رأي

أ.د. هاني جرجس عياد يكتب.. برامج التأهيل الاجتماعي للمسجونين: ركيزة للإصلاح وإعادة الإدماج

تعتبر برامج التأهيل الاجتماعي للمسجونين من الركائز الأساسية التي تسعى المؤسسات الإصلاحية إلى تطبيقها بهدف تمكين السجناء من العودة إلى المجتمع كأفراد منتجين وملتزمين بالقوانين.

تركز هذه البرامج على معالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي قد تكون دفعت السجين إلى ارتكاب الجريمة، مما يجعلها جزءًا مهمًا من جهود الحد من تكرار الجرائم.

في هذا السياق، يتم تصميم برامج التأهيل لتكون شاملة وتتناول الجوانب المختلفة للشخصية البشرية، بما في ذلك الجوانب النفسية، الاجتماعية، التعليمية، والمهنية، بهدف تسهيل الانتقال من الحياة داخل السجن إلى الحياة في المجتمع. كما تهدف هذه البرامج إلى تغيير المفاهيم والسلوكيات التي قد تكون ساهمت في ارتكاب الجريمة، مما يعزز فعالية البرنامج بشكل كبير في تحقيق أهدافه.

اقرأ أيضا: أ.د. هاني جرجس عياد.. الإعلامُ الجديد كمجالٍ للتفاعل والتأثير

ومن هذا المنطلق، تُعرّف برامج التأهيل الاجتماعي بأنها مجموعة من الأنشطة والخدمات التي تهدف إلى تنمية المهارات الحياتية، الاجتماعية، والمهنية لدى المسجونين. وتساهم هذه الأنشطة في تعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات التي قد تواجههم بعد الإفراج، مما يساعدهم في بناء حياة مستقرة ومستدامة. على سبيل المثال، تشمل هذه البرامج التدريب على مهارات التواصل الفعّال، وكيفية التعامل مع الضغوط الحياتية بشكل صحي، بالإضافة إلى اكتساب مهارات مهنية قد تفتح أمامهم أبواب العمل وتحسن من فرصهم الاقتصادية. هذه الأنشطة بشكل أساسي تعمل على تجهيز السجين لمواجهة الواقع الجديد بعد الإفراج، وتزيد من فرص نجاحه في الاندماج الاجتماعي والمهني.

ولفهم أهمية هذه البرامج، يجدر بنا الإشارة إلى دورها في تحقيق الأمن المجتمعي. فهي تعمل على تقليل احتمالات العودة إلى السلوك الإجرامي من خلال مساعدة السجين على تطوير ذاته والتكيف مع القيم المجتمعية. إلى جانب ذلك، تسهم البرامج في تحسين حياة السجناء النفسية والعاطفية عبر تقديم الدعم والإرشاد اللازمين. من خلال الدعم النفسي والاجتماعي، يحصل السجين على فرصة للتغلب على الآثار النفسية التي قد تكون ناجمة عن تجربته في السجن، مما يساعد في بناء شخصية أكثر توازناً واستقراراً. كما أن وجود برامج تعزز الثقة بالنفس وتساعد السجين في مواجهة ضغوط الحياة بعد الإفراج يعزز من تحفيزه للاندماج الفعّال في المجتمع.

وبالنظر إلى مجالات هذه البرامج، نجد أنها تشمل التعليم، التدريب المهني، والدعم النفسي والاجتماعي. على سبيل المثال، يتيح التعليم للسجناء فرصة استكمال دراستهم، مما يساعدهم في الحصول على مؤهلات علمية قد تكون ضرورية لتحسين فرصهم في سوق العمل. بينما يساعد التدريب المهني في اكتساب مهارات عملية تفتح لهم أبواب العمل بعد الإفراج، مما يعزز من استقلالهم المالي ويقلل من احتمالات العودة إلى الجريمة. في الوقت نفسه، تسهم جلسات الإرشاد النفسي في تخفيف الضغوط النفسية وإعادة بناء الثقة بالنفس. هذه المكونات جميعها تعمل معًا لتوفير بيئة ملائمة لنمو السجين بشكل إيجابي، مما يعزز من فرصه في تحقيق حياة جديدة ومستقرة بعد الإفراج.

وفي هذا السياق، تتولى الجهات الحكومية والمؤسسات الإصلاحية إعداد هذه البرامج، بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. ويأتي ذلك في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تقديم برامج فعالة تُراعي احتياجات كل سجين على حدة، مما يعزز من فرص نجاحها. تتطلب هذه البرامج التنسيق المستمر بين مختلف الأطراف المعنية لضمان توفير الدعم اللازم وتقديم التدخلات الملائمة لكل سجين وفقاً لاحتياجاته الخاصة. علاوة على ذلك، تساهم هذه الاستراتيجيات في خلق بيئة إصلاحية قائمة على التعاون والشراكة بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، مما يعزز من فعالية هذه البرامج ويزيد من فرص نجاحها في تحقيق أهدافها.

ومن الجدير بالذكر أن إعداد هذه البرامج يتطلب مراعاة عدد من العوامل المهمة، مثل ضمان توافقها مع القوانين المحلية، وإجراء تقييم دقيق لاحتياجات السجين الفردية، إضافة إلى توفير الموارد اللازمة لضمان استدامة البرامج. يُعد التقييم الدوري لنتائج هذه البرامج أمرًا حيويًا لتطويرها وتحسين فعاليتها. من خلال التقييم المستمر، يمكن قياس تأثير البرامج على حياة السجناء وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة لتعديل أو تحسين بعض الجوانب، مما يضمن تحقيق أفضل نتائج ممكنة. كما أن تخصيص الموارد البشرية والمادية اللازمة لتطبيق هذه البرامج يسهم في ضمان استدامتها وتحقيق أثر إيجابي على المدى الطويل.

وعلى الرغم من أهميتها، تواجه برامج التأهيل الاجتماعي تحديات عديدة، أبرزها الوصمة الاجتماعية التي قد تعيق اندماج السجين في المجتمع بعد الإفراج. قد يشعر السجناء الذين أتموا فترة عقوبتهم بأنهم غير مرحب بهم في المجتمع، وهو ما قد يؤثر على دافعهم للاندماج بشكل إيجابي. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون نقص الموارد والتمويل عقبة رئيسية أمام تنفيذ البرامج بشكل شامل وفعّال. وفي بعض الحالات، قد تواجه المؤسسات الإصلاحية صعوبة في توفير تدريب وتأهيل مستمر للعاملين في هذه البرامج، مما قد يحد من جودة الخدمات المقدمة. تتطلب مواجهة هذه التحديات تعاوناً مستمراً وفعّالاً بين جميع الجهات المعنية لضمان توفير الدعم الكافي والتغلب على هذه العقبات.

إذن، يمكن القول إن برامج التأهيل الاجتماعي للمسجونين تمثل خطوة ضرورية لتحقيق العدالة الإصلاحية. من خلال تزويد السجناء بالمهارات والدعم اللازمين، تُسهم هذه البرامج في تقليل الجريمة وتعزيز الأمن المجتمعي، مما يجعلها استثمارًا طويل الأمد في استقرار المجتمع ورفاهيته.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى