بين دفتي كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم توجد العديد من الكنوز الربانية، التي تحتوي على ما لم تره العين وما لا يقدر بثمن، كنوز من شأنها أن ترفع من قدر صاحبها وتحصنه وتحفظه وتبارك له في أعماله صغيرها وكبيرها وتجعله محبوبا في الأرض وفي السماء.
ذكر الله عز وجل
ومن هذه الكنوز، ذكر الله سبحانه وتعالى، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وغيرها من الأذكار التي لها فضائل كثيرة عند الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى وقوله الحق يصف أولي الألباب “الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ آل عمران الآية 191، وتفسير ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين، رضي الله عنه، أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال: “صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك” أي: لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم.
جاء في صحيح مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ)، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لَقِيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْرِيَ بي، فقال: يا مُحمَّدُ أقْرِئْ أُمَّتَك منِّي السلامَ، وأَخبرْهم أنَّ الجنةَ طيبةُ التُربَةِ، عذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ” رواه الترمذي في سننه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: “يَا عَبْدَ اللـهِ بْنَ قَيْسٍ – يقصد أبو موسى الأشعري-، أَلاَ أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الـجَنَّةِ؟ فَقُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللـهِ، قَالَ: قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللـهِ” الحديث مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ النَّسَائِيُّ: “وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ”.
وذلك لأننا مأمورون بالتضرع إليه سبحانه وتعالى في كل الأوقات في الصباح ووقت الظهيرة وفي المساء، ويستحسن أن يكون ذكره عز وجل في الأسحار لأنها ساعة استجابة (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات الآية 18، والأسحار جمع سحر، وهو الثلث الأخير من الليل، والاستغفار سنة يغفل عنها كثير من الناس في هذا الوقت، ولاسيما في هذا الشهر الفضيل الذي يوفق فيه كثير من الناس إلى الاستيقاظ باكرا في وقت السحر.
وورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فيقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟”
إن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار تجديد للإيمان وسبب لمحو الذنوب والمعاصي ولو كانت مثل زبد البحر، وتكفير الخطايا، ونجاة للمؤمن في الدنيا والآخرة، وحصن حصين له من النار يوم الحشر (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء الآية 88-89، وسبب أيضا لنيل رضى الله عز وجل ونيل مغفرته وأجره العظيم، قال تعالى: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) الأحزاب الآية 35.
تسبيحة ذي النون
ومن أعظم التسبيحات التي سجلها التاريخ بذكرها في القرآن الكريم، تسبيحة سيدنا يونس عليه السلام، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وهي تسبيحة من رددها في دعائه وفي صلواته له فضل وأجر كبير عند رب العالمين، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعاه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”. رواه الترمذي، واللفظ له، والنسائي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وقال عز وجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) الأنبياء الآية 87 – 88، بمعنى أن هذه التسبيحة ليست خاصة بنبي الله يونس عليه السلام وإنما تشمله وتشمل كل المؤمنين العاملين ممن دعوا بها.
و(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) اعتراف بوحدانية الله تعالى، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به ولا يليق بعظمته، وتنزيهه أيضا من كل العيوب والنقائص.
فهذه التسبيحة هي التي أنقدت سينا يونس من بطن الحوت وأعادته سالما معافى إلى قومه وأهله وذويه (ولولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). الصافات الآية 143- 144
قال القرطبي: أخبر الله عز وجل أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته، ولذلك قيل، إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وفي هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم “من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل”، رواه أحمد في كتاب الزهد.
الكل يسبح ويكبر
ثم إن كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى تسبح بحمد الله وتقدس له، الشمس والقمر والنجوم والجبال والطير والشجر والحجر والدواب وغيرهم الكل يسبح ويكبر ويهلل ولكن لا نفقه تسبيحهم، حتى الطعام الذي بين يديك يسبح بحمد الله ويقدس له كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل”، يقول الحق سبحانه وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبع وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الإسراء الآية 44.
ويشهد لهذا القول ويعضده أيضا آية السجدة في أول سورة الحج وهو قوله عزل وجل: (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذاب) الحج الآية 18.
إن ذكر الله إنما هو غرس يغرسه المسلم لنفسه في الجنة كما جاء في الحديث المذكور على لسان سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام “وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”، ورمضان مناسبة عظيمة لنزيد في هذا الغرس حتى يجري رطبا على ألسنتنا ونصل به إلى الله سبحانه وتعالى بقلب سليم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب