رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. تجميد معاشات المتقاعدين والمحافظ الاستثمارية يؤسس لمجتمع طبقي

لا يجوز جعل المعاش رهينة لإرادات المتخمين، عدد المتقاعدين تجاوز 300 ألف مواطن بين مدنيين وعسكريين، أي ربع عدد العائلات الليبية، كان المتقاعدون العسكريون أكثر تعرضًا للظلم من المدنيين، لانتهاج سياسة عدم التشجيع على التقاعد العسكري، حيث ينص قانون التقاعد العسكري على احتساب المعاش التقاعدي حسب الراتب الأساسي دون حساب العلاوات والمزايا الأخرى، في 2008 جرت محاولة لتعديل القانون 43 لسنة 1974 بشأن التقاعد العسكري بإضافة كلمة (إجمالي)، لكنها لم تنجح، إلى أن تم تعديل وضعهم العام الماضي، وجرى تخفيف جزئي لمأساتهم، بمساواتهم بالمتقاعدين المدنيين، بالإضافة إلى صرف مرتب سنة عن الإجازات ومرتب شهر عن كل سنة خدمة فوق 28 سنة.

أوضاع المتقاعدين الآن ليست متساوية فأكثرهم تضررًا الذين تقاعدوا قبل شهر 3 عام 2014 وأراملهم وأيتامهم، لأن المرتبات تعرضت لطفرة زيادات بعد 2012 ما رفع التضخم، في وقت تجمدت معاشات المتقاعدين، باستثناء استفادتهم من قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 27 لسنة 2011 برفع الحد الأدنى للمتقاعدين إلى 450 دينارًا، حيث عالج أوضاع المعاشات التقاعدية المتردية حينها، وصدر قرار مجلس الوزراء 448 لسنة 2021 ليرفعها إلى 900 دينار.

أغلب المتقاعدين يتقاضون 900 دينار، وهو الحد الأدنى للأجور، أي أنهم في مستوى خط الفقر، كما أنه إذا استمر تجميد المعاشات التقاعدية، ولم ترتفع طرديًّا مع زيادة مرتبات العاملين بالملاك العام مستقبلًا، فإن المتقاعدين بعد 2014 – أي بعد زيادة المرتبات – سيلحقهم الضرر؛ لأنه حتمًا سترتفع مرتبات العاملين بالملاك العام.

الحق يقال إنه صدرت ترسانة تشريعية تنصف المتقاعدين وترفع الظلم عنهم بدأت بصدور القانون رقم 1 لسنة 2012 بتعديل القانون 43 لسنة 1974 بشأن مرتبات العسكريين وتقاعدهم، باحتساب المرتب التقاعدي على إجمالي المرتب، ومنح المتوفين من غير شهداء الواجب، وأصحاب الإعاقة الدائمة 80% من إجمالي المرتب.

ثم صدر القانون رقم (5) لسنة 2013 بتعديل القانون رقم (13) لسنة 1980 بشأن الضمان الاجتماعي، فنصت مادته الأولى على ربط زيادات معاشات المتقاعدين بزيادات مرتبات العاملين في الدولة، ليُزاد معاش المتقاعدين بذات النسبة التي زِيد بها المرتب المقابل لدرجة صاحب المعاش عند التقاعد، وشملت الزيادة أيضًا أصحاب معاشات الدخول المفترضة، وأصحاب المعاشات الذين لا تخضع مرتباتهم لأحكام القانون رقم (15) لسنة 1981، وأصحاب المعاشات التأمينية.

ثم صدر القانون رقم (7) لسنة 2024 لتوسيع نطاق تطبيق أحكام القانون 5 لسنة 2013 لتشمل جميع المتقاعدين، وبأثر رجعي، بغض النظر عن تاريخ تقاعدهم، اي اعتباراً من 2013.3.14 وعندما تحجج صندوق الضمان الاجتماعي بعدم وجود التغطية المالية للزيادات اصدر مجلس النواب القانون رقم (10) لسنة 2024م والذي نص على تضمين الميزانية العامة قيمة الزيادة المترتبة على تنفيذ هذا القانون اعتبارًا من تاريخ صدوره، وتحميل الخزانة العامة مسؤولية تغطية هذه الزيادات.

الفئة الثانية التي تعرضت للظلم هم ملاك المحافظ الاستثمارية، ذلك المشروع الواعد الذي بدأ بالشروع في توزيع الثروة تدريجيًّا، بدءًا بالأشد فقرًا، فوصل إلى 264 ألف أسرة، مُنحوا أسهمًا بأسعار تفضيلية في 28 مؤسسة، ومنحوا دفعات شهرية على حساب دخل المحافظ، إلى أن صدر القانون 25 لسنة 2013 بتجميد المشروع اعتبارا من شهر 10/2013 بحجة شبهة ربوية، كما تم اعتبار المحفظة ازدواجًا وظيفيًّا، وجرى نهب مدخرات صندوق الإنماء.

استمر الظلم إلى أن صدر القانون رقم 7 لسنة 2022 باعتبار المحفظة ملكية مقدسة، والقانون رقم 12 لسنة 2023 الذي مكن الملاك من إدارة محافظهم، وإنشاء مجلس النواب اتحادًا لملاك المحافظ، فقوى مركزهم القانوني، فبدأت المعركة مع الجهات التنفيذية، التي قامت بتشكيل لجنة برئاسة المستشار كوني عبوده، دعت في تقريرها إلى إلغاء الإجراءات الإذعانية، وإدراج بند في الميزانية العامة للدفعات الشهرية تُسوَّى فيما بعد، وثبّتت انعدام الشفافية وفوضى الشركات.

المطلوب من الجهات التشريعية والتنفيذية والرقابية:
أ. تنفيذ القانونين 7 و12.
ب. الحد من سوء الإدارة والفساد ومعاقبة المخالفين، وتفعيل الحصانات القانونية للأموال العامة.
ج. إصدار قانون يمنع بيع المحفظة، حماية هذه الفئة الضعيفة من الذين يستغلون نقاط ضعفهم المادي والمعرفي.
د. تعديل قانون المعاشات الأساسية لإنهاء اللبس.

ه. استئناف صرف الدفعات.
و. استئناف المشروع من خلال مسح اجتماعي جديد، ليشمل توزيع الثروة على الفئات الفقيرة التي استجدت بعد 2006.
على ملاك الأسهم تولي إدارة محافظهم، ومتابعة السجل التجاري للشركات التي يحملون أسهمًا بها، وعدم بيع المحافظ، ومتابعة القضايا ضد إجراءات العبث بأموال الصندوق، التي تجاوزت 1450 قضية.

مسؤولية القوى الوطنية اعتبار موضوعي المتقاعدين وملاك المحافظ قضايا وطنية، تجاه محدودي الدخل، واستمرار التحريض والترشيد إلى أن تقوم الدولة بمعالجات جذرية.

إن مجموع هاتين الفئتين (المتقاعدين وملاك المحافظ) تتجاوز نصف مليون أسرة، أي نحو ثلث السكان، من ذوي الدخل المحدود، فعلى قيادة المتقاعدين وملاك المحافظ؛ تنظيم أنفسهم بتفعيل نقاباتهم وتشكيل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني، ليخلقوا بخزانهم البشري ورقة ضغط، وتشكيل راي عام، والاستعداد للسيطرة على الانتخابات، ليحرموا النهابين من توظيف أموالهم الفاسدة للدعاية ولشراء الأصوات لتشكيل مجالس تصدر تشريعات وتنصب حكومات تعمق الفجوة الطبقية، الحل الجذري إصدار تشريع انتخابي للتمييز الإيجابي لذوي الدخل المحدود في عملية الانتخابات، لكنه قد يكون مستبعدًا إن لم تتولَّ الأمر إدارةٌ وطنية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى