..
إعلان قيام “جمهورية سورية إسلامية” نواتها تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي
السيناريو الثالث..
قيام “دولة مناهضة للشيعة تحت سيطرة إسرائيل” في سوريا.

السيناريو الرابع..
قيام “جمهورية سورية اتحادية” تحت رعاية الولايات المتحدة

السيناريو الخامس..
انقسام سوريا وتفككها واندلاع حرب أهلية فيها مرة أخرى، وهذا سيؤدي في النهاية إلى انهيارها الكامل.

المصدر: “تايمز أوف إسرائيل” + RT، كل تلك الدلائل تؤكد ما نراه أنها المؤامرة الكبرى وتحقيق حلم الدولة الصهيونية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى