شهدت مصر عبر تاريخها محاولات عديدة لدمج الشباب في عملية صنع السياسات العامة، حيث كانت الأجيال الشابة دائماً قوة دافعة للتغيير والإبداع. منذ منتصف القرن العشرين، حيث تم بذل جهود مختلفة لتحسين تمثيل الشباب في مراكز صنع السياسات العامة، بدءًا من فترات المد القومي وحقبة ما بعد الاستقلال التي شهدت تأسيس منظمات شبابية ومبادرات تهدف إلى تعزيز دور الشباب في التنمية الوطنية. ومع ذلك، ظلت هذه المحاولات غالباً ما تتعثر بسبب تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، مثل نقص التدريب الكافي وغياب آليات فعالة لدمج الشباب في عملية صنع السياسات بشكل مستدام.
وفي العقدين الماضيين، شهدت مصر تحولات كبيرة في مجال المشاركة السياسية للشباب، خاصة بعد أحداث ثورة يناير2011، التي أوضحت بجلاء أهمية صوت الشباب وقدرتهم على التأثير. ومع ذلك، ورغم تأسيس العديد من البرامج والمبادرات الوطنية لتعزيز دور الشباب، لا تزال الفجوة قائمة بين طموحات الشباب ومشاركتهم الفعلية في صنع القرارات. لذلك وفي ظل تلك التحديات، وجب الدعوة لعمل مراجعة شاملة لاستراتيجيات إدماج الشباب، والعمل على ابتكار حلول جديدة تعزز من مشاركتهم الفعالة، لضمان تمثيل أفضل للشباب في عمليات اتخاذ القرار على المستوى الوطني.
تحليل الموقف
تمثل مشكلة تمكين الشباب في مراكز صنع القرار في مصر تحديًا معقدًا يتداخل فيه العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فعلى الرغم من أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من السكان، إلا انهم يواجهون عقبات متعددة تعيق مشاركتهم الفعالة في عملية صنع القرار او السياسات العامة. خصوصا الفئات المهمشة (كالصعيد) والتي تواجهه تحديات إضافية تتعلق بالتمييز غير المقصود نتيجة البعد الجغرافي عن مراكز صنع القرارات والسياسات، مما يحد من فرصهم في الوصول إلى مراكز صنع القرار.
ومن اجل ذلك تمثل مشكلة تمكين الشباب في مراكز صنع السياسات العامة في مصر تحديًا يتطلب فحصًا دقيقًا للأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة والتي منها:
التعليم والتدريب غير الكافي
حيث تفتقر المناهج التعليمية إلى التركيز على تطوير المهارات القيادية والتفكير النقدي، مما يؤثر على قدرة الشباب على تولي المناصب القيادية. بالإضافة الى التعليم التقليدي الذي لا يتماشى مع احتياجات السوق، مما يؤدي إلى عدم تأهيل الشباب بشكل كافٍ.
نقص الدعم المؤسساتي
تفتقر بعض المؤسسات والمنظمات إلى برامج دعم فعالة تعزز من مشاركة الشباب في صنع القرار، حيث لا توجد مبادرات كافية لتوجيه الشباب نحو الفرص المتاحة في مجالات السياسة والمشاركة المجتمعية.
التحولات الاقتصادية
حيث ارتفاع معدلات البطالة ونقص التمويل للمبادرات الشبابية يمنعهم من تطوير أفكارهم ومشاريعهم مما يشتت تركيزهم عن المشاركة السياسية ويجعلهم يركزون على البحث عن فرص عمل.
الهيكلية التقليدية والبيروقراطية
حيث تعتمد المؤسسات الحكومية بشكل كبير على الهياكل التقليدية التي تُفضل الأقدمية والخبرة الطويلة، ما يجعل من الصعب على الشباب الوصول إلى مناصب قيادية.
ومما سبق فان نقص تعزيز مشاركة الشباب في مراكز صنع السياسات العامة في مصر يمكن أن يؤدي إلى عدة آثار سلبية مثل ضعف التمثيل الشبابي، حيث قلة مشاركة الشباب تعني أن السياسات العامة قد لا تعكس اهتماماتهم واحتياجاتهم، مما يؤدي إلى عدم تلبية متطلبات فئة كبيرة ومهمة من المجتمع. بالإضافة الى إمكانية حدوث فجوة بين الأجيال، فغياب الشباب عن مواقع صنع القرار قد يزيد من الفجوة بين الأجيال، ما يؤدي إلى سياسات لا تتناسب مع تطلعات الشباب وتطلعاتهم المستقبلية. وبالتالي غياب الابتكار والتجديد فالشباب عادة ما يأتون بأفكار مبتكرة وحلول جديدة وعصريه، وبالتالي، عدم مشاركتهم قد يعني غياب تلك الأفكار المتجددة في السياسات العامة. بل قد تمتد الاثار السلبية حتى الى شيوع فكرة الهجرة مثلما نراه الان واضحا وبشدة في المجتمع المصري نظراً لقلة الفرص المتاحة للشباب للمشاركة الفعالة. كما يمكن القول انه بما ان الشباب يمثلون قوة عمل مهمة ويملكون الطاقة والإبداع اللازمين لدفع عجلة التنمية. فان غيابهم عن صنع القرار قد يحد من تنفيذ سياسات تساهم في احداث تنمية مستدامة.
ومن اجل التغلب على المشكلات السابقة فان الحكومة تدعم بشكل عام مشاركة الشباب في السياسات العامة من خلال مبادرات مثل “البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة” و”منتدى شباب العالم” و” برنامج الشباب المصري” و” مشروع “تأهيل الشباب للقيادة” إلا ان تلك الجهود تواجه بعض الانتقادات بسبب قلة التنفيذ الفعلي لسياسات التمكين على نطاق واسع، أو لوجود حواجز بيروقراطية تحد من مشاركة الشباب الحقيقية. كما تسعى بعض الأحزاب السياسية لضم الشباب وتشجيعهم على المشاركة في العملية السياسية، من خلال مبادرات تدريبية وبرامج دعم. مع مراعاة انها قد تتباين بين الأحزاب في مدى جديتها في تمكين الشباب وتفعيل دورهم. كما ان الشباب المصري أصبح أكثر وعياً بأهمية دوره في السياسة ويسعى للمشاركة من خلال المنظمات غير الحكومية ومبادرات المجتمع المدني. الا انه تواجههم عدة عقبات تتعلق بالتمويل، نقص الموارد، وتحديات اجتماعية وثقافية قد تعوق مشاركتهم. وعلى الصعيد الدولي فان هناك العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجهات أخرى تعمل على زيادة جهود تمكين الشباب في مصر من خلال تمويل مشاريع وبرامج تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية للشباب. وقد تواجهها عقبات تتعلق بالتنسيق مع الجهات الحكومية أو تفاوت الأولويات.
تحديد البدائل
- إنشاء منصات حوار شبابية كالملتقيات والندوات بشكل دوري تجمع الشباب مع صناع القرار لمناقشة القضايا الملحة وتبادل الآراء.
- تأسيس مجالس شبابية استشارية ترتبط بالجهات الحكومية أو مجالس النواب، وتعمل على تقديم توصيات وسياسات بناءً على احتياجات الشباب وآرائهم.
- الشفافية وسهولة الوصول للمعلومات حيث توفير قنوات تواصل ومصادر معلومات تتيح للشباب الاطلاع على القرارات والسياسات الحالية، مما يمكنهم من إبداء آراء مستنيرة.
- ادراج الشباب وقضاياهم ضمن الخطط والبرامج الحكومية، وتخصيص موازنات دائمة لهذه البرامج، وخاصة برامج التمكين الاقتصادي وتعزيز المشاركة السياسية.
- التدريب وبناء القدرات حيث توفير برامج تدريبية تهدف إلى تعزيز مهارات القيادة، التفاوض، وصنع القرار لدى الشباب لتهيئتهم للمشاركة الفعالة.
التوصيات
نوصي بالعمل على تأسيس مجالس شبابية استشارية ترتبط بالجهات الحكومية ومجالس النواب، بحيث تعمل هذه المجالس على تقديم توصيات وسياسات تستند إلى احتياجات الشباب، مما يعزز من دورهم في عملية صنع السياسات العامة ويضمن تمثيلهم الفعّال في اتخاذ القرارات.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب