دراساتسياسية

“تركيا والعالم العربي بين التحالف والنفوذ” دراسة للباحث الدكتور مصطفى عيد

ملخص تنفيذي:

  • تعد تركيا من دول الجوار الجغرافي “غير العربية” للعالم العربي، وتؤثر عليه ويؤثر عليها في مجالات مختلفة. كما ترتبط تركيا بروابط تاريخية واقتصادية وسياسية وثقافية بالمنطقة العربية.
  • تنتهج تركيا أسلوبًا برجماتيًّا يتسم بقدر كبير من المرونة وتعدد الخيارات من خلال إقامة علاقات إيجابية وتعاونية بالقدر الذي تستطيع أن تجد لها مكانًا مميزًا في السياسات العربية.
  • تستغل تركيا حالة الفراغ الاستراتيجي بالعالم العربي من خلال أدوات ناعمة، وفي بعض الأحيان من خلال القوة الصلبة.
  • تكمن تهديدات تركيا تارة في ملف الإخوان المسلمين، وتشجيعها للميليشيات التابعة للإسلام السياسي في بعض البؤر الساخنة بالعالم العربي، وتارة أخرى في النظرة الفوقية المعتمدة على التاريخ.
  • إن التهديدات التي توجهها تركيا للعالم العربي، يمكن التعامل معها وتدنيتها إلى أقل خطورة ممكنة، وتحويلها إلى فرصة للتعاون، وذلك في ظل سياسة تركيا البرجماتية.

 

مقدمة

مرت تركيا بمرحلتين (تاريخيًّا) بدءًا من العقد الثاني للقرن العشرين، ومرحلة ثالثة ترسم ملامحها بداية من 16 أبريل 2017 من خلال تحولها إلى نظام رئاسي. المرحلة الأولى حين ظهرت تركيا الحديثة التي انبثقت عن مخرجات معاهدة لوزان 3[1]192، وهي الاتفاقية التي تم التنازل بموجبها عن الكثير من الأراضي العثمانية في شرق أوروبا والبلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والتي يمكن اعتبارها انعكاسًا طبيعيًّا للانخراط في سلسلة الحروب ضد روسيا القيصرية، وبعد ذلك الحرب العالمية الأولى ضمن دول المحور. فضلًا عن العوامل الداخلية كالثورات والنزعات الانفصالية، الشيء الذي عجل بإنهاء الإمبراطورية العثمانية وإعلان جمعية الاتحاد والترقي وعزل السلطان عبد الحميد الثاني، ثم الإعلان عن تأسيس الجمهورية التركية سنة 1923 بملامح جديدة ومختلفة كليًّا عن الحقبة العثمانية، والتمهيد لضم تركيا إلى حلف شمال الأطلسي في خمسينيات القرن الماضي، على يد مصطفى كمال أتاتورك. أما المرحلة الثانية فقد بدأ التأسيس لها عمليًّا منذ 2002، أي مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا[2]. ولقد كان للمرحلتين سمات مختلفة وخصائص وتداعيات مختلفة على العالم العربي. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بعد الاستفتاء الشعبي الذي جرى في 16 أبريل2017[3]، ليعطي لتركيا مرحلة جديدة من مراحلها في القرن الواحد والعشرين.

أولًا: تركيا والعالم العربي[4]

لا يمكن فصل تركيا عن الدول العربية بموجب التاريخ، حيث هيمنت الدولة العثمانية على العديد من الدول العربية لقرون عدة، وكانت سببًا في تخلف ركب العلم والنهضة الحقيقية عن العديد من الدول العربية التي احتلتها تحت عباءة الخلافة الإسلامية. كما أنها كانت ضمن معادلة التفاعلات التي أفرزت أمورًا غيرت من معالم التاريخ والجغرافيا بالعالم العربي، سواء من خلال التواجد الإسرائيلي أو باتفاق سايكس بيكو.

وتاريخيًّا تنظر تركيا إلى الموصل وكركوك بالعراق على أنهما امتداد طبيعي لهضبة الأناضول، فمنذ معاهدة “سيفر”[5] التي تضمنت فصل العراق عن الدولة العثمانية عام 1920 ورفضها مصطفى كمال أتاتورك حينئذ، ثم عقد اتفاقية جديدة في 1923 بين بريطانيا وتركيا لرسم الحدود الجديدة لتركيا مع جيرانها بالاعتماد على نتائج تصويت السكان في الأماكن المتنازع عليها، ولقد صوت سكان كل من الموصل وكركوك والسلمانية رسميًّا للبقاء داخل الحدود العراقية، وقبلت تركيا نتائج الاستفتاء رسميًّا في 1926 مقابل منحها 10% من عائدات النفط المستخرج من كركوك والموصل لمدة 25 عامًا.

وفي سوريا، أخذت تركيا لواء الإسكندرون، وهناك سعي حثيث من جانب تركيا لكي يكون لها سيطرة كاملة على منطقة الشمال السوري، من خلال إقامة منطقة آمنة، يمهد لها بحظر جوي، ومن ثم يجري اقتطاعها (وضمها) إلى تركيا، كتمهيد للسيطرة على حلب وجعلها جزءًا من الأرض التركية (وذلك وفق رؤية من بعض المهتمين بالشأن التركي والعربي)[6].

ولقد بدأت تركيا تبني سياسة ناعمة مع العرب، بعد أن يئست من عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، كما حافظت على علاقات حميمة مع إسرائيل، في الوقت الذي بدت أنها مع غزة المحاصرة ومع الصومال المنهك، لكي تكسب موطئ قدم لها في الوطن العربي، ثم قامت ببناء مخيم للاجئين السوريين حتى قبل أن ينتقل سوري واحد إلى الجانب التركي. متذرعة بتقديم خدمات إنسانية. ومن ثم فإن دول الإقليم (ومنها تركيا)، في حالة من التسابق المحموم فيمن يملك الحصة الكبرى من النظام العربي.

كما لا يمكن غض البصر عن الدور التركي فيما يتعلق بمصر وموقفها من استيلاء الإخوان على مقاليد الحكم في مصر، ثم موقفها من ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، واستضافتها عناصر نشطة وقيادية للإخوان المسلمين في تركيا، وفتح قنوات ومنصات لتمكينهم من الهجوم على الدولة المصرية. أيضًا لا يمكن تجاهل الدور التركي في ليبيا، ودعم ميليشيات محسوبة على التيار الإخواني وتيار الإسلام السياسي داخل ليبيا. فضلًا عن وجود قاعدة عسكرية كبيرة تركية على الأراضي القطرية.

أما فيما يتعلق بالتقارب مع المملكة العربية السعودية فإنه يمكن توصيفه بالتقارب البرجماتي الحذر الذي يحركه بشكل رئيسي “الدور الإيراني” في المنطقة، ولذلك فهو يشهد فترات انفراج عالية جدًّا حينًا، ثم ينخفض حينًا آخر. وفي إطار البرجماتية التركية، استدارت السياسة الخارجية التركية للعودة مرة أخرى إلى سياسة تصفير المشكلات مع الإمارات ومصر، والقيام بزيارات متبادلة عالية المستوى وتوقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك.

ثانيًا: النموذج التركي والمنطقة العربية

لم تستطع تركيا أن تقدم “نموذجًا” في المنطقة يمكن الاقتداء به. ورغم أنها كانت في نظر بعض المحللين تقدم نموذجًا ديموقراطيًّا تنمويًّا في الشرق الأوسط، فإن هذا النموذج لا يمكن فصله عن درجة من درجات الديكتاتورية وإن كانت بمساحات أكبر من التشاركية “ديكتاتورية تشاركية”، وهي في ذلك تتشابه مع النموذج الإيراني في المنطقة. ومع ذلك هناك نظرة من جانب الغرب أو من جانب بعض العرب أنفسهم بأن الحالة التركية منذ 2002 تعد نموذجًا يقتدى به في المنطقة، وعليه فإنه تم النظر إلى الحالة التركية كما يلي:

  • النظرة الغربية: اعتبار الولايات المتحدة النموذج التركي نموذجًا مرجعيًّا للنظم العربية التي تلت موجة أحداث 2011، خاصة من ناحية علاقة الدين بالدولة وعلاقة دولة إسلامية بالعالم الغربي.
  • النظرة العربية: أن النمو الاقتصادي التركي جعل “النموذج” التركي محط انتباه دول الشرق الأوسط وتحديدًا المعارضة في الدول العربية التي جعلت تركيا نموذجًا تتمنى تحقيقه في بلدانها.

ثالثًا: نظرية الفراغ الاستراتيجي[7] والسياسة الخارجية التركية

قبل أكثر من نصف قرن طرح الرئيس الأمريكي “أيزنهاور”، نظريته بشأن «الفراغ» في منطقة الشرق الأوسط، بعد هزيمة البريطانيين والفرنسين في حرب السويس. مؤكدًا مسؤولية الولايات المتحدة عن ملء هذا الفراغ. ثم انفتح بعد ذلك صراع كل من واشنطن وموسكو للهيمنة على الشرق الأوسط. ثم انتهى بانفراد واشنطن بإدارة الشأن الدولي. وعلى مدى سنوات العقد الأخير، وخصوصًا بعد سقوط بغداد، عاد الفراغ الاستراتيجي بالمنطقة ليغري قوى إقليمية غير عربية، بدا أنها كانت المستفيد الأكبر من حصاد صراع القوى الكبرى في الشرق الأوسط، وكذلك من تدني قدرة النظام الإقليمي العربي على تعزيز جينات المناعة العربية. الفراغ إذن ليس جديدًا على المنطقة، فهو قائم منذ سقوط الدولة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي، وكذلك منذ انسحاب قوى الاستعمار التقليدي (بريطانيا وفرنسا) في الخمسينيات والستينيات وحتى مطلع سبعينيات القرن الماضي. ما الجديد إذن ما دامت المنطقة قد اعتادت «الفراغ»؟! ولماذا يثور الحديث مجددًا عن فراغ استراتيجي في المنطقة يسعى طامعون وطامحون غير عرب إلى شغله كل على طريقته؟! الجديد[8] إذًا قد يتمثل في انتهاء عصر القطبية الثنائية بانهيار جدار برلين وسقوط الكتلة السوفيتية معلنة نهاية الحرب الباردة، حيث اعتادت المنطقة طوال نصف قرن من الحرب الباردة، على الاستقطاب بين أعضاء النظام الإقليمي العربي، سواء إلى جانب موسكو أم إلى جانب واشنطن، وكان حال الاستقطاب مثل عكازين تتوكأ عليهما المنطقة وتستريح إليهما مهما بدت حركتها عاجزة وقدرتها محدودة. ثم اتفاقات كامب ديفيد وتوابعها في المعسكر العربي، ثم تداعيات الحرب العراقية الإيرانية وصولًا إلى غزو الكويت ثم سقوط بغداد. وتداعيات الغزو الأنجلو-أمريكي للعراق، وانعكاساته السلبية على حضور واشنطن «الإقليمي»، حيث باتت حليفًا يخشاه حلفاؤه، وعدوًا لا يخيف أعداءه. ومن ثم فإن التساؤل هو: هل هذا الفراغ الاستراتيجي الذي نعاني منه موروثًا وافدًا علينا أم أننا نحن من ذهب إليه بوعي أو بغير وعي؟ وهل هو فراغ «قدرة» أم فراغ «إرادة»؟!

حقيقة الأمر بين هذا وذلك، هو أن هناك فراغًا استراتيجيًا بالمنطقة العربية، وأن ملامح السياسة الخارجية التركية تسعى إلى ملء هذا الفراغ. فالسياسة الخارجية عامة هي “منهج للعمل أو مجموعة من القواعد أو كلاهما، يتم اختياره للتعامل مع مشكلة أو واقعة معينة حدثت فعلًا أو تحدث حاليًا أو يتوقع حدوثها في المستقبل”. أو هي الخطة التي ترسم العلاقات الخارجية مع غيرها من الدول. أما د. حامد ربيع فيرى أنها جميع صور النشاط الخارجي حتى ولو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية، إن نشاط الجماعة كوجود حضاري أو التعبيرات الذاتية كصور فردية للحركة الخارجية ينطوي وتندرج تحت هذا الباب الذي نطلق عليه اسم السياسة الخارجية.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية تجاه العراق، فإن تركيا كانت من المؤيدين وبشدة لحكم عراقي قوي في شمال العراق، وعدم تأييد إقامة دولة كردية في العراق والتي ستؤسس لقيام دولة كردية تركية في الجزء الجنوبي من تركيا ولا سيما أن حزب العمال الكردستاني ينشط في تلك المنطقة، وبالتالي فتركيا تعتبر هذا الحزب من المنظمات الإرهابية التي تريد القضاء عليه، خاصة أنه يشكل تهديدًا لأمن تركيا القومي، ولهذا فإن الحكومة التركية ومن أجل الحصول على المزيد من الأهداف التي تأمل تحقيقها من خلال اعتبار القومية التركمانية هي برعاية الحكومة التركية. أي أن الجانب التركي يتخذ من قضية التركمان في العراق ذريعة للتدخل في شؤون العراق، إذ حتَّم الموقع الجغرافي لتركيا أن تكون في الوسط بين المنطقة العربية وقارة أوروبا مما ساعدها في لعب دور اقتصادي بارز، ولا سيما في فترة ما قبل الحصار الاقتصادي على العراق بعد عام 1990، مما أضاف ميزة لصانع القرار السياسي الخارجي التركي للموازنة بين المصالح والأهداف التركية التي ترجو تحقيقها وبين مصالح دول الإقليم المجاورة، خاصة العربية منها.

وبعد وصول حزب العدالة والتنمية الذي تواكب مع ظهور مرحلة جديدة في السياسة الدولية التي أوجزتها عبارة الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الابن): “من ليس معنا فهو ضدنا”، مع محاولات تركيا اتباع سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار، وكذلك اعتماد سياسة حديثة تختلف عن سابقاتها في إعادة اكتشاف الشرق الأوسط الذي يشكِّل عمقًا استراتيجيًّا لتركيا، مما يعني التوجه نحو تعميق العلاقات مع العالم العربي بموازاة التوجه غربًا، حيث أوروبا وحلم الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، ولهذا عملت تركيا على أن تقدم نفسها أنها المركز بالنسبة إلى بقية الدول، وأنها موجودة بكل القضايا والأحداث التي تجري فيه، من حيث اعتبارها قوة اقتصادية كبرى، مما جعلها تكون ضمن الدول العشرين الكبار وهي من أكبر الاقتصاديات في العالم، مما يعني أن تركيا تريد أن تكون لاعبًا إقليميًّا في المنطقة بفعل مميزات تهيأت لها.

وإجمالًا يمكن القول إن السياسة الخارجية التركية قد استثمرت حالة الفراغ العربي التي تجلت بالاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وتراجع لدور الدول الرئيسية في المنطقة وعدم توحيد الدول العربية مع بعضها وتقديمها مشروعًا جديدًا مزاحمًا للمشروع التركي في المنطقة. وإن الاعتبارات التي جعلت تركيا لاعبًا أساسيًّا في منطقة الشرق الأوسط هو الدعم الأمريكي لها لموازنة الدور الإيراني في المنطقة. إذ تمثَّل الدعم الأمريكي لتركيا من خلال الميزة الاستراتيجية التي وفرها موقعها المميز جغرافيًّا ووجود القاعدة الجوية لحلف شمال الأطلسي وهي قاعدة أنجرليك. أما فيما يتعلق بسوريا وما لعبه الأتراك من دور في المسألة السورية بعد الحراك الشعبي الذي اجتاح سوريا بعد موجة ما يعرف بـ “الربيع العربي”، إذ كانت مطالب الأتراك تهدف إلى تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم قبل أي شيء آخر وعملت على دعم قوى المعارضة وتطابقت أهداف الجانب التركي مع توجهات بعض الدول الخليجية التي عملت على إسقاط الأسد قبل البدء بأي مفاوضات تساعد في وضع حل للأزمة السورية، وكذلك ما تثيره مسألة لواء الإسكندرونة الذي تم إلحاقه بتركيا بموجب اتفاقيات وتعتبره سوريا أرضًا سورية محتلة من قبل تركيا.

رابعًا: إلى أي مدى تمثل تركيا تهديدًا للعالم العربي؟

في الواقع إن اعتبار تركيا مصدرًا للتهديد للعالم العربي، ينطوي على متناقضات وتعقيدات كثيرة، فبالتأكيد لسنا أمام عالم عربي واحد، ومن ثم فلسنا أمام تصنيف محدد لتركيا على أنها تهديد أو أنها حليف أو حتى أنها تقع في الجانب المحايد في المحيط الحيوي العربي. واختصارًا وفيما يتعلق بالأمن بمفهومه الكلاسيكي ومفهومه الديناميكي، فإن مصادر التهديد التركي تكمن في الحالة التركية ذاتها، التي تحاول أن تقدم نفسها في العالم العربي على أنها نموذج سياسي ذو هوية إسلامية، وهو ما يشجع تيار الإسلام السياسي على الاستمرار في نهجه الأيديولوجي والتطلع إلى الحكم والخلافة. أيضًا تمثل تركيا تهديدًا لاستمرار احتضانها وإيوائها لعناصر نشطة وقيادية إخوانية على أراضيها. أيضًا تمثل تركيا مصدرًا للتهديد من خلال تقويضها للدولة والمؤسسات التقليدية مثلما تحاول أن تقوم به تجاه مصر، وذلك لربطها بين المؤسسة العسكرية في مصر ودور المؤسسة العسكرية في تركيا. أما التهديد الأخير فيأتي من التنافس بينها وبين إيران في المنطقة العربية بسبب الفراغ الاستراتيجي بالمنطقة، وهو ما يولد استقطابًا بالعالم العربي ما بين قوى إقليمية مختلفة في ضوء غياب القوى الإقليمية العربية التقليدية.

وفي ضوء ذلك، فإنه:

  • ليس من المتوقع، وليس من المحتمل أن تتعامل تركيا على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، في علاقاتها الدولية من منطلق نظرية الصراع المستمر، بل العكس طالما أعلنت تركيا أنها تسعى إلى تطبيق سياسة “صفر مشاكل”، وهو ما شهدته السياسة التركية بالفعل خلال الأشهر الماضية والتقارب مع الإمارات والسعودية ومصر.
  • إن سياسة “صفر مشاكل” بالنسبة إلى دولة مثل تركيا، ليس بالأمر الهين، نظرًا إلى موقعها في مثلث أزمات عالمية وإقليمية. ومن ثم فإن تطبيقه واستمراره في الأجلين المتوسط والطويل، يكاد يكون غير عملي. لذلك فإن الدول الأخرى يمكنها الاستفادة وفق مصالحها في التعاون مع تركيا.
  • إن تركيا البرجماتية تسعى إلى تحقيق مكاسب إقليمية ومكانة إقليمية بما يتناسب مع دورها تاريخيا. وان نتوقع منها أن تفعل ذلك، وان يتم رسم السيناريوهات الأكثر احتمالا بناءً على هذا المدخل في علاقاتها الدولية والإقليمية.

خامسا: تركيا والأكراد

لا يمكن لتركيا أن تتسامح في ملف الأكراد بأي شكل من الأشكال، وأن أكثر ما يمكن أن تقدمه، هو بعض الامتيازات التي تندرج تحت ملف حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. كما لا يمكن منحهم حقوقًا سياسية تتعلق بالتمييز الإيجابي أو مناطق حكم ذاتي أو دولة. إلا أن هناك حالة رفض عامة من جانب الأكراد لكونهم جزءًا من كل، سواء في تركيا أم العراق أم سوريا أم حتى إيران. ويلاحظ أن هناك حالة رفض كبرى حتى للغة العربية أو اللغات المحلية الأخرى مثل اللغة التركية. وعلى الرغم أن هناك بعض الامتيازات التي قد حصل عليها الأكراد في تركيا في العقد الأخير مثل تمثيلهم في الحكومات (إلا الحكومة الأخيرة برئاسة علي بدريم) وكذلك تدريس اللغة الكردية فإن الأمر قد تغير بفعل الملف السوري، وتم التضييق مرة أخرى على الأكراد رغم محاولة الفصل بين الأكراد وبين حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا على قائمة التنظيمات الإرهابية. هذا الملف سيؤثر على إدارة الصراع المستقبلي في سوريا ما بين تركيا وأمريكا وروسيا على وجه الخصوص.

سادسًا: التقارب التركي القطري كنموذج للتحالف والنفوذ

أطلقت الدولتان برنامج تعاون ثنائيًّا، تحت مسمى “اللجنة الاستراتيجية القطرية التركية العليا” وذلك في ديسمبر 2014، فضلًا عن قيام الدولتين بتوقيع عدد من الاتفاقيات المختلفة، في مجالات تبادل خبرات التدريب العسكري، وصناعة الأسلحة بالإضافة إلى نشر قوات مسلحة تركية في الأراضي القطرية. ونتيجة لذلك، تمركز نحو 150 عنصرًا من أفراد الجيش والبحرية والقوات الخاصة التركية في قاعدة عسكرية قطرية، منذ شهر أكتوبر سنة 2015. وتعتزم تركيا زيادة قواتها في قطر إلى ثلاثة آلاف عنصر.

على صعيد آخر، أكَّد أردوغان خلال زيارته إلى قطر، في فبراير 2017، في ختام جولة خليجية، على أهمية العلاقات بين تركيا وقطر، قائلًا إن “قطر لطالما كانت، خاصة في الأوقات الصعبة الأخيرة، حليفًا قويًّا لتركيا. ومع قطر، نحن نأمل في حلِّ جميع المشاكل الإقليمية، فضلًا عن أننا نطمح إلى أن يكون هذا التعاون الوثيق القائم بين تركيا وقطر مهمًّا جدًّا لمستقبل المنطقة ككل.

سابعًا: الخاتمة

ترغب تركيا في المشاركة في ترتيب أعمال المنطقة ورسم تصورها المستقبلي، وفي تسويق حالتها السياسية والاقتصادية والثقافية كــ “نموذج” بالعالم العربي. في المقابل تعمل على ملء الفراغ الذي يحدث بالمنطقة العربية، سواء أكان هذا الفراغ لعدم وقود قدرة على استغلاله أم عدم وجود إرادة من الجانب العربي.

إن تركيا تنتهج أسلوبًا برجماتيًّا وفقًا للمدرسة الواقعية، يتسم بقدر كبير من المرونة وتعدد الخيارات من خلال إقامة علاقات إيجابية وتعاونية بالقدر الذي تستطيع أن تجد لها مكانًا مميزًا في السياسات العربية. وهذا ما جعل الرئيس التركي يسعى إلى تحسين علاقاته مع مصر والإمارات والسعودية، لتصفير المشكلات ودعم الاقتصاد التركي وتقليل درجات المواجهة في المتوسط ومع العالم الغربي وخاصة فرنسا.

[1] – https://mediterraneancss.uk/2024/06/21/treaty-lausanne-1923/

[2] – https://www.turkpress.co/node/12544

[3] – https://www.turkpress.co/node/12544

[4] – https://emarefa.net/arcif/ar/

[5]chosenhumans.files.wordpress.com/2013/06/d985d8b9d8a7d987d8afd8a9-d8b3d98ad981d8b1.p

[6]www.asjp.cerist.dz/en/article/65145

[7]– عبد المنعم مصطفي، 2010.

[8]– عبد المنعم مصطفى، المدينة، 2010.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى