الرئيسيةدراساتعسكرية

أسباب انتشار السلاح الصغير والخفيف في أفريقيا

د. مصطفى عيد إبراهيم. خبير الشئون الدولية

تشهد منطقة غرب أفريقيا الكبرى اضطراباتٍ كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث شهدت أكثر من نصف دول المنطقة محاولات انقلاب على الحكم وهو تهديدٌ متزايدٌ في جميع أنحاء القارة. أو تواجه حركاتٍ انفصاليةً مسلحة. وبينما أحرزت بعض الدول تقدمًا في مواجهة التهديد المتزايد للعنف المسلح، تدهورت قدرات دولٍ أخرى على الحفاظ على امن واستقرار الدولة الوطنية. مما يُسهّل التزويد السريع بالأسلحة الصغيرة[1] والذخيرة غير المشروعة – بل وحتى أنظمة الأسلحة الثقيلة أحيانًا – ويزيد من وتيرة التطرف العنيف ويقوّض سيادة القانون[2].

هل تستعد ألمانيا للحرب

خريطة السلاح في إفريقيا

تعد خريطة السلاح في القارة الافريقية عامة، خريطة معقدة يتداخل فيها العديد من المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وتحركها عوامل اقتصادية ومجتمعية وسياسية، فتناول امرا واحد من المستويات دون إدراك العوامل الأخرى المحددة لشكل هذه الخريطة، يخل بالصورة الواقعية السائدة في معظم دول القارة. ويتحكم في توزيع خريطة السلاح في القارة الافريقية عامة ومنطقة غرب افريقيا الكبرى عدة محددات وهي محدد الموارد والثروات الخام والطبيعية، والثانية محدد الديموجرافيا التي تظهر عليها تركيبة المجتمعات وتوزيع القبائل والجماعات الاثنية، أما المحدد الثالث فيتمثل في الحدود السياسية التي عملت الدول الاستعمارية على رسمها وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية. من خلال هذه المحددات يمكن أن نفهم طبيعة الصراعات القائمة داخل إفريقيا بوجه عام، ومدى تأثيرها او قدرتها على إسقاط الدول والأقاليم المختلفة، وخاصة وان الدول الاستعمارية ما زالت تمارس بعض النفوذ والعمل على إثارة المشاكل داخل كل دولة عبر توظيف التقاطعات بين تلك المحددات وإدارة الخلافات بين الدول والمكونات المجتمعية المتباينة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في الاستيلاء على الموارد والثروات الطبيعية.

ان انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة قد غيرت من المشهد السياسي والاقتصادي والديموجرافي والاجتماعي والثقافي في أفريقيا بشكل مذهل، وإن كان دمويًا. وتُشكّل الأسلحة الصغيرة والخفيفة أحد العوامل الرئيسية في تصعيد الصراع وعدم الاستقرار في مناطق العنف في أفريقيا. حتى في المناطق الهادئة نسبيًا في أفريقيا – مثل بوتسوانا وسيشل وجزر القمر – وفي “جيوب السلام” داخل الدول المعرضة للصراع – مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وتنزانيا، تُثار مخاوف من انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة لتأجيج الصراعات الكامنة والجرائم. فالقارة الافريقية قارة مليئة بالمفارقات والتناقضات. فمن ناحية، تُصوَّر على أنها موطن الحضارات القديمة، وتاريخها العريق، وغنية بالموارد المعدنية، وتزخر بنباتات وحيوانات مذهلة، وموطن لشعب كريمة مضيافة. من ناحيةٍ أخرى، تُوصف أفريقيا أيضًا بأنها موطنٌ للحروب الأهلية، والدول الفاشلة، والصراعات الطائفية، والمجتمعات المتناحرة، وصراع المزارعين والرعاة، والتمرد المتصاعد والتطرف العنيف، وعمليات القتل العشوائية للمواطنين الضعفاء. ولا شك ان هناك بعض الحقيقة في كلا النقيضين.[3]

بالإضافة الى ذلك، تواجه معظم الدول الأفريقية أزمة أمنية وصراعًا على سلطة الدولة وشرعيتها بين فصائل متباينة من النخب والمجتمع. في كثير من الحالات، فشلت الدولة في توفير الأمن، مما سمح للمواطنين والمجتمعات المحلية بتطبيق القانون بأنفسهم، وبما سمح للمواطنين والقبائل بإمكانية الوصول غير المقيد إلى الأسلحة من الساحة العالمية من خلال عمليات نقل غير رسمية محليا وخارجيا. وكان هناك ضعف في المساءلة في التحكم وإدارة المخزونات الرسمية من السلاح داخل الدول بعض الدول الافريقية ذاتها، وفي الاستخدام غير المشروع لترسانات الدول ذاتها: مثل نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب أفريقيا وكينيا، حيث اتُهمت القوات المسلحة والجماعات شبه العسكرية بالاستخدام غير الأخلاقي وغير القانوني للأسلحة ضد المواطنين. في الوقت نفسه، أتاحت سرقة الأسلحة من المخزونات الرسمية لأفراد المجتمع – بمن فيهم العصابات الإجرامية والمتمردون والمجتمعات المحلية – الحصول على الأسلحة لأغراض تهدد وجود الدولة ذاته. في العديد من الدول الأفريقية. كما ظهر وازدهر الإرهابيون والمتمردون والعصابات الإجرامية المحلية – جميعهم مدججين بالسلاح بأسلحة تم الحصول عليها من مصادر محلية وخارجية – وهم يتحدون الدولة المضيفة بشكل متزايد، ويواجهون ضباط إنفاذ القانون، ويهاجمون المجتمعات الضعيفة، ويثيرون الخوف في المجتمع، ويخلقون “مساحات غير خاضعة للحكم”. بدلاً من الحياة الطبيعية.

على المستوى الإقليمي

تواجه المنظمات الإقليمية الأفريقية تحدياتٍ متنوعة، تتراوح بين المناوشات العابرة للحدود بين الدول المحلية، وتصاعد الجريمة العابرة للحدود الوطنية والإرهاب، مما يتطلب عملاً جماعياً. وقد أتاحت البروتوكولات القارية والإقليمية للحد من الأسلحة الصغيرة وإدارة النزاعات آلياتٍ عابرة للحدود الوطنية لمعالجة النزاعات والجرائم، إلا أن هناك عقباتٍ في إنفاذها، وضمان الأمن الإقليمي التعاوني بين الدول الأفريقية.

غالبًا ما لا يوجد تمييز واضح بين الجريمة العنيفة والصراع، والشرط الأساسي لكليهما هو الأسلحة النارية. تتورط مجموعات من الرجال المسلحين في جميع أشكال الجريمة العنيفة في المنطقة، التي شهدت فترات من الاضطرابات منذ التسعينيات [4] وقد ساهمت عدة عوامل مترابطة في نمو كل من التمرد واللصوصية في منطقة الساحل والغرب الافريقي، بما في ذلك التوترات بين الطوائف، والعنف بين المزارعين والرعاة، والتطرف الديني العنيف، والتنافس على الموارد الشحيحة مثل المياه والأراضي الصالحة للزراعة. كلما طالت فترة انعدام الأمن في المنطقة، زاد احتمال حمل الناس للسلاح هناك. من وجهة نظر ضحايا العنف، لا يهم ما إذا كان الدافع إجراميًا أم سياسيًا. فبعد سقوط الرئيسي الليبي معمر القذافي عام 2011، عاد جنود الطوارق الذين خدموا في الجيش الليبي إلى منطقة الساحل بأسلحة منهوبة، مما ساهم في تعجيل أحدث سلسلة من تمردات الطوارق في شمال مالي. أعقب هذا التمرد انقلاب في مالي عام 2012. استغلت الجماعات المتطرفة الفوضى التي أعقبت ذلك، مما أدى إلى نمو وترسيخ جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. ومن خلال الاستيلاء على قواعد عسكرية وشرطية في شمال البلاد، أضافت هذه الجماعات أسلحة مالية إلى ترساناتها.[5] وقّعت الجماعات الانفصالية الطوارقية الرئيسية اتفاق سلام مع الحكومة المالية عام 2015، لكن الجماعات المتطرفة تواصل شن الهجمات، مع امتداد الصراع إلى بوركينا فاسو والنيجر، ولا سيما في المنطقة الحدودية المعروفة باسم ليبتاكو غورما.[6]

في نفس الوقت تقريبًا الذي شهد تمرد الطوارق، وإن كان ذلك بشكل مستقل، وسّعت الجماعة المتطرفة العنيفة المعروفة باسم بوكو حرام نطاق عملياتها من شمال شرق نيجيريا ليشمل أجزاءً من الكاميرون وتشاد والنيجر الواقعة في حوض بحيرة تشاد الأوسط. ومع ذلك، فإن وقوع هذه الأحداث التي تبدو غير مرتبطة في تزامن قد يشير إلى وجود دافع مشترك. فهناك جدل ، على سبيل المثال، حول تأثير العوامل البيئية، مثل تغير المناخ، على النزاعات في منطقة الساحل، ومدى إمكانية عزلها عن قضايا أخرى مثل الحوكمة والتركيبة السكانية. ويظل حوض بحيرة تشاد الأوسط ومنطقة الساحل الأوسط مسرحَي الصراعات الحالية في غرب ووسط أفريقيا.

ولقد أدت هذه الصراعات إلى نزوح جماعي للسكان، وتعطيل الزراعة والتعليم المحليين، وأدت مؤخرًا إلى انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى محاولة انقلاب في النيجر[7]. بالإضافة إلى ذلك، في تشاد، خاضت جهات مسلحة مختلفة، بما في ذلك المرتزقة والمتمردون العاملون على جانبي حدود البلاد مع ليبيا والسودان، معارك مع بعضها البعض على الموارد والسيطرة الإقليمية، وكذلك مع الحكومة التشادية[8].  حيث توفى الرئيس الشادي ادريسي ديبي، في أبريل 2021، متأثرًا بجراحه التي أصيب بها في اشتباكات مع المتمردين في شمال البلاد. ومن اللافت للنظر أن المصدر الأكبر للحوادث العنيفة في غرب إفريقيا لا يرتبط في الواقع بالاشتباكات بين الجماعات المسلحة والقوات الموالية للحكومة[9].

هشاشة الدولة الوطنية

تشهد افريقيا العديد من اشكال الصراعات والمستويات منها ما يمكن أن نعرفه بأنه المستوى الذي يشهد توترات وصراعات بين الدول، ويتمحور حول إشكاليات حول الحدود كما هو الحال بين الجزائر و المغرب؛، حيث يعد ملف الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو أحد الملفات الشائكة بين الدولتين، وهو ما يدفع الى تدفق السلاح وزيادة نفقات التسليح حيث بلغ الإنفاق العسكري في الجزائر نحو 9.7 مليارات دولار في عام 2020 وهو أقل بنسبة 3.4 في المئة مما كان عليه في عام 2019 لكنه ظل إلى حد بعيد الكبر في إفريقيا، أما في المغرب فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري، عام 2020 نحو 4.8 مليارات دولار بزيادة 29 في المئة عن عام 2019 وبنسبة 54 في المئة عن عام .

.أما المستوى الثاني من الصراعات فيتمثل في الحروب غير النظامية أو الحروب غير المتكافئة التي تكون بين الجيوش النظامية ضد الجماعات المسلحة سواء متمردون داخل الدولة أو تنظيمات عابرة للحدود، وتتصدر منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث الإنفاق العسكري هذا المستوى؛ حيث بلغ حجم الإنفاق العسكري 18.5 مليار دولار عام 2020 وهو أعلى بنسبة 3.4 في المئة مما كان عليه عام 2019 وأقل بنسبة 13 في المئة مما كان عليه عام .2011 فيما خصصت نيجيريا 2.6 مليار دولار لجيشها عام 2020 بزيادة قدرها 29 في المئة مقارنة بعام 2019 من أجل مواجهة تنظيم بوكو حرام وغيره من الجماعات المتمردة.  وهذه المستويات المختلفة من الصراعات تسمح بشكل او باخر بتدفق السلاح وتهريبه ووصوله الى افراد وجماعات اما من اجل الحماية الشخصية او الدفاع عن نفسهم لانعدام الثقة في الدولة وقوات انفاذ القانون او لتحقيق اهداف لتلك الجماعات. وقد صاحب هذا أيضا ظهور شركات الأمن الخاصة أو شركات عسكرية خاصة. حيث يوفر النوع الاول خدمات مثل حماية مقرات السفارات والبنية التحتية والموانئ، وقد تشمل أيضا حماية المناجم ومقرات الشركات الأجنبية والعاملين فيها. أما الشركات العسكرية الخاصة فيبرز استخدامها في الشأن السياسي أكثر حيث توفر حماية للمسؤولين في الدول الإفريقية وتقدم الاستشارات العسكرية وتعمل على تدريب القوات المحلية سواء فرق تابعة للجيش أو الشرطة، كما توفر خدمات خاصة مثل جمع المعلومات الاستخبارية، وفي بعض الأحيان تشارك في مهام قتالية. وبصفة عامة، يمكن للشركات العسكرية الخاصة تقديم خدمات الشركات الأمنية الخاصة وتهتم الدول الكبرى بدعم هذه الشركات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال علاقاتها بالأجهزة الأمنية المعنية. ويسعى قادة الدول الإفريقية إلى توقيع عقود مع الشركات لتوفير الأمن الشخصي لهم أو لمواجهة المتمردين. وتتميز كل منطقة جغرافية في إفريقيا بخصائص محددة من حيث طبيعة المجتمعات والأنظمة السياسية والاقتصادية وتضاريسها، وهو ما يجعل الشركات أمام خيارات متعددة من أجل تقديم خدماتها، فعلى سبيل المثال تتميز منطقة شمال إفريقيا باستقرار سياسي نسبي، باستثناء ليبيا، فيمكن أن نجد شركات الأمن الخاصة هي الأكثر انتشارا، أما غرب إفريقيا فتوجد مشاكل متعلقة بأمن الملاحة وحركة التجارة البحرية ما يمثل فرصة لبعض الشركات للعمل في دلتا النيجر وخليج غينيا، وكذلك في سواحل شرق إفريقيا خاصة سواحل الصومال التي تنتشر فيها عمليات القرصنة. أما في دول كليبيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والنيجر ومالي التي تعاني حكوماتها ضعفًا أمام حركات التمرد والجماعات المسلحة فتنتشر الشركات العسكرية الخاصة بكثافة عالية وبما يعرض مؤسسات الدولة الوطنية الى الضعف وعدم القدرة على القيام بمهامها الرئيسية وبما يسمح بزيادة حجم السلاح الخفيف والصغير خارج إطار القانون.

وختاما، فانه رغم الجهود المبذولة وخاصة من قبل الاتحاد الافريقي من اجل الحد من انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة عبر التعاون مع الدول الأعضاء وانشاء قاعدة بيانات توضح حجم تدفق هذه الأسلحة وأماكن تركيزها وتواجدها وتعاون نحو عشرين دولة مع جهود الاتحاد. الا انه لا يزال تعاون منقوص وهناك عدم قدرة على التحديد الفعلي لجم السلاح خارج نطاق الدولة ويساهم في ذلك فقدان القدرة في متابعة المخزون الحكومي والتحكم في التهريب الداخلي والخارجي فضلا عن النزاعات والمشكلات الحدودية وضعف المنظمات مثل الايكواس وشرق افريقيا في القيام بمهامهم وفي ضوء توجهات عدد من الدول من الانسحاب منهم.

 

[1] – وفق تعريف الأمم المتحدة، هي تلك التي يمكن أن يحملها شخص أو اثنان أو تلك التي يمكن تركيبها على مركبة أو جرها بواسطة حيوان من مكان إلى آخر، وتكون مصممة لإطلاق طلقة أو قذيفة ويصف معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع الأسلحة الصغيرة بأنها تشمل: المسدسات والبنادق القصيرة والبنادق الرشاشة والمدافع الرشاشة الخفيفة وقاذفات القنابل اليدوية والبنادق المحمولة المضادة للطائرات أو الدبابات والبنادق عديمة الارتداد وقاذفات الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات ومدافع الهاون أقل من 100 مليمتر.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

[2] – https://ipisresearch.be/maps-data/maps-of-arms-trade-security/

[3] – U. A. Tar and C. P. Onwurah (eds.), The Palgrave Handbook of Small Arms and Conflicts in Africa, https://doi.org/10.1007/978-3-030-62183-4_1

 

[4]

[5] – Savannah de Tessières, At the Crossroads of Sahelian Conflicts: Insecurity, Terrorism, and Arms Trafficking in Niger (Geneva, Small Arms Survey, January 2018).

 

[6] – https://www.unodc.org/documents/data-and-analysis/tocta_sahel/TOCTA_Sahel_firearms_2023.pdf

[7] – Joseph Sany, “A sixth coup in Africa? The West needs to up Its game”, United States Institute for Peace, 2 February 2022.

 

[8] – International Crisis Group, “Au Tchad, l’incursion des rebelles dévoile les fragilités du pouvoir”, 13 February 2019.

 

[9] – United Nations Secretary General, Secretary-General Hails Late President’s Tireless Efforts for Stability in Chad, at General Assembly Tribute to Memory of Idriss Déby Itno, SG/SM/20708, 3 May 2021.

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى